بقــلم / هــانـي شــهــدي
السنوات الأربعة الأخيرة في حياة المواطن المصري بما فيها من مـظاهرات وثـورات وإنتــخابات وانفــجارات مخـتومة بضــيق الـرزق جعلته يكتسب صلابة متميزة في مواجهة الأزمات وخاصـةً “المــوت” ، وفاة شخص في أسرة نتيجة اهمال أو حادث أو فقـدانها لعائلها أصبح شيء عادي ومتكرر ، أما فقدانها لأكثر من شخص في نفس الأسرة فقد يصيب الأسرة بالارتباك لبعض الوقت لكن سرعان ما تستعيد العائلة توازنها رضوخاً لمتطلبات الحياة.
مركب الــوراق الغـارقة في النيل الأسبوع الماضي والتي راح ضحيتها أكثر من ٣٥ فـرد ، معظمهم من عائلات واحدة مثال حي لذلك البلاء ، ثم أعقبها حــريق ٢٤ عامل في مصنع بمدينة العبور .
اللقاءت التليفزيونية التي اجراها أُســر الغَرقـي حقاً تُبــيّن بلاغة وفصاحة وإلمام المواطن البسيط بشؤون الدولة أكثر من المسؤلين أنفسهم، امتلاكهم للحق واكتوائهم بالمصيبة هو ما جعلهم يمتلكون هذه الفلسفة الخاصة التي تستحق كل تقدير واحترام ، وجودهم في أرض الشارع المصري بكل تفاصيله الحقيقية والمزيفة هو ما يميزهم بالخــبرة عن المسؤول الذي هو غالباً “لازق” في كرسيه يستقي معلوماته في خلال تقارير مكتوبة فقط.
غالباً ضحايا هذه الحوادث من غـريق وحـريق وطـريق من المواطنين البسطاء ، الذين تُـلّــوح لهم الدولة من بعيد لكن في نفس الوقت تستحي أن تمد أيديها وتلامس جلدهم الفقير وتصافحهم عن قُرب ، أجهزة الدولة مشغولة بالمشاريع العملاقة التي ستعود عليهم بالخير بعد سنوات طويلة، لكن المواطن البسيط أن لم يجد رزقه اليوم فلن يري غداً. لذلك اضطر المواطن لتقديم تنازلات من كرامته وسلامته حتي أصبح في بعض الأحيان ما يفصل المواطن المصري عن الموت هي فقط “الصُــدّفة” التي لم تزره ب”مُــوتة” بغير كُــفر بعد أن فقد بهجة الحياة.
الفَهلــوة في حياة المواطين المصري جزء لا يتجزأ من شخصيته ، هي أسـلوب حـياة، صعب تصنيفها علي أنها غـش أو سـرقة أو إختــلاس ، فمثلاً.. عدم وجود طفايات حريق في المصنع أو السيارة فهلوة ، هربنا من لجنة الفحص.. عدم استخدم حزام الأمان إلا عن جود كمين مروري ، ضحكنا علي الأمين.. ، تحميل سيارات الاجرة بضعف عدد الركاب ، ربنا هيسترها، وكذلك عدم وجود عـوّامات علي المراكب واستعارتها من مركب لأخري حتي اجتياز أمتحان الفحص، غـش الميزان فهلوة، غش الدواء فهلوة، ، غش الأسعار فهلوة، كلمة غش باهتة في قاموس الشارع المصري، المواطن والمسئول يتفاعلون سوياً بنفس الأسلوب لذلك يفوز فيهم من هو أكــثر فـهلوة وليس من هو أكثر الــتزاماً بالقانون، المواطن خلال يومه هو فاعـل ومفعــول به ، غــاش ومغــشوش .ولأنه دائم التردد علي المسجد والكنيسة يتحدث دائماً بأن الأخرون فاســـدون أما هو “حــشالله” .
المـواطن المـصري البسيط فـقد اعـتزازه بنفسه كأنسان من كُـتر الهــمْ ، وكنتيجة طبيعية لذلك أجهزة الدولة فقـدت اعـتزازها به كـمواطن وكأنـسان، المواطن المصري تمنه معروف في مـزاد الـبشر بعد أي حادث..”عـشرة الاف جنية للمتوفي وخمسة الآف جنيه للمصاب” لـخيرة الشباب، في حين النعي الذي يُنشر في أي جريدة رسمية لوفاة جَــدة سيادة الوزير التي تجاوزت الثمانين من العمر يتكلف الآف الجنيهات علي حساب الوزارة.
توقُـع أي مسئول لقرار اقالته نتيجة أي حادث عابر أو اهمال داخل نطاق وزارته ليس حل للمشكلة، انما يزيدها تفاقـماً، الاقالة تجعل الوزير أشد شـراسة في الأستفادة بكل امتيازات الكرسي الوزاري قبل أن “يلم شنطته” ويرحل.
العــلاج يبدأ من المواطن المصري نـفسه ، بأن يعتز بنــفسه ويشـعر أولاً بأنه انسان ذو قيمة وله انسـانية تحترم ، وبأنه مواطن يُحترم من خلال ممارساته اليومية ، ثم دور مسؤلي الدولة بالتمسك بالمواطن وسلامته أكثر من الكـرسي الوزاري وسلامته.
الدولة المصرية حـكومة وشعـب يلزمها شحنة ضخمة من فيتامــينات الألــتزام والصــراحة والضــمير.
الوسومهانى شهدى
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …