أحد أقدم المخطوطات الصحفية البريطانية في مجال التحرير الصحفي يشير الى ان الفرق بين المندوب الصحفي reporter والعتال الذي يعمل في الميناء porter هو فقط حرف الـ (R )، وهكذا وبهذه البساطة يستطيع الصحفي أن يكون مخبراً صحفياً مشهوراً ومؤثراً وعظيماً أو ان يكون مجرد حمال وعتال يحمل الاثقال دون أن يدري قيمة ما يحمله ؛ وحتى لو درى بقيمة ما يحمله ، فانه لن ينال شيئا مما حمل .
والكتاب بمعالجته الطريفة تلك في تعريف مهنة الصحافة والعاملين بها يحذر الوافدين الجدد الى المهنة من أن يكونوا كالحمار الذي يحمل أسفارا . ويدعوهم للحراك والتأثير والتأثر والتغيير . واذا كانت مهمة الصحفي هي التغيير الى الافضل والدعوة له فان الاولى ان يطبق ذلك في نفسه ويحفظ حقوقه ويرعى مهنته ويدافع عنها .
بعد الثورة، شعر كثير من الشباب الذي شارك في التظاهرات أن لديه فكراً سياسياً ينبغي أن يعبّر عنه. جمعت مهنة الصحافة بين هذا التوق وبين حاجة الشباب إلى إيجاد وظيفة تمكنهم من العيش ومن متابعة نشاطهم السياسي. آمال التغيير التي وُلدت مع الثورة جعلتهم يعتقدون أن العالم سيتغيّر وأن وسائل الإعلام ستتحوّل إلى منابر لأصواتهم. لم يكونوا يعلمون أنهم، حين دخلوا إلى الصحف، خطوا أول خطوة على طريق فقدان حريتهم.
بعد الثورة، ظهر في مصر كم هائل من القنوات والصحف والمواقع الإخبارية، ربما يفوق ما يوجد في جميع البلدان العربية، وتحول الصراع من الشارع إلى صراع على السيطرة على قطاع الإعلام والتقدم في مؤشرات القراءة. واستغلت الفلول الأموال الضخمة التي جمعوها في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك للسيطرة على هذا القطاع وتلميع صورتهم من جديد ومحاربة القوى الإسلامية التي تصدرت المشهد السياسي. كذلك، استثمرت العديد من الأنظمة العربية، خاصة الخليجية، الكثير من الأموال لفتح منابر إعلامية تواجه الفكر الثوري الخطر على عروشهم. الغريب في هذه المؤسسات هو أنها تضم مجموعة كبيرة من الصحافيين الشباب الذين لا يتفقون مع مبادئها وتوجهاتها لكنهم قبلوا العمل فيها لتحصيل “لقمة العيش”. ونتج عن عملهم هذا مساهمتهم في إنجاح هذه المؤسسات وقتل المبادئ التي يؤمنون بها والتي دفع أصدقاؤهم في الميادين دماءهم لتحقيقها.
والغريب فى الامر وبعد هذا الكم الهائل من المحررين تكون المهنة : محرر صحفى .. والاجر شقى فقط لا غير