نانا جاورجيوس تكتب
« الدور عليكم جاي» نبوءة قالها القذافي للعرب بمؤتمر قمة دمشق2008، رغم جنونه وديكتاتوريته كان أكثر الحكام رؤية لحال العرب و بما يجري بالمنطقة الآن، كان يعلم أن أنظمتهم المتهالكة إلى زوال بسبب خياناتهم ضد بعضهم وضد شعوبهم. قالها فوق الأرض التي تشهد الآن تحقيق نبوئته، قالها بعدما دفعت مؤامراتهم الظلامية وصمتهم المخزي بصدام حسين ليلقى مصيره وتقسيم عراقه لثلاثة دويلات وشعب أصبح في شتاته بلا هوية.
مشهد الهروب الكبير للاجئي سوريا والعراق والأكراد والمسيحيين والأزيديين، مشهد يعيد لنا مآسي الحرب العالمية الثانية وأكبر بكثير من مجرد ويلات حرب أهلية كما يروج الإعلام العربي الظلامي، هي بداية تجهيزات كارثية وأكثر جحيمية .
وإن كان للموضوع بُعد سياسي وأخر إنساني، فبكل تأكيد مشهد تهجير وتوطين اللاجئين هو مشهد إنساني في المقام الأول. عندما إهتزت مشاعر العالم لصورة الطفل الكُردي الغريق إيلان عبدالله ولم يتحرك ساكناً لأشقاء عروبتهم وكأنهم لا يعنيهم المشهد الكارثي من قريب أو بعيد ولا بمبادرة واحدة سعوا إليها لتحفظ ماء وجوههم التي تعرَّت من كل إنسانية، وكأن المجتمع الدولي هو المعني بهذه الأزمة وعليه حلها، أما هم فمشغولون بنهش لحم نساء الشعوب التي تتساقط أوطانهم والمساومة على شرفهن لإدخالهم لأوطانهم، تستحلهن شريعة أزلام العرب وأوغادها لتفتك مافيا البغاء بأعراضهن، وتستبيح نساء اللاجئين!
أما دول الغرب وإن كانت لها حساباتها ومصالحها السياسية والإقتصادية التي لاتتنازل عنها أو تخسرها مقابل مساعدتها لشعوب العالم ومنهم اللاجئين البائسين والذين يمثلون عالة على إقتصادها و على أمنها وسلامة شعوبها، إلا أنهم قدموا ملاذاً آمناً للاجئين وهذا هو الأهم” حياة الإنسان” فوق أي حسابات وإعتبارات. ولو كانت لهذه الدول مصلحة ستستفيدها من وراء طوفان النازحين لكانت سارعت وفتحت حدودها لأقليات العراق وسوريا قبل أربعة سنوات والذين تم تهجيرهم قسرياً ونزحوا لمدن داخلية مع بداية تقتيل داعش وبشاعة ممارساتهم ضد المسيحيين والأكراد والأزيديين.
ولو كانت هذه الدول بحاجة لآلاف المهاجرين العرب كعمالة رخيصة، كانت أستقدمت منهم أفضلهم وأرقاهم وأنتقت أكثرهم خبرة لفرزهم بحسب حاجتها لتخصصاتهم، ولن يكلفوها لا معونات ولا مساعدات إغاثة ولا زعزعة أمنها كما يفعل اللاجئين الآن. خصوصاً أن غالبيتهم حرصوا على ألا يحملون بطاقات هوية تثبت شخصياتهم كي لا يتم إعادتهم لأوطانهم، وتحت مسمى لاجئين صار العاطل مع الباطل والضحية مع الإرهابي، مما يصعِّب عملية إثبات هوياتهم وإنتماءاتهم.
فإن تجاهلهم المجتمع الدولي، ولول العرب: أين حقوق الإنسان أين ضمير العالم و المجتمع الدولي !
و كان الأجدى بهؤلاء المتشدقين أن يسألوا أنفسهم أين جامعتنا العربية، بل أين الضمير العربي وكم من « إيلان» قتلته ضمائرهم العربية الميتة في اليمن وليبيا و سوريا والعراق؟! ولماذا صمتت جامعتهم ولم يحارب ملوك النفط و يتصدى مشايخ الخليج لإرهاب داعش وعهارتها، فإن كانت نيران الجحيم الداعشي لم تطلهم اليوم بكل تأكيد لن يفلتوا منها غداً، وحل الأزمة ليس في توطين شعب وتحميله عالة على شعوب العالم لأنهم كل يوم سيطردوا الملايين من بيوتهم ومدنهم في طابور طويل لا ولن ينتهي وبطول حدود دول العالم، فهو حل تسويفي لأزمة باتت تتفاقم لحظياً. والحل هو المواجهة لإجهاض مخططاتهم التي أوجدت داعش من عقيدة الإسلام الأصولي، ومؤامرات من كانت لهم المصلحة في نمو إرهابهم بهذا الشكل المرعب والمبالغ فيه و بتره من جسد الأوطان وتجفيف منابعه ومناهجه و بؤره الإجرامية.
عندما قررت أوروبا خطوة التوطين، إتهموهم العرب بأنهم يسعوا لتفريغ سوريا من سكانها! أما هم فمشغولين بالسرقة والنهب وإغتنام السبايا، مشغولين بتحالفاتهم لضرب شعب اليمن المقهور مجاملة لولي نعمتهم” طويل العمر” الذي كانت مملكته الوهابية سبب في إخراج كل الدواعش إلى العالم! ولكن حتماً على الباغي تدور الدوائر فما إقترفته أيديهم اليوم سيجنون نتيجته من مرارة الحنضل غداً لا محالة.
لا أنحاز للغرب ولكن انتقد نظرية المؤامرة التي أصبح العرب لا يتقن سواها. فلو كان الأمر كما يتهمون الغرب، فكان أبسط شيء لدول أصبحت متهمة لأنها أوت لاجئيهم، أن تتركهم يموتون على حدود الأسلاك الشائكة، على الأقل كانت تخلصت منهم بقوانينهم المشروعة وبدون إزعاج ولا يستطيع أحداً أن يلومهم لأنهم فعلوا الشيء نفسه وتصرفوا كما أشقاء العروبة والدول الإسلامية: تركيا والسعودية وقطرائيل والكويت فعلوا تماماً وتركوهم على الحدود بلا مأوى ولا غذاء ولا حتى كوب ماء بارد يدفع عنهم زحف موت محقق. فإن كان هناك مستفيد من مشهد التوطين المأساوي فهم العرب أنفسهم ومشايخ الخليج وكل عربي دعم وجود داعش في سوريا والعراق وتلذذوا في بداية دائرة التقتيل بممارسات داعش ضد مسيحي و أزيدي وأكراد العراق وسوريا، اليوم دائرة القتل إتسعت وآلة داعش الجارفة لم تعد تقتل وتمارس إجرامها بناء على بطاقة الهوية بل تفعل ممارسات السعودية نفسها وتحكم شعبها بنفس شريعة التقتيل والتقطيع، بل وأستقطبت انظمة دول السُنَّة وجعلتهم حلفاء لها لضرب شعب اليمن الأعزل بحجة القضاء على الحوثيين فلم تقضِ سوى على حياة أكثر من أربعة آلاف يمني! وهم أنفسهم أشقاء العروبة من أغلقوا بوابات بلادهم في وجه اللاجئين الفاريين من الجحيم. فلماذا تلومون العالم والعالم أشرف وأنزه من جنس عروبتكم، على الأقل رحموا عزيز قوم ذل، أما أنتم فلم ترحموا بعضكم البعض، ولم تشفقوا على أطفالكم فقتلتموهم بوحشية؟!
وإن كان يرى البعض أن هناك بُعداً سياسياً وراء توطينهم، فبكل تأكيد الرابح الأكبر هو تنظيم داعش وكل دواعش العرب وكل من يواليه ويقف ورائه ويدعمهم من قادة العرب و مشايخهم وعلمائهم من يفتون لهم بالقتل المقدس، فداعش ضربت عصفورين بحجر: إفراغ مناطق شاسعة سورية ومحافظات كاملة عراقية تهجيراً قسرياً لأهلها من مسيحي وأزيدي وأكراد تحت صمت وتواطؤ العرب جميعاً على مدار الخمس سنوات الماضية، والآن جاء الدور عليهم فآلة القتل الداعشية أصبحت لا تفرِّق فالكل في خندق واحد و مصير جحيمي واحد. والهدف الثاني إرسال عناصرهم الإرهابية وسط زحمة أفواج التهجير لتوطينهم وسط مجتمعات أوروبا لزعزعة أمنها و لتفشي بؤرهم العنقودية كالسرطان لإستقطاب كوادر غربية تعمل داخل تنظيمهم فتضمن هدم القيم الإنسانية والحضارية و خلخلة مجتمعات الغرب من الداخل. فآخر إحصائية لهذه العناصر هو دخول أكثر من أربعة آلاف إرهابي للقارة العجوز و خصوصاً ألمانيا و فرنسا وبريطانيا.
ما يفعله العرب الآن هو عملا بالمقولة« حسنة وأنا سيدك! »، والولولة والنواح المفضوح، فإن رفض المجتمع الدولي مساعدتهم وصفوهم بأنهم عنصريين و صلبيين، وإن قدموا لهم يد المساعدة إرتابوا وشككوا وأن العالم متآمر عليهم، أصبحوا لا يميِّزون حتى بين المواقف الإنسانية والمواقف السياسية، فثقافة عدم قبول الأخر والإعتراف بحقه وإستعدائهم له بمبررات دينية و عصبية و التي نشأ عليها الإنسان العربي، هو المعيار المتغلغل في الفكر العربي والذي به يمارسون إسقاطاتهم و عنصريتهم ضد حتى أقليات أوطانهم العرقية والدينية! فلم ينشأ العربي على أنسنة المواقف والتعاطي معها بحسب معايير إنسانيته، وأن هذا البُعد الإنساني الوحيد الذي يُوجِد التسامح والتعايش السلمي والعطاء بمحبة بغض النظر عمن هو هذا الأخر وما هي هويته! فالقيم الإنسانية لا وجود لها في وجدان العربي،بعكس الإنسان الغربي فالمفاهيم الإنسانية ترسخت في وجدانه وتأصلت بذهنه و بُني عليها مجتمعه بقوانين علمانية يستنكرها العرب وأول من يهربون إليها من جحيم أنظمة دولهم، العرب تفننوا في ممارسة أساليب التجهيل و تسطيح الفكر وسلفنة نظرتهم للأمور، و بدونة و وهبنة فكرهم وتراثهم و ترثيث ثقافتهم و تصحير مجتمعاتهم ومحاربة التنويريين وأصحاب الفكر و القلم، فأثمن هدية قدمتها حكومات وأنظمة مستوطنات بدو المستعربة هي دماغ عربية مسطحة غير قادرة على التفكير أو التمييز بل إجادة خلط الأوراق. فكيف نطالبهم بعد عملية غسيل الأدمغة هذه، أن يروا إنسانية مشهد التوطين كما خطه تاريخهم في الماضي لدى هروبهم لنجاشي الحبشة؟!
إستفادة الغرب تكمن على المدى البعيد ممثلة في اليمين المتطرف والمعارضين للحكومات والأنظمة القائمة و بعض أجهزة المخابرات العالمية التي تدعم الأيادي الخفية لتنظيم الصهيونية العالمي والذي لا يطل منه إلا تنظيم داعش والذي يتكتل فيه الآن كل التنظيمات الإسلامية المتطرفة حول العالم، داعش الذي يطبق الإسلام الأصولي و صنّعته شريعة العرب وتلقفته الأيادي الخفية وأستغلت فكرهم الإرهابي لتحقيق أهدافهم وخريطة التقسيم الجديدة.
دول أوروبا خصوصاً فرنسا تدرس إستقبال اللاجئين بصورة «مؤقتة» كلاجئين حرب وليس كلاجئين سياسيين لتمنحهم إقامة متجددة سنويا لمدة خمس سنوات لحين إنتهاء الحرب فيعودون لأوطانهم. فليس لها مصلحة في توطين آلاف تشكل خطراً وعبأً حقيقياً على أمنهم و إقتصادهم. فمستوى المعيشة مرتفع و أزمة الإسكان يعانيها سكان أوروبا، خصوصاً أزمة الإسكان بألمانيا، فلا مصلحة تُرجى من إستيعاب هذا الطوفان البشري و نازحين بلا هوية. و كما ظهر بالميديا تسببوا في فوضى و زعزعة أمن و سلامة دول أوروبا، فكل مكان تطأه أقدامهم يتركون أكوام من مخلفاتهم وآثار فوضاهم تقول أنهم« مروا من هنا» وأنهم سيكونوا سبباً في رِدّة حضارية و إنتكاسة إقتصادية و أمنية.
فإن كانت هناك مؤامرة فهي مؤامرة عربية حاكها طويل العمر و معه مشايخ الخليج وإستغلتها بعض الجهات الأجنبية التابعة للصهيونية العالمية المتمركزة في أمريكا واليمين الأوروبي المتطرف،لهذا تبدأ هذه المؤامرة من داخل العرب وإليهم ستعود، فما زرعوه و يزرعونه إياه سيحصدونه. فمن دعموا داعش بالبترودولار هم أنفسهم من منعوا دخول السوريين لدولهم هم أنفسهم من ستهلكهم داعش قريباً.
أما الحكومات الأوروبية و على المستوى الشعبي فكان هناك ترحيب عام باللاجئين بإستثناء بعض الألمان الذين يستشعرون بخطر المخطط العربي الداعشي الذي يريد غزو بلادهم وهدم مجتمعهم و محو هويتهم وكبت حرياتهم المقدسة التي لا يحترمها العرب.
فعندما قدم الملياردير نجيب ساويرس فكرته الإنسانية وخطوة جادة يخدم بها لاجئي المنطقة كلها وليس فقط السوريين، لأنها ليست كارثة مؤقتة وستنتهي. و أعلن عن إستعداده لشراء جزيرة يونانية أو إيطالية ويطلق عليها إسم الطفل إيلان عبدالله الكُردي، لتوطين اللاجئين وتشغيلهم لبناء وطن بديل لهم، يعودون منه لبلادهم متى يرغبون، إنهالت عليه الشتائم والسخرية واللعن والتشكيك فى نواياه من الذين هم أول من أغلقوا أبوابهم في وجه اللاجئين! لا هم رحموا ولا سابوا رحمة ربنا تنزل! فالفكرة لا تخدم أهدافهم، لأنهم يحلمون بأندلسٍ جديد، و وجهتهم غزو قلب أوروبا بحسب موروثهم الثقافي و نظرتهم الإحتلالية. كانت قِبلتهم إسبانيا، والآن أصبحت ألمانيا التي تمثل عصب أوروبا لقوة إقتصادها، كانت محط أنظار مشايخ الوهابية وبمشورتهم قبل عشرات العقود، فألمانيا مناخ خصب لتفشي فكر التطرف بمجتمع إلحادي يسهل إستقطابه لتبني فكرهم.
لهذا فكرة ساويرس لن تلق قبولاً بل سخرية ولعن لأنها ضد مصلحهم وأطماعهم وضد فكرهم فتوحاتهم التي يريدون بها أسلمة العالم والتي تبدأ عادة بمسح الهويات للقضاء على ذاكرة الشعوب و على علمانيتها وأولى خطوات أطماعهم هو إقامة مئات المساجد في أوروبا كما طالب طويل العمر، عاهل أزلام الوهابية !
الوضع الحالي سيئول لإرتفاع حالة التأهب القصوى وحتى سقفه الأعلى لتبدأ بعدها الدول في غلق أبوابها، وستتفاقم أزمة اللاجئين حين تكتفي الدول و توقف زحفهم نحوها، وكان الأجدى بهؤلاء اللاجئين النزوح داخليا للمناطق الآمنة كي يجهضوا مخطط تفريغ وطنهم ليدافعون عنه فلن يدافع أحداً بدلاً عنهم حين يصيرون شعوب شتات حول العالم ليعودوا يتباكون على وطن فاتوه وفرطوا في حقهم وتصبح هناك قضية فلسطينية جديدة. فعند نقطة معينة أسميها « نقطة الإنفلات الأمني العالمي» والفوضى العالمية. تلك النقطة بدأت تظهر مع الحراك السياسي العالمي المتسارع وأعتقد أنها ستبدأ بعد إنتهاء مدة رئاسة باراك ابن حسين في 2016، تلك النقطة تتحكم فيها الآن أجهزة الصهيونية العالمية التي أحد أذرعها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، تلك الصهيونية التي ستدفع بأمريكا لمرحلة الضعف والإنهيار بعد الإنتخابات الرئاسية القادمة، والتي أعتقد لحد كبير أن من سيخلفه فيها هيلاري كلينتون لتبدأ بعد سنة 2016 مرحلة العنف والإرهاب الدولي الأكثر جحيمية بالمنطقة، خصوصا بالدول التي تشهد الآن تفككاً واضحاً، ولن يستطع أحداً أن يقمع المارد العالمي بعد ان توحش وخيَّم بقوته وسطوته على المنطقة في ظل أنظمة عربية جبانة ومتخاذلة ومتهالكة إنتهت صلاحيتها بتشريد جزء من شعوبها والباقي في الطريق.
ولن تنتهي الكارثة بعد.