الثلاثاء , نوفمبر 5 2024
مجدي خليل
مجدى خليل

الاتفاق النووى مع إيران.. والتغييرات فى الشرق الأوسط

قبل أن نتحدث عن الأتفاق النووى مع إيران علينا أن نتحدث عن عدد من الحقائق السياسية والجيواستراتيجية الجديدة بالنسبة لأمريكا والغرب.

اولا: فشلت أمريكا فى مشروع دمقرطة المنطقة وبنفس القدر فشلت فى مشروع تمكين ما يسمى بالإسلام المعتدل من حكم المنطقة، حيث أكتشفت أنه لا يوجد شئ أسمه الإسلام المعتدل من الأساس.
ثانيا: فشلت تركيا، والتى كانت تعتمد عليها أمريكا فى هندسة المنطقة وتمكين الإسلام المعتدل من الحكم وقيادته، فشلت تركيا فى تقديم هذا النموذج المعتدل وعادت احلام أوردوغان فى الخلافة تظهر الوجه القبيح للتطرف العثمانى القديم، ولهذا بدأت خطوات تحجيم تركيا عبر تبطيئ النمو ودعم الأكراد ورفض غربى واضح لأحتلالها شريط حدودى فى سوريا.

ثالثا: تأكد الغرب أن السعودية هى التى خلقت القاعدة وأن السعودية وحلفاءها السنة هم من كان وراء داعش، وأن السعودية تشكل مشكلة كبيرة ولن تتوقف عن خلق مثل هذه المنظمات الإرهابية، وأن شفاءها من التطرف والإرهاب هو أمر مشكوك فيه.

رابعا: أتضح للغرب أنه لا يفل الحديد إلا الحديد، وأن محاربة الشيعة بقيادة إيران لداعش وللإرهاب السنى هو الحل فى تلك الفترة لإبعاد الخطر عن الغرب.

خامسا: رأت أمريكا أن العقوبات القاسية التى فرضت على إيران لن تمنعها من الانتاج النووى إذا رغبت فى ذلك، وأن البدائل المتاحة أمام أمريكا والغرب لمنع هذا التسلح النووى أما بالحرب أو بالتفاوض،ولما كانت الحرب مكلفة جدا وغير مرغوب فيها، فأن البديل الوحيد هو التفاوض للوصول إلى حلول توافقية وهو ما حدث بالفعل.
سادسا: أن كافة استطلاعات الرأى خلال العقدين الماضيين قد أظهرت محبة الشعب الإيرانى الكبيرة لأمريكا فى حين كراهية واسعة لأمريكا لدى الناطقين بالعربية.

سابعا: إذا اضفنا إلى كل ما سبق أن أهمية الشرق الأوسط الأستراتيجية قد تراجعت كثيرا بالنسبة لأمريكا، وأن أمريكا لم تعد فى حاجة لبترول هذا الشرق، وأن الاتجاه نحو الاهتمام بأسيا هو يشكل الأولوية للمصالح الأمريكية، وأن نهج الحروب الأمريكية طوال العقد الماضى لم يعد مقبولا لدى المواطن، وإن أخطاء أمريكا فى الشرق الأوسط قد فتح الطريق للنفوذ الروسى والصينى.

لكل هذه الأسباب السابقة كان من الضرورى لأمريكا والغرب البحث عن حل سلمى ليس فقط للملف النووى الإيرانى ولكن لدور إيران الموازن للدور السعودى والتركى فى المنطقة، بما فى ذلك فتح الطريق معها لتكون شريكا رئيسيا للغرب كما كانت فى عهد الشاه.

يبقى السؤال هل حقق هذا الاتفاق النووى نتائجه المرجوة؟.
فى تقديرى أن الاجابة نعم، لقد حقق هذا الاتفاق النتائج المرجوة للطرفين عبر حلول توافقية متوازنة، ولا يمكن تلخيص أتفاق مكون من 159 صفحة فى مقال، ولكن يمكن تحليل خطوطه الأساسية ودلالاته.
ووفقا لرويترز فأن هذه هى أهم بنود الأتفاق بالنسبة للشق النووى الإيرانى:-
-تخفيض أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم بنسبة الثلثين، فتحافظ على 6104 أجهزة من الجيل الأول ولكن تستعمل 5060 منها فقط لمنع إنتاج السلاح النووي؛
– لا تتجاوز نسبة تخصيب اليورانيوم 3,67% على مدى 15 عامًا؛
– تخفيض مخزون اليورانيوم المخصب من 10 أطنان إلى 300 كيلوغرام فقط على مدى 15 عامًا؛
– وضع أجهزة الطرد المركزي المتبقية، واليورانيوم المخصب غير المسموح استخدامه، في مخازن تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما لا يحق لإيران الاستفادة من أجهزة الطرد المركزي المحذوفة كبدائل للأجهزة العاملة؛
– عدم بناء أي منشأة جديدة بغرض تخصيب اليورانيوم خلال 15 عامًا؛
– عدم استخدام منشأة فوردو، وعدم إجراء أبحاث بخصوص التخصيب في المنشأة لمدة 15 عاماً، وتحول للأغراض السلمية لاحقًا؛
– تخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز فقط لمدة 10 سنوات باستخدام 5060 جهاز طرد مركزيا من الجيل الأول؛
– وضع 1000 جهاز طرد مركزي من الجيل الثاني، مسحوبة من منشأة نطنز، تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛
– مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية كل المواقع النووية الإيرانية بانتظام، وبإمكان مفتشي الوكالة الوصول لسلسلة الإمدادات التي تدعم البرنامج النووي الإيراني، لاسيما اليورانيوم؛
– تمكين الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى أي موقع تشتبه فيه أو أية منشأة سرية.
– الموافقة على تطبيق البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي يمنح الوكالة حق الوصول للمعلومات بشأن البرنامج النووي، بما في ذلك المرافق المعلنة وغير المعلنة؛
– الموافقة على الإبلاغ المبكر عن عزمها إنشاء أية منشأة جديدة؛
– إعادة بناء مفاعل أراك النووي الذي يعمل بالمياه الثقيلة بشكل لا يمكن معه إنتاج البلوتينيوم، على أن تدعم في ما بعد الأبحاث العلمية والنظائر المشعة في الإنتاج النووي السلمي؛
– تدمير وإزالة المحرك الأصلي للمفاعل الذي يمكنه إنتاج كميات كبيرة من البلوتونيوم، وشحنه خارج إيران؛
– شحن الوقود المستنفد من المفاعل خارج البلاد مدى الحياة، مع التزام عدم إجراء أبحاث أو عمليات إعادة تصنيع على الوقود النووي المستنفد؛
– التزام عدم بناء أي مفاعل نووي إضافي يعمل بالمياه الثقيلة لمدة 15 عامًا.
يبقى تفسير هذا الكلام الفنى سياسيا كالاتى:
1-وقف البرنامج النووى الإيرانى العسكرى لمدة عشر سنوات.
2-إجبار إيران على التوقيع على البروتوكول الإضافى الخاص بالوكالة الدولية للطاقة، بما يعنى حق الوكالة فى الدخول لكافة المواقع الإيرانية بما فيها المواقع العسكرية والتفتيش عليها فى أى وقت.
3- رفع العقوبات عن إيران مرتبط بالتنفيذ وليس بالتوقيع، وبتقارير الوكالة الدولية للطاقة.
4-أن إيران عمليا تخلت عن 98% من مخزونها من اليورانيوم ووافقت على تفكيك ثلثى أجهزة الطرد المركزى.
5- الرقابة الصارمة على البرنامج النووى الإيرانى.
6-فترة الإنذار لأنتاج قنبلة نووية امتدت من شهرين حاليا إلى سنة فى المستقبل مما يعطى الفرصة للغرب للتصرف فى حالة العودة للتفكير فى أنتاج قنبلة نووية.
7-التخلى الإيرانى عن الجوانب العسكرية للبرنامج النووى.
8- تحويل الأتفاق لمجلس الأمن الدولى لكى يصبح الأتفاق دوليا،ولأنه المنوط به رفع العقوبات المفروضة على إيران، وهذا يشكل مراقبة دولية أضافية لهذا البرنامج النووى.
9-حظر بيع الأسلحة لإيران لمدة 5 سنوات والصواريخ البالستية لمدة 8 سنوات مما يعد أختبارا أضافيا للنوايا الإيرانية.
والسؤال ماذا استفادت إيران من الاتفاق؟.
إذا سلمت نواياها وطبقت الأتفاق سوف تربح إيران الكثير
1- رفع الحظر على أموالها المجمدة فى الخارج والتى تقدر ب 100-130 مليار دولار.
2- عودة إيران لسوق البترول بمليون برميل يوميا زيادة، وبمخزون جاهز فى الموانى يشكل 40 مليون برميل جاهزة للتصدير الفورى.
3- رفع العقوبات القاسية المفروضة على الأقتصاد والمصارف الإيرانية وعلى عدد من الشخصيات العامة.
4- رفع إيران من قائمة الدول المارقة، وفتح العالم أمام 80 مليون إيرانى.
5- فتح الأقتصاد الإيرانى للأستثمارات الغربية وكذلك للسلع الغربية.
6- فتح الطريق أمام إيران لكى تصبح شريكا مع الغرب بدلا من كونها عدوا.
7- تقوية وضع الشيعة أقليميا بتقوية إيران اقتصاديا وسياسيا.
8- أعتراف رسمى بالبرنامج النووى الإيرانى والإبقاء على الخبرات التى تجعل إيران قادرة على أنتاج قنبلة نووية خلال سنة إذا رغبت فى ذلك.
9- أنتصار الكرامة الوطنية فى الاحتفاظ بالبرنامج النووى السلمى بدون تفكيك مع أعتراف دولى به.
10- فتح الدور لتغييرات واسعة فى الشرق الأوسط تكون إيران لاعبا أساسيا فيها.
إن هذا الأتفاق هو أفضل ما يمكن الحصول عليه فى ظل المعطيات الحالية، ووصف نيتانياهو له بأنه “خطأ تاريخى” هو مجرد مزايدات للداخل الإسرائيلى الذى كان يوعده نيتناياهو بضرب إيران عسكريا، أما وصف مسئول سعودى للأتفاق لقناة سى إن إن بأنه “خطأ تاريخى” أيضا فهو تعبير عن فشل السعودية فى أقناع أمريكا بضرب إيران ، وتعبير عن أفول الدور السعودى فى المنطقة، وأفول علاقتها بأمريكا، وفشل أستراتيجيتها فى حشد العالم ضد الشيعة.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الرديكالية القبطية وفن صناعة البدع والازمات

مايكل عزيز ” التركيز على ترسيخ مفهوم ديني جديد ، وإعادة ترديده بشكل دائم على …