بقلم/ الكاتب المصري ماجد سوس
جريدة الاهرام الكندية
رجل الصعيدي نشأ في أسرة بسيطة ماديا ً لكنها أسرة وطنية غنية بفكرها المستنير . والده رجل البريد البسيط الذي درس في طفولته في مدرسة الأقباط في أسيوط لذا أنشأ ابناءه على فكرة القوميه و الوحدة الوطنيةو قبول الآخر
لذا عندما اعتلى سدة الحكم سرعان ما إكتشف حقيقة الإخوان فإنقلب عليهم و أزاحهم من المشهد السياسي من ناحية إختلف معهم في فكرة خلط الدين بالسياسة ولا سيما إستعمال الجيش لنشر الإسلام ، و ناحية أخرى عرف خستهم و دمويتهم و كان لحادث المنشية ومحاولة إغتياله دور رئيسي للقشة التي قسمت ظهر البعير فقبض عليهم ووضعهم في المعتقلات وبدأ عصراً جديداً .
أما علاقة عبد الناصر فقد كانت في البداية فاترة جدا ربما كانت لمجاملة الإخوان أو ربما كان حينها مقتنعاً ببعض من آراء البنا. فيحكى أنه في عام 1954 عندما تولى عبد الناصر السلطة أن البابا كيرلس السادس طلب مقابلة جمال عبد الناصر أكثر من 10 مرات وهو يرفض وحدث أن كان للبابا صديق عضو فى مجلس الشعب وكان يحبه وكان دائم الزيارة له وكان له ابن مريض فطلب العضو أن يصلى البابا لاجل أبنه فإستجاب الله له فشفي بصلاة البابا
ورتب هذا العضو مقابله للبابا مع عبد الناصر واصطحبه في سيارته للقصر الجمهوري وقابل جمال عبد الناصر البابا كيرلس بفتور شديد جداً وأنتهره قائلاً بحده : ” إيه .. فيه ايه !! هم الأقباط عايزين حاجة .. مالهم الأقباط .. هما كويسين قوى كدة .. أحسن من كده أيه … مطالب .. مطالب .. مطالب ” ومع ذلك قال البابا كيرلس السادس مبتسماً : ” موش تسألنى وتقول لى : فيه إيه .. !! ” فرد ناصر محتداً قائلاً : ” هوه فيه وقت عشان أقولك وتقول لى .. ”
وجد البابا نفسه فى موقف محرج جدا فحزن جداً وقال لعبد الناصر : ” ده بدل ما تستقبلنى وتحيينى بفنجال قهوة ، وتسمعنى ، وفى الاخر يا تعمل يا ما تعملش !! كده من الأول تحاول تخبرنى إن مافيش وقت لعرض موضوعاتى !! ”
وخرج البابا زعلان قائلاً لعبد الناصر لصوت عالي” منك لله … منك لله … ”
رجع البابا للبطريركية مع عضو مجلس الشعب الذى راح يعتذر طول الطريق و البابا يقول له : لاذنب لك يابني وذهب البابا لصلاة العشية والتسبحة والصلاة ودخل لينام .
فى الساعة الثانية بعد منتصف الليل حضر عضو مجلس الشعب مهرولا قائلا ان عبد الناصر عاوز يقابل البابا دلوقتي حالاً . حاول تلميذ البابا ان يقول لها لايمكن ان أوقظ سيدنا الآن فقال لنطرق مرة واحدة و قبل أن يطرقوا باب غرفة البابا فوجئوا ان البابا مرتدياً ملابسه و جاهز للذهاب مع الرجل قائلا له : ” يالا يا خويا .. يالا .. !! ”
و القصة تكمن في ان جمال عبد الناصر كان له ابنة مريضة احضر لها كبار الأطباء الذين قرروا أن مرضها ليس عضوياً وعندما تكلم مع عضو مجلس الشعب ذاكر له انه حزين بسبب مرض ابنته ، قص له عضو مجلس الشعب كيف ان صلاة البابا كيرلس تسببت في شفاء ابنه فطلب عبد الناصر منه أن يأتي بالبابا كيرلس الى منزله الآن .
دخل البابا مباشرة على حجرة أبنة جمال عبد الناصر المريضة و كأنه يعرف مكان رقادها وقال لها مبتسماً : إنت ولا عيانة ولا حاجة ” وأقترب منها قداسة البابا وصلى لها ربع ساعة ، وصرف روح المرض وعادت الأبنة إلى طبيعتها تماماً في الحال وسط ذهول عبد الناصر و عائلته .
هنا تحولت العلاقة التى كانت فاترة فى يوم من الأيام إلى صداقة قوية بينهما وصلت العلاقة ان قال الرئيس جمال عبد الناصر للبابا كيرلس : ” أنت من النهاردة ابويا .. أنا هاقولك يا والدى على طول ، وزى ما بتصلى لأولادك المسيحيين صلى لأولادى .. ومن دلوقت ما تجنيش القصر الجمهورى ، تيجي البيت ، ده بيتك وتيجى فى أى وقت أنت عاوزه .
و كاتب هذه القصة الرائعة هو الكاتب الصحفي مجدي سلامة في كتابه ” البابا كيرلس السادس رجل فوق الكلمات ”
أما الكاتب الصحفي صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة «القاهرة» فقد كتب إن العلاقة الطيبة التي ربطت بين الرئيس عبد الناصر والبابا كيرلس كان لها مفعول السحر في حل المشكلات القبطية آنذاك ويكفي أن مشكلة بناء الكنائس الجديدة لم تعد مذكورة، حتي إن عبد الناصر افتتح الكاتدرائية المرقسية الكبري بنفسه و تبرع بمبلغ مائة ألف جنيه يومها ، وكانت هناك ثمة شكاوي بعد الثورة نتيجة إلغاء الأحزاب وحدث تهميش للأقباط في الحياة السياسية ولم ينجح منهم أحد في انتخابات مجلس الأمة.
شهدت الحقبة الناصرية اختفاء عناصر التطرف الديني وانعكس ذلك علي عدم شعور الأقباط بالقلق . على أن العلاقه بين الدولة والكنيسة لم تكن على ما يرام من كافة النواحي مئة في المئة ففي تأميم عبد الناصر لكل أصول و شركات و جمعيات القطاع الخاص فقد أمم الأوقاف القبطية أيضاً فإستولت الدولة عليها جميعاً وتركت الكنيسة بدون عائد إلا من صناديق التبرعات القليلة .
فى الوقت التي لم تستطع الدولة فعل هذا مع المنشآت و الجمعيات الإسلامية فصرفت الدولة من ميزانيتها على الأزهر والمساجد والجامعات الأزهرية التي منع الأقباط من دخولها بالطبع .وتقوم الحكومات المصرية المتعاقبة بضم مئات المساجد سنويا وتقوم بالصرف عليها وصيانتها مع إعطاء العاملين فيها أجوراً شهرية من ميزانية الدولة ومن جيوب دافعى الضرائب .
وكانت نتيجة السياسة السابقة ان بدأ يتسرب داخل نفوس الأقباط الشعور بالإحباط و معها بدأت هجرت ملاك الأراضى ورجال الصناعة والأطباء والمثقفين من الأقباط إلى دول المهجر أى الولايات المتحدة المريكية والكندية والأسترالية والأوربية وهكذا فقدت مصر خيرة رجالها ، ولكن معها بدأ دور جديد لأقباط المهجر فى النمو منذ ذاك الوقت .
أما داخل مصر فمع غياب الديمقراطية وإلغاء الأحزاب لم يعد للأقباط دور فى الحياة السياسية كما لم يعد من الممكن لأى قبطى أن يرشح نفسة للإنتخابات أن ينجح لعدم وجود أحزاب وقد كانت النتيجة الطبيعية لذلك أنه في انتخابات عام 1957لم يفز قبطي واحد، فلجأ جمال إلى أسلوب الدوائر المغلقة، حيث تم اختيار عشرة دوائر بدقة وقصرها على مرشحين أقباط، غير أن هذا الأسلوب لم ينجح ولذلك ابتكر النظام فكرة التعيين حيث سمح الدستور لرئيس الدولة بتعيين عشرة نواب، روعي أن يكونوا كلهم أو معظمهم من الأقباط، مما تسبب في تولد الشعور لدى قطاعات كثيرة من الأقباط بأنهم أقلية، وبالتالي تكريس عزوفهم وسلبيتهم في المشاركة السياسية. كما كان تولي الأقباط وزارات هامشية انعكاسًا لتهميشهم سياسيًّا”.
وبنظرة سريعةعلى وضع الأقباط في البرلمانات ايتضح أنه لم ينجح بالانتخاب منذ 1952 وحتى 1962 سوى نائب قبطي واحد، وهو فريد فايق فريد في برلمان 1955، وقد اعتقل عام 1958 في حملة الثورة على الشيوعيين. أما برلمان 1964 فقد انتخب له نائب واحد وتم تعيين ثمانية. وفي برلمان 1969 تم انتخاب نائبين وتعيين سبعة التعيين كان أداه الديكتاتورية فى ترسيخ الطائفية خاصة أن الوزارات التى أمسك بها المسيحيون الأقباط طوال عهده كانت وزارات هامشية و بالطبع تم تهميشهم أيضا في كل قطاعات الدولة المختلفة و اجهزتها الأمنية و الرقابية و القضائية و غيرها.
هذا التقييم السريع لا يمنع من الشهادة للرجل انه و ان لم ينصف الاقباط انصافا كاملا الا ان وطنية الأقباط المعهودة كانت تجعلهم لا ينظرون الى انفسهم بقدر نظرتهم للوطن الذي عاد للمصريين .