الأحد , ديسمبر 22 2024
الكنيسة القبطية
د.ماجد عزت إسرائيل

الأكراد فى عيون الإعلام المصرى .

د.ماجد عزت إسرائيل

فى البداية أحب ان أهنئكــــم بعيد الصحافة الكردية رقم (117)،وهــــو العيد الذى يعود تاريخه للاحتفال بأصدار أول جـــريدة كردية فى مصر عرفت باسم “كردستان”، وصدر عــــددها الأول فى إبريل عام 1898م فى عهد خــديوى مصر الأخــــير “عباس حلمى الثـانى”(1892-1914م)،بفضل عائلة “آل بدرخان” ـ مقــداد مدحت بدرخان ـ التى تعد من أشهر العائلات الكــردية فى مصر

ويأتى على رأسهم المخرج “أحمد بدرخان “(1909-1969م فقــد كان وراء اقــدام الاقتصادي المصري طلعت حرب على إنشاء استـوديو مصر هــــذا الصرح الذي يعد الجامعة التي خرجت أجيــالاً من العاملين في الحقل السينمائي فيما بعد.

هذا إضافة إلى أنه تخصص أكثر في إخراج الفيلم الغنائي بـــل أصبح رائداً من رواده إذ قــــدم أفلاماً لأهم عمــالقة الغناء في مصر أمثال أم كلثوم وفـــريد الأطرش وأسمهان ونجاة الصغيرة ومحمد فوزي ومحمد عبدالمطلب وغيرهم،قدم بدرخان للسينما موضوعات متعددة وبعيدة عن الطـابع الغـنائي، عاطفية واجتماعية وسياسية.

إلاّ ان جميعها تندرج ضمن أسلوب سينمائي واحـد تميز به بدرخان وهو الأسلوب الرومانسي، منها أفـــلام “أم كلثــوم” “دنانير” 1940 و”عايدة” 1942، وأخـرج لفريد الأطرش فلمه “أنتصار الشباب ” 1949م

وأيضا فـــيلم ” سيد درويش” 1967م، وتمتلك الآن عائلة “بــــدرخان ” مؤسسة ثقــــافية تعرف بـ “مـــؤسسة بدرخـان” ويدرهــــا المخرج “على بدرخـــان”

الذى قدم للسينما المصرية روائعــه منها فبلم “أهـــــل القمة” و “الكرنك” و فيلم “الراعى والنساء”

ولا أحد يـنكر فضل الكرد فى أثـــراء الحياة الثـقافية المصرية، وقـد سبـق لى أن قـدمت ورقـة بسيطة

فى ذات الشأن فى شهر مارس الماضى.

وبعد أن طوق الفتح العربى الإسلامى معظم الدول المجاورة لشبه جزيرة العرب جنوباً وشرقاً وغربا

وصل إلى الشمال فضم إليها العديد من البلدان حتى القسطنطنية،فوقع الكرد تحت سيطرتهم

ومنهم من أعتـنق الإســـلام وبعضهم بقى على ديانته،فشاركــــوا فى بناء الحضارة الإسلامـية مثل السابقين الأولين

وعندما دخل العرب فى صراعهم مع الصليبيين لمع نجم من نجــــومهم الزاهـرة وهو “الناصر صلاح الـــدين الأيوبى”(1138-1193م) ،ووصل لسدة الحكم،وأسس دولـــة عريقة أمـتدت تخومها إلى حماه وحلب وحمص ودمشق وديار بكر واليمن،

واستمرت حتى مقتل “توران شاه” عام 1250 م، وأتخـذ من مدينة ” القــــاهرة”

مركزاً لدولته ولخـــلفائه حتى هاجرت أعــداد كبيرة من منطقة آسيا الصغرى شمال العراق وتركيا وسـوريا

إلى مصر، وانقـــطعت جـــذورهم مع موطنهــم الأول، ولم يبـــقَ لهــم من تلك الصلة سـوى النسب

“الــــكردى”، ومن أبنائهـــم وأحفـــادهم خرج الكثير من القـــادة العسكريين، ورجــــال الإدارة والأدباء والشعراء والفقــهاء والفنانين، ولعـبوا دوراً لوطنهم الثانى وكأنهم أحفاد الفراعنة.

على أية حال،منذ سقوط الدولة الأيوبية فى مصر فى القرن الثالث عشرة الميلادى ،ويعيش أكراد مصر وأخوانهم فى الدول المجاورة على ذكرى قاهر الصليبيين” صلاح الدين الأيوبى” وخاصة قبل ليلة عيد الأضحى المبارك

حيث يعرض التلــفزيون المصرى فليمه “الناصر صلاح الدين” لمخرجه القبطى”يوسف شاهين”،وربما لا ينسى أقباط مصر ومسلميها أحد مشاهد الفيلم المعبرة عن تسامح صلاح الدين وسماحته فى تقبل الآخر ، وأيضا نجح التلفزيون المصرى فى أنتاج مسلسل تلفزيونى فى “28” حلقة يتناول تاريخ الأيوبين فى مصر.

أما المرأة الكردية فى عيون الإعلام المصرى فــــلا ينسى الشعب الملكة شجر الدر زوجة الصالح نجم الدين أيوب،وخاصة عند وفـــاته وكانت البلاد فى حالة حرب مع حملة ” لويس التاسع”

وأستطاعت الحفاظ على سرية وفـــاته حتى لا يتاثر جيشه ،وبالفعل نجت وحقــق الأيوبين نصرأ بعد أسر لويس

فى دار ابن لقمــان بمدينة المنصورة وبوسط الدلتا بشمال مصر،ومن المشاهد التى تركت إثرها على الإعلام المصرى ،صراع الضرتان

“زوجـــة أيبك” شجر الدر وأم على ،فكانت الأولى تريد منع زوجها من زيارة ضرتها وأبنه فدار صراع

انتهى بقيام أم على بضرب شجر الدر بالقبقاب ورميها من فـــوق القلعة التى لا تزال شامخه وشاهـــده على الحدث،كما أن أكلة “أم على”من أشهر الأكلات المصرية،وعند تناولها يتذكر المصرين تاريخهم مع الأيوبين.

كما أن الأطفال فى إعلامنا المصرى يتذكرون الناصر صلاح الدين الأيوبى،حيث توجد لعبه عبر الموبايل فون

اسمها “صلاح الدين”،وتوجد مجلة للأطفال أيضاء بذات الاسم،أما آبلة فضيلة ” فضيلة توفيق” فهى أشهر من قدم برامج الأطفال في الإذاعـة المصرية،وكانت كثيراً ما تتحدث عن شخصية البطل صلاح الدين الكردى،وفى بداية شهر رمضان يشترى الغالبية الفوانيس فمنها فانوس “صلاح الدين الكردى”.

وايضا طلاب المدارس والجامعات لا يعرفون شىء عن الشعب الكردى، إلا فى وقت الدراسة والامتحـــانات وخاصة طلاب المدارس الثـــــانوية فى مرحلتها الأخيرة فى فصل”صلاح الـــدين والصليبيين”،وربما لان غالبية أسئلة الامتحان يأتى من بينها سؤال “حـــــول الكـردى صلاح الدين والصليبيين”

وأيضا بالجامعات المصرية،وأن كان الراحل أســـتاذاً الدكتور “سعيد عبد الفتاح عاشور”

أول من قــــدم العديد من الدراسات حول الوجــــود الكردى أوالأيوبى فى مصر،ويعد من بين الرمـوز التاريخية

التى قدمت “صلاح الدين” كبطل تاريخى،أصبح فى فترات كثيرة و لايزال فتى أحلام كثير من الفتيات والعاشقات.

ويعتبر عصر الزعيم الراحـل “جمال عبد الناصر”(1956-1970م) العصر الذهبى للأكراد

لأنه منح الفرصة لهم أن ينشروا ثقـافتهم وقــــضيتهم وخاصة بعد الحرب التى شنت علييهــم 

من خلال الإذاعـة المصري ،لأن الزعيم كان يؤمن بالقومية العربية، التى تضم كل القوميات التى تقطنم منطقة

الشرق الأوسط،،وكان يــرى كخبير استراتجـــيى ويصف الأكـراد بأنهم “خـوذة الامــان” للـوطن العربي

التي تحميه، وكان ينادي بأن يستقر هــذا الشعب حتى تستقر الامة العربية باكملها، وفى ظل حكمه كانت مصر

مكاناً للمناضلين الكرد،ولـيس غريبا ان لا يشعر الكردي بالغــــربة في مصر فهي البلد الذي احتضنت بحرارة السياسيين والمـــثقفين الكرد الى جانب احتضانها لاول صحيفة كردية.

أما حجم ما قدم من دراسات متخصصة فى مجال الوجود الكردى فى مصر فهى قليلة

فتوجد دراسة فى بداية القرن الواحد وعشرون تعرف باسم “الأكراد قادمون”

قـدمها صاحبها بالجمعية المصريــة للدراسات التاريخية،وحدثت مشادة مع صاحبها من أحد الحاضرين ــ ربما لجهله بتاريخ الأكــــراد ــ كما صدر أيضًا كـــتاب لمجــــوعة من الشباب يعرف بــ “بتاريخ الأكـراد فى مصر عبر التاريخ” تناول الوجود الكردى منذ عصر صلاح الــــدين الأيوبى حتى تاريخه

وفى بعض الحالات النادرة ما تتحدث الصحافة المصرية عن الأكراد،إلآ فى أثناء الحرب العراقية الأيـرانية والكـويتية، وحاليا عن أقليم كردستان بشمال العراق،وربما يرجع ذلك إلى أنقطاع الصلة بين الإعلام الكردى والمصرى،وقلة الأصدارات الكردية ـ من المعروف تاريخياً أن أول جريدة كردية صدرت بمصر عام 1898م

وعرفت باسم كردستان بفضل عائلة آل بدرخان ـ ، وعدم تقبل المصريين للمحطات الفضائية الكردية

لتقديمها باللغة الكردية،ولو حسن التصرف لدى المسؤلون عن الإعلام الكردى فى تغطية تراثهم وثقافتهم

واتصالهم مع الإعلام المصرى،مثلما فعل الأرمن منذ عهــد قريب، لتغيرت وتبدلت أشياء كثيرة فى حياتهم السياسية

وأخيراً، فى محاولة جريئة من الأستاذ الدكتور”طارق حجي” منذ 2010 حاول تقديم القضية الكردية للصحافة المصرية والعربية من خلال سلسلة مقالات و عنوانها “لو كنت كرديا…..” حاول خلالها تقديم عرض

ووصف لمعاناة الكرد فى بلادهم فى محاولة هدم تراثهم قائلاً” لو كنتُ كرديّاً من سوريا، لَمَا ترددّت لحظةً

في رفع صوتي للأعالي كي تسمع الدنيا بأسرها بما يجري بحق شعبي من مظالم مبرمجة تستهدف النيل

من وجوده ومَحْو لغته وثقافته، ولناضلتُ بكافة الوسائل السلميّة الديمقراطيّة لفضح 

الأنظمة من أجل حقوق المواطن الذين يعيشون على هامش الحياة محرومين من كافة حقوق المواطنة.

ويختتم كلامه بقوله: قضيتي هي المواطنة والمساواة والعدالة،ولا سبيلَ لي غير العمل السلميّ الديمقراطيّ اللاعنفيّ.

تبقى الإشارة إلى أن الأكراد في مصر لا يتذكرون كرديتهم لأنهم اندمجوا في المجتمع المصري

في إطار الثقافة المشتركة ولأنهم مسلمون من أهل السنة وليس الشيعة مثلا، فلم يكونوا يعانون

من مشاعر طائفية في مصر وبالتالي لم تكن لهم مطالب فئوية على مر وجودهم في مصر فالشيخ محمد عبده مثلا من أصول كردية وعباس محمود العقاد كذلك لكن لم يشعر أحد بذلك

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …