الجمعة , ديسمبر 20 2024
ميخائيل بشرى

مبادئ أساسية لحل المشكلات الكنسية (3) الخدمة إنكار للذات وتقديم الغير في الكرامة

ميخائيل بشرى
ميخائيل بشرى

بقلم : ميخائيل بشرى
في طريق الحياة يكون من الضروري أن ندوس على بعض الأشياء لنحصل على ما نريد، كأن يتنازل الإنسان عن بعض رغباته من أجل الحصول على أشياء أسمى. وينطبق هذا الأمر على حياتنا الروحية أيضًا، فإما أن يقبل الإنسان أن يدوس على ذاته ليصل إلى الله، أو أن يدوس على الله (إذا جاز لنا هذا التعبير) في سبيل البحث على الكرامة والذات.
وتنحرف أي خدمة عن مسارها الطبيعي عندما تبدأ الذات في الظهور، لأن محبة الذات تجعل الإنسان أقل تسامحًا وتفاهمًا وأكثر غضبًا وكراهية، وقد أراد السيد المسيح أن يبعد مثل هذه الآفات عن الخدمة عندما قام بنفسه بغسل أرجل تلاميذه، وقال لهم: “إن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض” (يوحنا 13: 14)، معلمًا إيانا أن الخدمة في غسل أرجل الناس وليست في التسلط عليهم.
وعندما رآى السيد المسيح تلاميذه يتحدثون فيما بينهم عمن هو الأعظم فيهم، دعاهم وقال لهم: “أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم، فلا يكون هكذا فيكم بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن لكم خادمًا، ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبدًا، كما أن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين” (مت 20: 25- 28).
وكان الآباء الرسل مثالًا في احتمال الكثير من الضيقات والإهانات والاتهامات بصبر من أجل الخدمة والمخدومين، عالمين يقينًا أن الله يرى ويسمع ويحكم حكمًا عادلًا، حتى أن القديس بولس الرسول قال لأهل كورنثوس “انتم مكرمون وأما نحن فبلا كرامة، إلى هذه الساعة نجوع ونعطش ونعرى ونُلكم وليس لنا إقامة، ونتعب عاملين بأيدينا نُشتم فنبارك نُضطهد فنحتمل، يُفترى علينا فنعظ صرنا كأقذار العالم ووسخ كل شيء إلى الآن” (1 كو 4: 10- 13).
غير أن إنكار الذات واحترام الغير لا يمنع من الانتقاد البناء متى دعت الحاجة، ولكنه يجعل مثل هذا الانتقاد مقبولا من كل طرف، طالما أن معيار القياس هو وصايا المسيح المتفق عليها من الجميع. فالاختلاف لا شك وارد، بل والخطأ أيضًا بسبب ضعف بشريتنا، ولذلك ليس عيبًا أن نتقبل النقد من أجل الإصلاح.
لقد انتقد القديس بولس الرسول القديس بطرس عندما وجد أنه كان يأكل مع الأمم في أنطاكية وامتنع عن ذلك عندما أتى قوم من اليهود خوفًا منهم، حيث يقول القديس بولس في ذلك “قاومته مواجهةً لأنه كان ملومًا” (غلا 2: 11)، ورغم هذا الانتقاد العلني لم تحدث خصومة بينهما، وانتهت الحادثة عند هذا الحد، بل نجد أن القديس بطرس امتدح القديس بولس في رسالته الثانية، ووصفه بأنه “أخوه الحبيب”، فقال: “احسبوا أناة ربنا خلاصًا كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس بحسب الحكمة المعطاة له” (2 بط 3: 15).
إن أفعال وأقوال الكثير من الناس لا تأتي دائمًا كما نحب أو نتوقع، وإذا أصبح الغضب سمة من سمات الخادم أدى ذلك إلى إلحاق الأذى بكثيرين ممن يتطلعون إلى حياة الخدام كقدوة يتمثلون بها، فيصعب عليهم تطبيق وصايا المحبة والوداعة عندما يجدون أن أقرب الناس إلى الله (من وجهة نظرهم أو حسب الظاهر) لا يستطيعون تنفيذ مثل هذه الوصايا. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم في ذلك “هكذا الذي لا يستطيع أن يتحكم في غضبه أو يمسك نفسه في حواره مع الناس بل ينقاد وراء انفعالاته، كيف يكون حاله إذا أؤتمن على رعاية قطيع وهو كالوحش المفترس الذي يستثيره الناس لأي سبب. لن يعيش مثل هذا في سلام، فضلًا عن أنه يصيب النفوس التي أؤتمن عليها بالأذى” (الكهنوت المسيحي للقديس يوحنا ذهبي الفم – الكتاب الثالث- فصل 13).
وقال أيضًا “ليس هناك ما يعكر صفو الفكر أكثر من الغضب والاندفاع بلا تروٍ، ذلك لأن الكلام الموجع يهيج السخط” (أم 15: 1) فتُصاب النفس بالظلام، فلا تميز بين العدو والصديق، أو بين الصالح والطالح… لأن الغضب شهوة تطغي على النفس فتقلب جميع موازينها وتشوش كل أفكارها، وهو يدفع صاحبه إلى الغرور والكبرياء ومعاداة الناس وكراهيتها لغير ما سبب، كما يحمله على التصرفات الطائشة وتوجيه الإساءة إلى الغير وأشياء أخرى كثيرة مماثلة، لأن النفس تكون قد انزلقت وراء حمو الغضب حتى لم تعد هناك ضوابط تكبح جماحها”. وتساءل: “كيف يمكن للراعي أن يوقف غضب الرعية إن كان هو يشتعل بنار الغضب؟ ومن من الرعية يمكن أن يكون وديعًا وهو يرى الراعي سريع التهيج؟”.
ويقول القديس يوحنا كرونستادت عن الكاهن بصفة عامة (جميع رتب الكهنوت): “يجب ألاَّ يكون في الكاهن حتى ولا ظِل للغضب أو الغمّ أو الشكوى، أو مشاعر مجروحة تجاه أي أحد، ولا أي مَيْل لأيِّ شيء أرضي: طعام أو لباس أو زينة أو رتبة رسمية، أو مَيْل لأيِّ شخص”.
وإنكار الذات المطلوب للخدمة له ملامح متعددة لا يجب إغفالها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: محاولة تفهم أي آراء مخالفة، والاستعداد للتنازل عن الرأي في حال ثبوت خطأه، والاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، وتقديم المحبة الخالصة للجميع دون انتظار المقابل أو مهما كان المقابل، والمبادرة بالتصالح في حال وجود أي خلاف دون انتظار اعتذار من الطرف المخطئ، وغيرها من الأمور التي لابد من القيام بها تنفيذًا لوصايا السيد المسيح له كل المجد

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

المحاكمات (التأديبات) الكنسية … منظور ارثوذكسى

كمال زاخرالخميس 19 ديسمبر 2024 البيان الذى القاه ابينا الأسقف الأنبا ميخائيل اسقف حلوان بشأن …