واسينيات؛ ورشة تكوين للإبداع الأدبي، و قراءات من « إِمرأة سَريعة العَطَب» (4)
26 أكتوبر، 2015 مقالات واراء
بقلم : نانا جاورجيوس
بعد أن حلً ضيفاً على مركز اليرموك الثقافي بالكويت، إستحضر الأديب الجزائري واسيني الأعرج التجربة العربية في الرواية التاريخية ومنظومة بنائها وكيفيات إنجازها، حيث قال أن المسألة شديدة التعقيد لأنها تنبني على مسؤولية كتابية كبيرة قد تنسف أحياناً بعض الإيقونات التاريخية المثبتة أو تضيف لها أو تنزع منها. كل هذا من خلال مشروع الورشة التدريبية ” تكوين” للكتابة الإبداعية،التي ألتقى خلالها بلقاءات مفتوحة مع قرائه وأطياف من المثقفين والأدباء الشباب ومن الوسط الإعلامي. و عقد عدة ندوات حوارية قدم فيها ورشة الرواية التاريخية، ما يتخللها من أحداث تاريخية تتلاقى مع نسج الرواية وشخوصها، فى تجربة لتمييز الإخفاقات والنجاحات وتحديد أسباب كلّ منها. وحرية الكاتب وهواجسه بين المتاح والمستعصي في مجابهة هذا التاريخ بجموده ورواسخه التي تستند عليه المؤسسات كتاريخ رسمي لديها سواء سياسياً أو دينياً أوثقافياً . وكيفية إنشاء الشخصية التاريخية الخاصة بالرواية وزرعها وسط الشخصيات الحقيقية ودمجها بالأحداث التاريخية لرصد الصعوبات والمخاطر التي قد تحولها الرواية لسرد تاريخي ضعيف.
أما محاور الورشة فوُزعت كالتالي:
أولا: المسافات بين الفعل التاريخي والفعل الروائي.
ثانيا: التجربة العربية وكيفيات تعاملها مع الرواية التاريخية. الإخفاقات والنجاحات.
ثالثا: هاجس الحرية في مواجهة التاريخ وسلطان المؤسسة (التاريخية الرسمية، السياسية. الدينية، الثقافية، وغيرها)
رابعا: كيف ننشيء شخصيتنا التاريخية في الكتابة الروائية. رصد للإمكانات والصعوبات والمخاطر التي تحول الرواية إل تاريخ ضعيف؟
صرّح خلال ندوته أن الرواية مساحة للحرية، دخلت في غمار التجربة الفنية العربية بالنقد والتحليل محملة بسلسلة من الاسئلة المعقدة لا تجد دائما إجاباتها الممكنة. هي ليست دراسات يقينية ولكنها وسائط تسمع بقوة إلى ما لا يسمعه الجميع. هو ما فعله جيل ما قبل الإستقلالات العربية. فقد واجهت الرواية العربية عصرها بالانخراط فيه أولا والدفاع عن قيِّمه. الحرية. الإستقلال. النضال. نقد الخيبات الكبيرة. ضمن إمكانية تأسيس مجتمع جديد وتصورات جديدة. إنتقدت عصرها و إنتقدت أصعب تجلياته الفكرية. إذ أن صورة الدكتاتوريات التي كسرت كل إمكانية للتطور ليست إلا محصلة الخيبات المتواترة وضعتها الروايات العربية في أفق النقد بالتوغل في نظمها الخفية.
وناقش الأديب خلال ندواته، النقاط التالية:
. هل هناك حقيقة تاريخية وحقيقة إفتراضية؟ الحقيقة التاريخية فيها تعدد صوتي، وهذا يعني أن تسمع لمن تحب، ولمن لا تحب.
. التاريخ يسجل هذا الجرح ويمضي، الرواية تعيد فتحه ولو بعد قرون. لا قيمة للمسافات الفاصلة.
. القضية التاريخية هي عتبة أولى، ويجب على الروائي أن يتجاوزها إلى العتبة الثانية.. التي هي المنجز الأدبي.
. هناك فرق بين أن تكتب لتنفّس عن نفسك، وبين أن تخلق مشتَرَكًا بينك وبين القارئ.
الرواية مبنية على التناقضات و ليست على الرأي الأحادي..
. عندما أكتب عن الشخصية التاريخية عليّ أن أرى المادة التاريخية من كل الأوجه، ولا أختزلها في وجه واحد.
. القضية في الرواية التاريخية مهمة، لكنها العتبة الأولى فقط.
. الحدث التاريخي معالجته بسيطة مقارنة بعملية إنشاء الشخصية التاريخية في الرواية.
الحقيقة التاريخية فيها تعدد صوتي، وهذا يعني أن تسمع لمن تحب، ولمن لا تحب..
. كتابة رواية تاريخية هو أفضل تمرين على الكتابة لأنها تتطلب ٣ عناصر أساسية في الكاتب؛ الموضوعية، البحث، والصبر.
. أكثر من سنة وأنا أقرأ كتاب ألف ليلة وليلة، وهو الكتاب الذي أسّس علاقتي مع اللغة العربية بشكل متحرر.
. لا يمكنك أن تشتغل على شخصية تاريخية دون أن تقرأ كلّ ما كُتِب عنها.
. الرواية التاريخية لا توثق الحقيقة بقدر ما توثق اللحظات و الأحاسيس.
. واحدة من وظائف الكاتب هي أن يسيّر التناقضات. وأن يسائلها بعمق.
. المرحلة الأولى في كتابة الشخصية التاريخية هي المقاربة المعرفية.
. التاريخ الذي يضعه البشر تاريخ متوحش، وحده الكاتب يُظهر جمالية البؤس.
– ويرتئى الأديب: أن الكاتب لابد أن يكون صياغة كونية، وتسائل: ما الذي يميّز كاتبًا عن آخر؟ هل هي الشهرة، الموضوعات، سلطان الكتابة، كثرة الاعترافات الدولية والجوائز التي تنام على الحيطان، أو في الخزانات التي احتوت كل جهده.. أم شيء آخر؟؟ أنا مع ذلك الشيء الآخر الذي لا يمكن لمسه، ولا أعتقد أن شيئًا ما يضاهيه بالنسبة للكاتب؛ لأنه هو هويته الأساسية. مثلما للعالم هويته التي ترفعه إلى أعلى المقامات، وهي اكتشافاته واختراعاته ومنجزه العلمي، هوية الكاتب في هذا السياق هي وطنه.
– وسأكتفي هنا بإختيار مقطع صغير من إمرأة سريعة العطب ، وهو بعنوان: ” اكتبني حبيبي ” اكتبني حبيبي ولا تيتمني، مازلت أصرخ على عتبات منافيك ملء يأسي، لم يمتِ الذين نحبهم. غيابك يقهرني ويرميني في مهب حنينك وأسفارك. كم اشتهيت أن أسرق دفء الدنيا وأسكنه في عينيك، ثلوج الشمال هذه السنة لم تكن رحيمة معك. أكتبني ولا تسألني إن كنتُ أحبك، فلم يعرف صدري غير خطوط أصابعك، ووردتا اليتم غير ملمسك ودفئك. بي شوق يمنحني بسخاء العاشق كل دمه وأشجار حنينه، ولا يطالبني بشيء سوى أن أظل على حوافك، وفي بعض لغتك وفيض دمك. بي شوق أن أسكن غيابك لا لأعرف سر أمطارك الخفية ومعابر ماضيك وعواصفك ونجومك، فقط لأتمكن من تغيير مسارات الأقدار وأضعني بين يديك في صلب الغيمة الأولى التي أمطرت داخل قلبك. يقولون إن الأقدار تنصاع للعاشقين. أجيئك خارج ظلال الحزن فقط لأراني فيك، وأستبيح جنونك بي وهبلك وأنتمي أبدا إليك. وكلما رأيتُ الموت يعبر من هنا، تحت نافذتي أو من ضلوعي، استنجدت بظلك الذي فيّ فقط لأستمرّ في الحياة وأشهد أن عرش حبك الذي أسكنني في خيمته، لم يمنح القبيلة فرصة قتلي.
اكتبني حبيبي ولا تسألني إن كان ذلك يروق لي، فهل هناك امرأة عاشقة في برية هذا الكون الجاف، ترفض لغة ترفعها نحو السماء لتسمو بقلب حبيبها؟
هل هناك أنثى انتظرت دهرا حتى مات كل شيء فيها ولم يجفّ قلبها، غابت في مسالك الهبل ذات ليلة، تريد أن تسترجع عقلا كان تيها وموتا شبيها بدم الأنبياء؟ لو وضعوا الدنيا في كف وأنت في كف ثانية لمال القلب نحوك بلا ميزان. اكتبني حبيبي وامض نحوي، لا أحد غيرك يعرفني. انزع خوفك من عينيك، فلن يسقط اسمك من قلبي، حتى يوم أخونك، فلن يكون ذلك أبدا إلا معك. اكتبني حبيبي، مزاجك العاصف يغريني بمزيد من التمادي والمعاصي.
وإلى قراءة واسينية جديدة لإمرأةٍ سريعة العطب.