الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
مدحت موريس
مدحت موريس

صفر مريم

مدحت موريس 

فتح ملف القضية متصفحاً ما تحويه من مستندات للمرة الثامنة او التاسعة فى تلك الليلة…ابتسامة باهتة ترتسم على شفتيه عندما يتذكر الكثير من القضايا المعقدة والغامضة التى قام بحل الغازها وفك طلاسمها فى ساحات القضاء التى طالما شهدت صولاته وجولاته وهو يتفنن فى اظهار الحقائق من واقع مستندات القضايا والادلة المادية واقوال الشهود ليخرج فى النهاية مع موكلينه فى القضايا المختلفة منتصرين ظافرين بحكم عادل – على الاقل من وجهة نظره- ليضيف هذا الحكم او ذاك انتصاراً جديداً يُضاف الى سلسلة انتصاراته اللانهائية فى ساحات المحاكم واروقة العدل.

تتبدل ابتسامته الباهتة وتتحول الى مصمصة شفاه قد تكون دلالة ليأسه من موضوع القضية التى لم يقبلها بعد او لعدم وجود ادلة مادية يستطيع ان يستثمرها ويوظفها لصالح موكلته…موكلته تلك الفتاة الصعيدية البسيطة التى انتزعت ابتسامة من وجهه الجامد دائماً بلهجتها الصعيدية وتلقائيتها وصدق تعبيراتها اجبرته على التعاطف معها والتعاطف مع قضيتها واستقر فى اعماقه شعور بصدقها وعدالة قضيتها ولكنه القانون الذى لا مكان فيه للمشاعر والعواطف فقد يحكم القاضى باعدام شخص اذا ما توافرت الادلة على ادانته حتى لو كان المتهم الماثل امامه يرتدى ثوباً ملائكياً. تذكر ايام دراسته وتذكر امتحانات الثانوية العامة وتذكر الامتحانات المدرسية بصفة عامة وتردد فى اذنيه سؤال سألته الفتاة بتلقائية هل من الممكن ان يحصل ممتحن خائب على صفر فى جميع المواد الدراسية الا لو تعمد هو هذا؟ كان السؤال على بساطته منطقياً لكنه تعمد ان يطلب توضيحاً من الفتاة التى مضت مسترسلة فى تلقائية…مادة اللغة العربية على سبيل المثال وبالتحديد موضوع التعبير فلو ان هذا الطالب الخائب كتب او حاول ان يكتب فى الموضوع المطلوب عدة اسطر الن يحصل على درجة او على الاقل على نصف درجة؟ نفس الشىء ينطبق على اللغة الانجليزية لكن اضف على موضوع التعبير سؤال الترجمة من العربية الى الانجليزية والعكس…الا يعرف هذا الطالب الخائب معنى كلمة واحدة من جملة تتكون من بضع كلمات ليحصل على درجة او نصف درجة؟

وماذا عن الرياضيات بفروعها المختلفة الا يحصل الممتحن على درجات عن الخطوات التى يقوم بها للوصول الى حل المسألة؟ نفس الشىء ينطبق على مادتى الفيزياء والكيمياء ابتسم وقتها للفتاة وهو مقتنع بما تقول بل ان ما قالته له دار فى ذهنه من قبل. فهو على قناعة تامة بأن هناك تلاعب تم وهذا التلاعب لم يكن بغرض الاضرار بمريم بقدر ما كان بهدف افادة طرف آخر. المسكينة مريم الصعيدية البسيطة ليس لها هدف سوى الحصول على درجاتها الضائعة والبحث عن اوراق اجاباتها المختفية او التى امتلكها واستفاد منها شخص آخر اما هو كمحام فهدفه هو اظهار الحقيقة ولكى تظهر الحقيقة لا بد ان يعرف الطرف الآخر الذى استفاد من اوراق مريم وهو شخصية مجهولة صعب او مستحيل التعرف عليها الا اذا اعلن هو عن نفسه، وهناك ايضاً طرف او اطراف اخرى فى القضية وهى الاطراف التى قامت بتبديل او المساعدة فى تبديل اوراق الاجابة. يتعاطف معها ويصدقها بمشاعره وليست هناك قيمة للمشاعر امام القانون، والقانون ايضاً لا يأخذ بالاستنتاج العقلى الا من خلال مستندات وادلة فتفوقها السابق لا يشفع لها ومنطق الصفر المستحيل ايضاً لا يشفع لها فكيف له ان يخوض فى هذه القضية؟

صراعات قوية بداخله شد وجذب ما بين قبول القضية ورفضها…هو لا يخشى الطرف الآخر من القضية وهو طرف معلوم ومجهول فى ذات الوقت فالوزارة متمثلة فى الكونترول تدافع عن نفسها وتنفى تماماً تهمة التزوير التى ترميها بها تلك الفتاة الكاذبة الخائبة وايضاً المتوحشة مريم كما يصورونها رغم ان الوزارة نفسها متمثلة فى المنطقة التعليمية اغدقت عليها بشهادات التفوق وكرمتها ضمن المتفوقين من قبل. لكن مريم الخائنة لم تحفظ الجميل للوزارة وهاهى الآن ترميها بابشع الاتهامات. اما الطامة الكبرى فهى اوراق الاجابة الخاصة بمريم والتى ظهرت اخيراً ونقلتها بعض الصحف ووسائل الاعلام لتنشر على الملأ خيبة مريم الثقيلة وتركها للكثير من الاسئلة دون اجابة واجاباتها الخاطئة للاسئلة الاخرى.

اما عن خط مريم واسكتتابها لاكثر من خمس مرات فقد اكدت مصلحة الطب الشرعى تطابق خط مريم مع الخط الذى احتوته كراسات الاجابة. الامر محسوم ولا مجال للمناقشة فاين القضية التى ساترافع فيها؟ القضية محسومة لصالح طرف هو وزارة من وزارات الدولة ولكن يقف وراءها قوة خفية استفادت من هذه القضية، قوة خفية مجهولة توجه الوزارة وتحبك خيوط القضية لتسير وراءها العدالة العمياء، المقصود بالعدالة العمياء هو ان القاضى يحكم بقانون العدالة التى لا ترى اطراف القضية، هى عمياء لانها لا ترى الاطراف ولا يمثل اطراف القضية اهمية لديها فهى تحكم فقط بموجب القانون..

لكن العدالة فى بلادنا لا تؤمن بمنطق الاستنتاج. ايمانه بصدق موقف مريم وعدالة موقفها لا يشفعا لقبوله القضية بل هو على يقين ان هذا الامر – التزوير فى كنترولات الوزارة- امر متكرر على مدار سنوات سابقة لكن ذلك الغبى الذى منح مريم هذا الصفر هو الذى اثار كل هذه الجلبة فقد كان يستطيع ان يمنحها درجات متدنية تؤهلها للنجاح دون الحصول على مجموع كبير وقتها سيمر الامر مرور الكرام، لكن الغبى الذى ابدل الاوراق لصالح الغبى المستهتر الذى ترك كراسات الاجابة خالية او كتب بها اسطر خائبة نال عنها صفراً كبيراً لم يدر بخلده ان الامور ستتطور الى هذه الدرجة لانه فعلها من قبل مرات ومرات ابدل اوراق، زور مستندات رفع من قدر طلاب واحط من قدر آخرين

وفى النهاية اوجد فى بلادنا الكثيرين من الاطباء والصيادلة والمهندسين وصارت بلادنا من اكثر دول العالم انتاجاً لحملة المؤهلات العليا -لا سيما – من خريجى كليات القمة لكن معظمهم اونسبة منهم للاسف فشلة لانهم جاءوا عن طريق التزوير والافساد او على الاقل من خلال منظومة تعليمية فاشلة وفاسدة……عفواً يا مريم لن استطيع قبول قضيتك…لن استطيع ان اترافع عنك فى ساحات العدالة، صحيح انا مقتنع تماماً بصحة موقفك وعدالة قضيتك لكنى لا امتلك دليلاً على ذلك. اعذرينى يا ابنتى فالمنظومة فاسدة وفاشلة وانا ذاتى ابن هذه المنظومة.

(voicy2005@yahoo.com)

شاهد أيضاً

رحمة سعيد

كيف نحمي البيئة من التلوث؟

بقلم رحمة  سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم  إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …