بقلم/ نادية خلوف
جريدة الاهرام الكندى
كلنا شركاء
الجميع يردّد أنّ الشّعب هو الحكم، وكأنّ سورية تحتضن شعباً، وليس خراباً.
جاء انتصار بشار مع نجاح أردوغان ، وكلا الانتصاران كانا كاسحين.
انتصر بشار عندما وحدّ المعسكرين الغربي والشّرقي في محاربة الشعب السّوري.
كما أن أردوغان انتصر من خلال لعبة الانتخابات، وعرف كيف يدير اللعبة.
الكثير من السّوريين مشغولون اليوم بنجاح أردوغان.، ولا يعنيهم أمر الموت ،يعتبرون نجاحه نصراً لهم. صحيح أن هناك ملايين السوريين في تركيا، ولو نجح الطرف المعارض لكان مصيرهم على كفّ عفريت، وبالمقابل كان خطاب الطرف المعارض فئوي، وإلى حدّ كبير مع النّظام السّوري، ولكن هذا لا يدعو إلى التّهويس، والرّقص، والتّفاخر. نحن نموت في سوريّة، ولن يتغيّر الأمر بنجاح أردوغان، أو سقوط أوباما على سبيل المثال.
الحلّ السّوري قاب عقدين أو أكثر قليلاً.
ها هي القوى الغربيّة والشّرقيّة تهبّ لجعل سورية بلداً للمليشيا والمافيا. حكومات العالم طوع أمر النّظام ، والقوة الأمريكيّة القليلة التي تحدّثت عنها أمريكا هي موجودة منذ زمن طويل. وبشكل كبير جداً .هذه القوة لا تحتاج إلى جنرالات للتّدريب بل إلى ارتباط، وكما يعلم الجميع فإنّ الميل إلى الارتباط عند الكثير من السوريين يشبه الحبّ. بل على مدار حكم الأسد كان المرتبطون بالأجهزة الأمنيّة يتفاخرون بهذا الارتباط، وليس هناك بيئة أفضل من بيئة الزّعامة والعشائريّة صالحة لذلك. وهذه القوّة المرتبطة بالقوة القليلة الأمريكيّة مرتبطة بالنّظام وروسيا أيضاً.
نحن الآن أمام عسكر ديموقراطي، وقتل ديموقراطي، وتهجير ديموقراطي، كما أنّنا أمام قتل وطني من قبل قوات الأمّة، وتهجير وطني.
نحن أيضاً أمام قتل ديني، وتهجير ديني.
طعم الحياة في سوريّة واحد، فلم يبق بيت إلا وعرف الحزن والألم.
الشّعب السّوري بشقيه الموالي والمعارض يتمنى أن يأخذ الله بعنايته زعماء الوطن العربي، وزعماء الدّين، يحلم أن يستيقظ فيرى الأمان والعدالة والمساواة أمام القانون، فمن بقي على قيد الحياة بات يفهم اللعبة، ولا يستطيع الدّخول أو الخروج من اللعبة التي تقع في منطقته.
لن يستمرّ هذا إلى الأبد.
بعد قرنين أو أكثر سيكبر أطفال سوريّة. وتموت أمهات الشّهداء فهذا الحزن الذي تقابله كلّ يوم لن يستمرّ طويلاً. سيموتون حزناً على أولادهم، هم يسألونهم كلّ ليلة هل كان هدفكم نصرة العقيدة، أو الطّائفة أم الإنسان. بدأوا يلومونهم على حمل الورود والهتاف للحريّة، بدأوا يعاتبونهم حول موتهم.
هذا ليس تشاؤماً. عقدان من الزمن ليس بالأمر الطّويل في عمر التّاريخ.
لو كانت سوريّة مكاناً صالحاً للعيش لما غادرها كلّ هذا الكمّ من البشر. أتحدّث عمّن غادروا إلى الغرب، وكانت فرصة لهم للهرب، صحيح أنهم خاطروا بحياتهم. لكنّهم اعتقدوا أنّ الأمر يستحقّ فلم يكن في سوريّا حياة ولن يكون. هم الآن في أوروبا بعضهم يرفع صور بشار وهم الأغلبية، والبعض يرفع علم القاعدة أو أعلام أخرى. هم يمارسون الرّفاه.
حتى الذين خرجوا مشياً على الأقدام كان لديهم بعض المال. لكنّني رأيت البارحة الخارجين من القامشليإلى كوردستان العراق بعد تشكيل القوات الديموقراطية . كانوا شبه حفاة ، وشبه عراة. هؤلاء وبقية الشعب السوري اللاجئ إلى الجدران، والأشجار، ولبنان هم الذين يموتون.
هناك قلّة من السّوريين مستمرّة في تشويه التّاريخ. هذه القلّة لديها هوس الظّهور على الفضائيات، ولكلّ فئة منها حزب، فهؤلاء من حزب قناة الجزيرة، وأولئك من حزب العربية، أو ال بي بي سي، أو حتى قناة الدّنيا. هنا يمجّدون الملك، وهناك يصرخون شكراً أردوغان، يحملون أعلامهم ويمشون، أصبح علم الثورة يتلطى به المجحفون بحقها. أما عن الفنّانين والكتاب، والشعراء، والمخرجين، فقد اختبأ ت كلّ فئة منهم في ظلّ شخص أو مكان يظّلها، ولو سمعت بحجم الجوائز التي نالها السّوريين لفقدت ثقتك بأن أمريكا لازالت أقوى دولة في العلم، والتكنولوجيا.
هذه الظّواهر لا تهمّ أمام أشلاء طفل واحد، والأسد لن يبقى إلى الأبد. ستطحنّه إما القوات الديموقراطية، أو الوطنيّة، لكنّ السّؤال:
متى سيستطيع من ينتمي إلى سوريّة أن يعبّر عن رأيه وهو لا يملك المال، ولا السّلاح، ولا الإعلام؟
هل الذين يتحدّثون ليسوا سوريين؟
نعم. هم سوريون المولد، يتحدّثون بالوكالة. .