الأحد , ديسمبر 22 2024
الكنيسة القبطية
الأقباط

نشطاء الكنيسة : شوكة فى ظهر الأقباط والوطن والكنيسة (1)

الكاتب : مايكل عزيز البشموري

عصابات ” المافيا ” هي إحدي أشهر العصابات الإيطالية صيتاً علي مستوي أنحاء العالم ، وترجع قصة المافيا في جزيرة صقلية الإيطالية ، وتحديداً في سنة 1860، فإبان الاحتلال الفرنسي علي إيطاليا ، ظهرت حركة وطنية بتلك الجزيرة ، مناهضة للاحتلال الفرنسي ، وكان شعار تلك الحركة : Morte Alla Francia Italia Anelia ، أي : ( موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا ) ، وتم اختصار هذا الشعار بأخذ الأحرف الاولي من كل كلمة من تلك العبارة ، فجاءت منها كلمة : مافيا .

وكان أعضاء المافيا وطنيين متعصبين يهاجمون جنود الاحتلال الفرنسيين والمتعاونين معهم .

ثم راحوا يفرضون الإتاوات علي التجار من أجل تمويل حركتهم الوطنية ، ومن يرفض يُقتل أو تدمر متاجره .

وكان القضاة يتغاضون عن جرائمهم ، لان القاضي الذي يتجرأ ويحكم علي أحدهم يُقتل أو تُقتل عائلته 

وفي سنة 1880 طلب ملك إيطاليا من أعضاء المافيا بالرحيل خارج البلاد بعدما ضجت الناس

من أعمالهم الشريرة ، وبالفعل رحلت العائلات الخمس الكبري الي أميركا 

وبدأت رحلة المافيا الإيطالية في البلاد الجديدة .

* المافيا الدينية :

إن توظيف الجهل والغرائز الدينية ، وحتي المشاعر الوطنية ، من أجل تحقيق أهدافاً بعينها ، ليس جديداً علينا 

ولعلّ أفضل مثال على ذلك ، قصة المافيا الإيطالية الذي تم سردها عالية .

وأعتقد إن ما يجري داخل مجتمعنا القبطي اليوم ، ولو شكلياً ، يشبه إلى حد كبير ما حدث في إيطاليا في سنة 1860 .

لقد أصبحنا اليوم أمام مافيا دينية قبطية ، يتزعم تلك المافيات مجموعة قبطية تضم ( نشطاء كنسيين ) 

متصلين بشبكة عنكبوتية واحدة ، وتلك المجموعات تمتلك وسائل الاعلام الخاصة بها ، ولديها صفحاتها الخاصة علي الفيس بوك ، ومتابعين بالآلاف ، وكل شخص من هؤلاء لديه اهتماماته الدينية الخاصة 

فمنهم من هو مهتم بالتاريخ الكنسي ، والعقيدة ، والإيمان ، والطقس ، والألحان ، وبالمؤسسة الكنسية بشكلاً عام .

وبالطبع إنه لامراً رائع الاستفادة روحياً من تلك الصفحات القبطية المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وغيره ، فجيد أن يكون للمرء منا اهتماماته الروحية ، ولكن الغير جيد والغير مستحب 

هو أن تتجه تلك الصفحات من الاتجاة الروحي الى الاتجاة التحريضي ، لتعمل على توجيه الاقباط لأخذ مواقف متطرفة من قضايا بعينها 

فإنحرف مدراء تلك الصفحات عن تقديم خدمتهم الروحية المتعارف عليها ( فهم ابتداؤ بالروح ، ولكنهم صاروا فيما بعد حسب الجسد ) 

فأعطى هؤلاء لأنفسهم الحق بأن يكونوا أوصياء على العقيدة والإيمان الارثوذكسي دون غيرهم 

والإفتاء فى أموراً دينية ليس لهم شأناً فيها، وبالتالي بات اولئك النشطاء الكنسيين 

يستخدمون التحريض والهجوم العلني على مَن يرونه مخالف لأفكارهم الدينية المتشددة 

ولم يسلم حتي من هذا الهجوم قادة الكنيسة القبطية أنفسهم ، وذلك تحت بند حماية الايمان الارثوذكسي !

 لا تكن باراً فى َعيني نفسك 

لقد أصبح لدينا نشطاء كنسيين يلعبون دوراً سلبي ومعوقاً فى العمل القبطي العام 

وأصبحوا يعرقلون مجهودات نظرائهم النشطاء الاقباط المدنيين ، العاملين بالشأن القبطي 

والساعين لحل قضايا قبطية تحمل طابعاً مدني وكنسي في آن واحد ، ولم يعط أولئك النشطاء الكنسيين

قدراً من الليونة والمرونة لحل الإشكاليات التي تواجه مجتمعهم القبطي 

فلم يستخدموا لغة الحوار مع الاخر المعارض لهم ، واكتفوا فقط بالهجوم اللاذع علي خصومهم الفكريين 

وتكفيرهم علانية عبر صفحاتهم الفيسبوكية ، في محاولة جنونية منهم لفرض تعاليم متطرفة بعيدة كل البعد عن جوهر المسيحية .

مثال بسيط على ذلك : الهجوم الغير مبرر من جانب نشطاء الكنيسة هؤلاء ، على الكنائس والمعتقدات المسيحية الاخرى ، وتصاعد لهجة التكفير لديهم ، ووصفهم لبعض المسيحيين جزافاً بالمهرطقين ، بشكل لا يليق .

تلك الرؤى المتشددة وغيرها ، لا تصلح في زمننا هذا ، ويرفضها الكثير منا ، لان تلك التعاليم المنبوذة ومواد الكراهية التي ينشرها هؤلاء النشطاء ، تتشابه بشكل كبير مع الأفكار السلفية الاسلامية المتطرفة ، وهنا مكمن الخطورة .

فأي ناشط قبطي يرفض ويندد بتلك التعاليم الغريبة التى ينشرها اولئك النشطاء ، يتم الهجوم عليه والنيل من شخصه من قبلهم – هنا – بدأت تتولد الخصومات والنزاعات الشخصية بين المختلفين في الفكر والتوجهات بين أبناء الكنيسة الواحدة ، فأصبحنا نرى أشياء لم نكن نراها أو نسمع عنها من قبل داخل كنيستنا ، وهو تكفير الاقباط لبعضهم البعض ، واستخدامهم الحرمانات الكنسية عشوائياً ضد بعضهم البعض ، وكأننا فى عصور المجامع الكنسية ! 

الامر الذي سبب عثرات كبيرة لدى أبناء الشعب القبطي ، لاسيما أن المواد الدينية المتطرفة التى ينشرها اولئك النشطاء عبر صفحاتهم بالفيس بوك ، يشاهدها ويتابعها عشرات الالاف من الاقباط .

* نشطاء الكنيسة وعٌقدة مجمع ” خليقدونية “:

نحن نعتبر أقباط أسمياً ، ونعتبر أيضاً عرب أسمياً ، فلم يتبقي لنا أي هوية ، ولم نعد نستطيع الافتخار بقوميتنا القبطية صاحبة أعظم إمبراطوريات التاريخ القديم ، الامبراطورية الفرعونية ، فالاقباط هم الوريث الشرعي لتلك الحضارة الانسانية العظيمة ، الذي يزيد عمرها أكثر من أربعة الاف سنة حسب التقويم القبطي ، فلم يعد بإستطاعتنا الافتخار بقوميتنا ، لان أساس أي قومية هو الاعتزاز بلغة الشعب الوطنية .

ولغتنا القبطية ( الذي بفضلها تم معرفة اللغات المصرية القديمة على حجر رشيد ) ، قد انقرضت اليوم ، واندثرت بسبب براثن الماضي البعيد ، والالآم الاضطهادات المريرة الذي تعرض لها الشعب المصري المسيحي طوال فترة حكم العرب البدويين لهم ، وذلك بمنتصف القرن السادس الميلادي وإلى الآن 

فعندما لم يستطع أبناء الفراعنة الاقباط ، التصدي للغزو البدوي الهكسوسي إبان ثورة البشموريين في القرن الثامن الميلادي ، حينها ضاعت الحضارة ، وضاعت الارض ، وضاعت اللغة ، وأصبح السيد عبداً ذليلاً فى أرضه ، والعبد سيداً عظيماً ، فأي عاراً هذا لحق بتلك الأمة ؟ وأي مأساة تلك تعرض لها هذا الشعب المنكوب ؟

فالشيء الاخير والوحيد المتبقي لهذا الشعب المنكوب بعد سنوات الضياع تلك ، هو ( الايمان الارثوذكسي ) الذي توارثه الاقباط عن أجدادهم وأبائهم جيلاً بعد جيل ، وهذا ما يفسر لنا ويوضح الأسباب الحقيقية وراء تشدد نشطاء الكنيسة هؤلاء ، وبالطبع نحن نتفهم نواياهم الحسنة تلك ، ونحترم مشاعرهم النبيلة حيال هذا الامر ، ولكن مثلما ذكرنا بأن رجال ( المافيا ) الوطنيين كانت نوياهم أيضاً حسنة ونبيلة ، وانتهي بهم الحال الي أشخاص قتلة ومجرمين !

نرجع لحديثنا حول الايمان الارثوذكسي ، الذي بسببه تنازل المصريين على أعز ما يمتلكونه ، فكان الثمن فادحاً للغاية بالنسبة لوطنهم ، فأبناء أثناسيوس كما يحب أن يصف نشطاء الكنيسة انفسهم به ، ما زالت عٌقدة مجمع خليقدونية وتداعياته التاريخية تراود مخيلتهم ، وتداعب مشاعرهم وأحاسيسهم الروحية والايمانية بل والوطنية أيضاً ، فتحولت الكنيسة بالنسبة لهؤلاء إلى وطناً يعيشون فيه ووطناً يعيش فيهم .

وتلك العُقدة الخليقدونية مازالت تتحكم في تصرفاتهم وطريقة تفكيرهم نحو الاخرين ، وهذا ما يجعل أولئك النشطاء أسرىَ لدى الفكر الديني العتيق ، فيفسر الاستاذ نصر حامد أبو زيد ، تعريف الفكر الديني بأنه : ” الفكر الذى يجعل للماضي والتاريخ أولية وجودية ومعرفية بحيث يُصبح الجوهر الثابت ، وتتحول علاقة الحاضر به إلى علاقة تبعية وخضوع ” .

إذن نحن هنا أمام إشكالية حقيقية ، متمثلة بين نشطاء الكنيسة ، ونشطاء الاقباط العاملين في الشأن القبطي العام ، فهناك حالة من الصدام الفكري بين الطرفين يحدث بين الحين والآخر ، والسبب في ذلك يرجع ، بأن نشطاء الكنيسة مازالوا تحت تأثير الفكر الديني المنغلق على ذاته ، فيرى أصحاب هذا الفريق أن الكنيسة وعقيدتهم الارثوذكسية لابد أن تكون فى المرتبة الاولي من أولوياتهم ، ثم يليه الوطن فى المرتبة الثانية . ( وهذا ليس إدعاءاً ولكنه حقيقة وهناك إثباتات كثيرة تثبت صحة ذلك ) .

أما بالنسبة للنشطاء الاقباط الغير مختصين بالشأن الكنسي ، فهم يتطلعون نحو تدعيم أواصر الدولة المدنية الحديثة ، وبذات الوقت هم يحترمون ويعتزون بالدور الروحي لكنيستهم القبطية العريقة .

ويحدث الصدام والمواجهة الفكرية مبكراً بين الطرفين ، عندما تتداول إحدي القضايا الخلافية المطروحة على الساحة القبطية ، فعلى سبيل المثال وليس الحصر :

ملف الاحوال الشخصية المتعلق بالأقباط ، ينظر إليه نشطاء الكنيسة بنظرة دينية بحتة ، فدائما نراهم رافعين شعار :

لا طلاق الا لعلة الزنا ، دون النظر لمعاناة متضرري هذا الملف ، أما بالنسبة للنشطاء الاقباط فينظرون لهذا الملف بشكل حقوقي ومدنى وإنساني أكثر من كونه ديني بحت ، ولعدم إحراج الكنيسة وتلاشياً لمواجهة نشطاء الكنيسة هؤلاء ، طالب العديد من النشطاء الاقباط ، ٓسن قانون مدني يسمح بالزواج المدني للاقباط خارج الإطار الكنسي ،

الامر الذي قابلة نشطاء الكنيسة بالرفض القاطع ، والهجوم على دعاة الزواج المدني ، وهذا يوضح لنا بأننا أمام جماعة دينية لا تؤمن على الإطلاق بمفهوم الدولة المدنية والعلمانية ، وبالتالي أي مجهود يبذل في هذا الشأن

سيضيع هباءاً ، نظراً لما يشكله اولئك النشطاء الكنسيين من لوبي أرثوذكسي متطرف يضغطون من خلاله على القيادات الكنسية التى تسعى جاهدة لحل تلك الإشكالية بشكلاً حضاري ، فهؤلاء النشطاء متمسكين حرفياً بقوانين الكنيسة القديمة التي تحتاج إلى تغيير وتطوير 

وبالنسبة للاقباط ( العلمانيين ) يسعون على الجانب الآخر لتطوير المنظومة القبطية الارثوذكسية ، بشكل يتواكب مع معطيات العصر الحديث ، وبشكل يحافظ أيضاً علي الايمان الارثوذكسي المسلم به من قبل الآباء الأولين .

للحديث بقية

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …