كرر الرئيس عبد الفتاح السيسى لمشايخ الأزهر وعلى رأسهم الشيخ الطيب مقولته الشهيرة : “سأحاجيكم امام الله فى يوم القيامة”.
بمعنى انه سيقدم الحجة أمام الله فى يوم القيامة عن مسئوليتهم فى تدنى الخطاب الدينى.
سيادة الرئيس: مع كل احترامى لمقولتكم، ولكن يوم القيامة علمه عند الله. ما نملكه هو دنيانا، ومسئوليتكم هى فترة حكمكم وهى الآن. المطلوب منكم ان تحاجيهم الآن بقوة القانون وان تفرض عليهم فورا ما يخوله لكم موقعكم من سلطات.
لا شك ان معركة مصر الحقيقية هى مع التطرف الدينى.
ولذلك كرر الرئيس السيسى الدعوة الى اصلاح الخطاب الدينى المتطرف على الاقل فى خمس مناسبات خلال الشهور القليلة الماضية.
اشار الرئيس للموضوع فى حوار مع اذاعة القرآن الكريم، وفى خطاب بمناسبة ليلة القدر، وفى خطاب بمناسبة عيد المولد النبوى، وفى حوار مع وول ستريت جورنال، وفى لقاء مع وزير دفاع مالى.
ولعل اهم خطابين للرئيس فى الموضوع كان أحدهما فى مناسبة المولد النبوى فى 2 يناير 2015 حيث طالب الامة الاسلامية بالاقتداء باخلاق الرسول الذى كان يعرفه الجميع بالصدق والامانة والاخلاص.
واضاف انه يجب على رجال الدين تصحيح المفاهيم الخطأ التى ترسخت فى اذهان الامة الاسلامية مشيرا الى ان هناك بعض الافكار تم تقديمها لمئات السنين واصبح الخروج عليها صعبا للغاية.
أما الخطاب الثانى فكان فى الاحتفال بليلة القدر يوم 14 يوليو 2015 حيث طالب الرئيس علماء الازهر وعلى رأسهم الشيخ الطيب بمضاعفة الجهد لتصحيح صورة الاسلام قائلا “حجم المواجهة ليس كافيا يا فضيلة الامام فى مشكلة بحجم الخطاب الدينى وهذه مسئوليتكم لاظهار قيم السلام والمحبة ونشر ثقافة قبول الآخر”.
ومرة اخرى يوجه الرئيس نظر شيخ الازهر الى يوم القيامة فيقول له “سأشهد الله عليكم باننى ابلغتكم ونقلت لكم. وانتم مسئولون امام الله والشعب المصرى”.
كلامكم يا سيادة الرئيس فى منتهى الجمال، ولكنه ما يزال كلاما ينقصه شيئا هاما وهو التفعيل. ومطالبتكم للازهر ان يضطلع بمسئوليته والا ستكون من يحاجه يوم القيامة ايضا كلام جميل، ولكنه لن يحل مشكلتنا اليوم.
ما تحتاجه مصر اليوم هو خطة قابلة للتنفيذ لتجديد الخطاب الدينى، تعملها اليوم وتنفذها اليوم ولا ننتظر عليها الى ان يأتى يوم القيامة. الكلام الذى يعبّر عن امنيات والذى لا يخرج عن ان يكون مجرد رغبات عامة (عايمة)، هذا الكلام يأخذه كل واحد على انه موجه لغيره وليس موجها له شخصيا.
بدلا من هذا يجب ان يتحول الامر الى اتخاذ قرارات محددة لخطوات محددة يقوم بها اشخاص محددون خلال جدول زمنى محدد لتحقيق نتائج محددة. وضع النقاط فوق الحروف هو المطلوب. وهذه مسئولية السلطة التنفيذية وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة.
أعلم ان الرئاسة على اكتافها احمالا ثقيلة كثيرة وان المؤسسات الاخرى يجب ان تقوم بدورها من تلقاء نفسها ولا تنتظر مساعدة من الرئاسة.
وسمعنا القول الذى يتردد كثيرا “هو الرئيس هيعمل ايه ولا ايه؟” ولكن لم يقل احد ان الرئيس مطلوبا منه ان يقوم بالعمل.
ولكن هى مسئولية الرئيس ان يضع الخطوط الاستراتيجية العريضة ويعين المسئولين عن التنفيذ ويراقب عملية الانجاز ويتأكد من تناغمها مع المشروعات الاخرى منعا للتصادم.
والرئيس لا يقوم بهذا بنفسه ولكن يوكل اليه المختصين الذين يتوسم فيهم الخبرة والاخلاص ويراقبهم من بعيد ليتأكد من سلامة التنفيذ ويتدخل عندما يرى شططا فى التنفيذ.
خذ مثلا موضوع تجديد الخطاب الدينى. على الرئيس ان يعين مجموعة من الخبراء لدراسة الموضوع من جميع جوانبه. وظيفة هؤلاء ان يشخصوا المشكلة ويحددوا كيف يمكن اصلاح المنابع التى يأتى عن طريقها التطرف.
ومنها مثلا منابر المساجد ومناهج الازهر وبرامج التعليم العام والخاص، وما يبث فى الاعلام من فكر وغيره.
ويعملوا توصيات عملية باشتراك القائمين على هذه المؤسسات.
وتعطى التوصيات للمسئولين للتنفيذ فى خلال فترات زمنية محددة. ومن يثبت انه غير قادر او غير راغب فى التنفيذ يزاح ويوضع بديلا عنه.
بكل الاحترام والتقدير أقول ان واجبكم يا سيادة الرئيس كرئيس للجمهورية ليس فقط تحذير المخطىء ثم تركه فى مكانه فى انتظار عقاب الله فى يوم القيامة. مسئوليتكم خلال فترة حكمكم هى بالدرجة الاولى وضع الخطط السليمة للاصلاح وتكليف العناصر القادرة على تنفيذها والعقاب الصارم لمن يخطىء.
ما سيحدث فى يوم القيامة هو مسئولية الله ولا نملك غير ان نتركه لله.
دور الحكومات يا سيادة الرئيس هو هنا فى هذه الدنيا. محاجة المسئولين يوم القيامة سيكون بعد نهاية الحياة عندما نقف جميعا أمام الله.
صحيح انه فى يوم القيامة سيكون عقاب المخطىء من الله عسيرا، ولكن ان اهملنا دورنا فى هذه الحياة سنكون نحن الضحايا الذين ضيعنا حياتنا هدرا!