الثلاثاء , نوفمبر 5 2024

عزيزي العروبي، لا تكن داعشياً معتدلاً !

نانا-258x300

 

لا تعطيني دائماً اللقطة الأخيرة من الصورة و المملوءة بالدماء، بل أعطني الوجه الأخر للحقيقة كما هي لا كما تريدني أنت أن أراها ! لا أشتهي دائماً أن أشاركك الخطاب الجنازي الإعلامي المُعلَّب، بل أحب البحث للوصول لأغوار وعمق الحقيقة حتى جذورها. كي أتمكن من مشاركتك الحلول العلاجية الجذرية لا بخطابات صراخك الحنجورية !
فكم نزفت أعيينا الدمع بلا فائدة، فدموعك وحدها مش كفاية أبداً لتظهر أنك مظلوم ومعك الحق لتبرر شراستك و قتلك للأخر، فهذا تغييب للحقيقة، ومحاولة مسح عيون وعقول الناس ! وحتى حين تتعرى هذه الحقيقة لانرى منها إلا نصفها الظاهر، حين يتعمّد المضللون عن قصد إخفاء نصفها الأخر.! لا تنسى عزيزي العروبي أننا اصبحنا في عصر القنوات اللحظية والسماوات المفتوحة لا عصر الناقة لتلبسني العمامة أو السلطانية ! فأعرض لي الصورة كاملة لأشاركك فيها وبلاش خطاب إستنزاف المشاعر لإبتزازها، وأنا أعطيك الحلول الصادقة بلا زيف ولا رتوش.كن حيادياً ولا تبرر القتل لأي من الأطراف المتنازعة ساعتها سأصدقك.
للأسف عزيزي « العنصرية والتعصب» أخطر أمراضنا ومزالقنا اليوم ، نبرر بهم هذا اللون الأحمر المتناثر، لهذا؛ فالوضع سيزداد مأساوية. وعندما أصل أنا للحقيقة وفضحها ستتحول أنت لذئب مسعور لنهشي لأني رفضت أن أصدق ضلالك وأكاذيبك وخطابك الحماسي الأجوف، وأتبع أهوائك! وأنت رفضت أن تقبل إعمالي لفكري لأصل لكبد الحقيقة !
لا أحب الخطاب الأجوف والشعارات الرنانة ولا أسلوب ذريّ الرمال في الأعين، لأتبع فكر المضللين، فأنت هدفك إستدرار مشاعري ويتوقف خطابك المضلل عند هذا الحد الذي لا تستطيع بعده فعل أي شيء وضميرك الداخلي يحمل عنف وكراهية لكل من يخالفك. بينما أنا أبحث عن الأسباب التي أدت للصورة الأخيرة التي رميتها أنت بطريقي. فالدموع وحدها لن تحيي الموتى وتجفف أنهار الدماء التي أصبحت تغرق شوارعنا. بل مواجهة أنفسنا بالحقيقة كاملة سيقلل الدم المهرق ويحمي أطفالنا الذين أصبح شحنهم بتعاليم الكراهية المقدسة وتفخيخهم فكرياً وبالأحزمة الناسفة و تعليمهم حمل الخناجر و رشقها بصدور الناس في الشوارع، أن هذا نوع من الدفاع عن الأوطان وعن الدين وعن الأرض، وأن كل من يخالفنا هو عنصري ويحمل الضغينة لنا.
المسئول عما نراه اليوم في الدول العربية هم ثلاثة أطراف يشكلون فكر وأخلاقيات وإنسانية أطفالنا وشبابنا والأجيال القادمة. أولهم البيت ثم البيت والأسرة التي تزرع القيم الأولى في اطفالهم ورقابة كل ما يُدس في عقولهم. ثانيهم المدرسة ومناهجها التعليمية المدعشنة التي تبثها الحكومات لترسيخها عن طريق الحفظ والترديد بعقول أطفالنا وتعلمهم أن كل ما هم غير عربي فهو عدو وجب محاربته وغزو أرضه وإغتنام ممتلكاته وسبي نسائه، و أغلبية من نأتمنهم على أطفالنا في مدارسهم هم معلمون دواعش يسقون أطفالنا السُم اليومي، وستكتشفون أن داعش دخلت مدارسنا بمعلميها ومناهجها. ثالثهم المسجد الذي يرسخ في عقولهم فكر الجهاد التطرفي بخطاب حماسي يثيرون به نفوسهم الصغيرة ويلهبون به روح الشراسة والعدائية خصوصاً لأطفالنا وشبابنا اليائس من الحياة، فلا يرى غير الموت المفخخ سبيل لإثبات وجوده.
نكره عنصرية وعنجهية وغطرسة إسرائيل الفارغة وآلة حربهم القمعية التي تشنها كل فترة لتثبت وجودها بالمنطقة، بممارساتها اليومية لقهر شعب في عمومه ينازع ألمه و مازال يريد بعضهم الحياة الآمنة وينشدون سلام يعبرون عنه كل لحظة بموهبة أو بأغنية أو بفن أو بالكلمات المكتوبة والتي هي أضعف الإيمان في وسائلهم الدفاعية عن احقيتهم في ارضهم التي ولدوا عليها ولا يعرفون غيرها خصوصا أن كل دول أشقائهم العرب أغلقت أبوابها في وجوه لاجئيها السوريين وفي وجه الفلسطينيين الذي ينددون لأجلهم فقط من بعيدٍ!.
ولكني نكره أكثر تعصب العربي وكذبه وضلاله وتطرف فكره ودمويته وتوحشه إللي كل يوم بتزيد ! فكلما زادت العنصرية والتعصب سنغرق جميعاً كل يوم أكثر في المشهد الدموي، الذي تحاول أنت أن تخفي عني نصف حقيقته! حالة الرعب وصّلت شعوب العالم إلى الفزع والتخوين من كل من يقترب إلينا، جعلت الناس ترهب حتى من خيالهم دفاعاً عن النفس. حادث طعن مواطن إسرائيلي لإسرائيلي أخر في حيفا ظناً منه أنه فلسطيني يريد قتله، تعطيني الإجابة لنضع أيدينا على موطن الداء، وهي أتت نتيجة إنتشار ظاهرة الطعن الجهادي وتفخيخ الأطفال الفلسطينيين والذي تعلمها الصبية والأطفال في غزة والضفة مؤخراً بناء على تعاليم مشايخ الجهادية، أثارت حالة الذعر والتأهب الدائم دفاعاً عن النفس.
لايهمني في النهاية إن كان إسرائيلياً طعن إسرائيلياً أخر، بل الأبشع وما يثير حسرتي أن يقتل العرب أولادهم ويرفعون شعار سنجاهد لآخر طفلٍ عندنا ! ذكّرني تفخيخهم لأطفالهم وتحريضهم لطعن اليهود بالخناجر، بمقولة جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية زمان، بأنه «سوف يتحقق السلام عندما يحب العرب أطفالهم بقدر أكبر من كرههم لنا» !
حالة من العدائية تستشري ويعيشها مش بس الطرفين في الصراع العربي الإسرائيلي، بل أصبح العربي يعادي جميع الأطراف والمخالفين له حول العالم. والنتيجة سقوط مزيد من ضحايا أبرياء أو جناة من الطرفين أيضاً. والقادم أسوأ للطرفين أيضاً إن لم يتدخل السياسيين ويضعوا حداً لنزيف الدم اليومي، وإستخدام شعبهم درعاً واقياً لحماية أنفسهم وكراسيهم. فإن أردتَ أن تُطاع أأمر بما يُستطاع! وإن أردت أن تعيش الحياة في سلام إبدأ بنفسك وأن يصير داخلك السلام والمحبة أولاً، لا تعطني درساً كيف أحمل سكيناً وأطعن به الأخرين، ولا كيف أبكي على الدم المراق وأنت بفكرك الضيق تريدني فقط أن أبكي وأبكي ثم أبكي، حد أن الدمع جف من المآقي ولم تُحلّ مشاكل منطقة تغرق برمتها وتستغيث ولا تجد من ينقذها، ولم يعد لدى سوى الحسرة على عالم صار يتوحش كل لحظة ولا نجد لنا به مكان، يتغول فيه الوحش الكاسر الداعشي وأنت غما تصمت او حين تتكلم تتمتم بزيطة وهيصة مكشوفة !
فلكي تتخلص من دائك عزيزي العروبي، ما عليك سوى أن تتخلص من خوفك من الإسلاميين، وتجاهر بأن كتبهم التراثية التي ينفذون ما بها من تعاليم ليست كتب مقدسة ولا تمت للدين بعلاقة حيث لا يوجد إله يأمر بقتل الناس جميعاً لأجل أن يعيشوا في الأرض وحدهم و فقط !، وأن تخرج من صمتك المتواطئ مع هؤلاء، ممن يمارسون القتل المقدس، لأن صمتك معناه أن ممارساتهم خط احمر مقدس أنت مقتنع به وتجد فيه أحياناً حماية لكَ. فصمتك هو قبولك أن يمشّوا عليك تعاليمهم وما عليك إلا أن تتظاهر و أنت تتمتم بأقوال وشعارات غير مفهومة عندما يُطلب رأيك فيهم وفيما يحدث وفي كتبهم وممارساتهم، أو تكلكع الكلام و أنت تجتر فكرهم وتحزق بالحروف كي لا يفهم أحد رأيك حين تتقيأه. وهذا هو التطور الطبيعي للدماغ العربي المشوش والمتناقض دائماً بين موقف وأخر!
الحقيقة عزيزي العروبي أن ما يحدث هو صراع من أجل البقاء ولو فوق جثث وأشلاء، صراع لإثبات الوجود لا لعيش الحياة بالحب والتسامح والإخوة الإنسانية أولاً وأخيراً، صراع حضاري وقيّمي يتصاعد وسيفني كل طرف فيه الأخر،والقوي سيأكل حتماً الصغيف والفقير والأعزل والمسالم، لأن القانون الذي يحكمنا الآن ليس قانون العقل والمنطق الإنساني الذي يتلاشى ويصغُركل لحظة، بل يحكمنا قانون الغاب والبقاء فيه للأقوى والأشرس والأعنف والأكثر وحشية ، هذا القانون هو من خرج من رحمه اليوم داعش مغلفاً بفقه الغاب وفتاوي التبرير الغير آدمية التي تواطأت معها وصمتَ. فآلة الحرب عزيزي لن تفني داعش،لأن الفكرة دائماً باقية وتتكاثر ذاتياً و لحظياً ،وعليك محاربة الفكرة الجهنمية لا تبريرها لكي تجعل الأخر دائماً شماعتك وتلقي بمسئولية ما يحدث عليه ! فلا تكن داعشي صغير تحكم على مايحدث بنفس فكرهم وبخطابهم، وأستخدم ولو لمرة إعمال عقلك لا عقولهم !
فإن كان الإسرائيليين يقتلون بعضهم بطريق الخطأ نتيجة الذعر أو كرد فعل للدفع بالأخطار بعيداً عنهم، فالعرب والإسلاميين وحماس يقتلون شعوبهم وأطفالهم مع سبق الإصرار وعن عمدٍ كل يوم. لدرجة أني أخشى أن يأتينا الوقت الذي نترحم فيه على الإرهاب الوسطي الجميل أيام أسامة إبن لادن! أخشى أن نصير جميعاً دواعش فلا نجد من يبكي علينا ولو بكاء الذئاب، وأن يصبح الظلم لا يتحرك له ساكناً قبل أن نعرف هوية الظالم! فإن توافقت قناعتنا وإيماننا مع الظالم وجدنا له الأعذار وبررنا له ظلمه، وإن إختلفنا معه تدب فينا روح الحميِّة ودماء الإنسانية ونخوة الرجولة عديمة الشهامة.
قارن عزيزي العروبي بين موقفك ورد فعل العرب من القتل اليومي لأطفال سوريا والعراق واليمن وما يحدث لهم على إيدين داعش والسعودية، وبين نفس موقفك ونظرتك لما يحدث لأطفال الضفة وغزة في صراعهم ضد آلة الغطرسة الصهيونية. وأخبرنا متى يعلو صوتك أكثر؟! ستكتشف عزيزي العروبي أن الطفل السوري والعراق واليمين لا ثمن لهم ولا دِيِّة وأنه أشد بؤساً وتنكيلاً لأنه لاذنب له فيما يحدث، فهو لم يحمل خنجراً ولا حزاماً ناسفاً ولم يطعن الناس في الشوارع والطرقات، وهم أكثر ألماً ومأساة، المجرم الجاني هذه المرة ليس إسرائيلياً بل هو مننا وعلينا، لهذا نصمت ونغض الطرف عن أطفال سوريا والعراق واليمن الذين يموتون في صمت بالمئات كل يوم و وسط تعتيم إعلامي حقير لا يرى إلا بعين عوراء واحدة ولا يعرض على شاشاته إلا نصف الحقيقة وأحياناً كثيرة ،حقائق مفبركة وكاذبة ومضللة !!

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

دستور إيمان الكنيسة … لماذا الآن؟.

كمال زاخر طالبنى العديد من الأصدقاء بتوضيح ما كتبته قبل أيام تحت عنوان: ماذا بعد …