الإثنين , ديسمبر 23 2024

لفائف التّبغ وعلك الصّوف

12002128_1015470091819884_1305235564973248329_n
بقلم/ نادية خلوف
جريده الاهرام الكندية
كي تكون رجلاً، سياسيّاً، فنّاناً، كاتباً عليك أن تتقيّد بالموديل. يجب أن يكون في فمك إما سيجاراً تحتفظ به للحاجة، وتتظاهر بأنّك تبحث عن ولاّعة، لا تشعل السيجار. بل تجفّفه من لعابك، وتطلب من صديقك لفافة تبغ، تخبئ السيجار في سيّارتك المركونة قرب الباب فأنت لا تملك ثمن البترول.
ولكي تكوني امرأة مثّقفة عليك أن تسمحي لرجل غريب يضمّك إلى صدره، توهميه بأنّك ذات نفوذ وسلطة كي يدرّ عليك من ماله.
ولكي تكونوا مؤمنين عليكم أن تحتفظوا بعدّة العمل في جيوبكم، تخرجون السّبحة، وتبسملون، وتغضون من طرفكم بينما تبحثون عن صيد من أي نوع كان.
ولكي تكوني مؤمنة عليك أن تكوني ملفوفة بالسواد بدءاً من قلبك، وانتهاء بالعورة التي قد لا تقع في مكان منظور. تحللين، وتحرّمين ، وتصفّقين للموت، لكنّك تعيشين كالأميرات فلديك خدم وحشم ومن طيبات ما رزقناكم.
إن كنت حاكماً عربياً لا تجيد القراءة والكتابة، ولك ثأر مع اللغة الأم ، وتتحاشى الأجنبية لأنّك لا تفقه بها شيئاً. بإمكانك أن تظهر على الفضائيات، وتسمح للصحافة بالعبور إلى دارك دون أن يضطرّوا لاستعمال المفتاح. ستصنع منك الصحافة بطلاً وتصبح أسطورة.
ولكي تكون متنمّراً عليك استغلال كلّ هؤلاء من أجل مصلحتك، والتلويح بأذيتهم لمن لا يلبي طلبك من المال طبعاً.
هذا هو السّوق اليوم، هو عبارة عن بيع العلكة من الصّوف، تضعها في فمك، وتعلك إلى ما لا نهاية. إنّه صوف!
مررت على السّوق أرغب في أن أشتري طعاماً، كنت أحيد عن أماكن اللحوم، فقد أصبحت نباتيّة منذ أوّل أضحيّة على يد أوّل رجل دين. هجم عليّ الباعة، أرادوا أن يبيعوني بدلاً من الفقّوس وطناً ، وبدلاً من ربطة الخبز حماسة. يريدونني أن أفديهم، وأكتب وصيّتي بدمي على أكفّهم كي يشيّعوني إلى مثواي الأخير، ويجنون ثمن موتي لأنفسهم.
على بسطات السوق: موائد الرّحمن من لحم البشر، وتخاريف حول الوطن، وسبّحات تتحدّث عن التّسامح وبيدها سيف، ورؤساء دول يضعون أنفسهم في المزاد. لم أستطع شراء شيء، فقط اشتريت مطرباً يغني لي ترنيمات ندب، ويجود عليّ بآيّة من الذكر الحكيم، وعندما أحتاج إلى الحماس يقول نشيداً عن الوطن، وعندما تحين مصلحتي مع حاكم يصفه بالعادل، وإمام الزمان الحاضر في كلّ وجود.
لم أكن أفهم إلا ببعض الحبّ، أنتظر فارساً يأتي على حصان أبيض، وبينما كان قادماً، يبتسم لي من بعيد ، فتحت ذراعيّ كي يضعني خلفه، غيّر مسيره قبل وصوله، يبحث عن أشياء من السّوق، ويتجاهلني. من أجل ذلك الفارس دخلت أكاديميّة التّسويق، تفوّقت. يمكنكم التواصل معي إن أردتم بيع شيء ما من معتقداتكم، أو أوطانكم أو أيّة أشياء عبثيّة تشبه الكلام عن الحب، أو …. السّعادة، أو العدل. في انتظار طلباتكم

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …