بقلم / حنا حنا المحامى
لا يسعنى من أن لآخر إلا ان اسبح بذهنى وبخاطرى إلى عقود مضت حين كنت صبيا فى المدرسه الخليليه أحفظ جزء عم وجزء تبارك وشطرا من “قد سمع”.
كنا مصريين وكنا إخوه وكنا طلاب علم لا فرق بين حنا ومحمد إلا بالاجتهاد والخلق والمواظبه وحسن السلوك. كان الشيخ الهريدى رحمه الله رحمة واسعه “يقلوظ” العمه فى حصة بعد الظهر ويطلب منى أن ادع الطلبه يقرأون بالترتيب وأصحح أى خطأ قد يقعوا فيه. كان الطلبه جميعا مصريين لا فرق, أى فرق, بسبب الدين لا فى المواد أو فى الترتيب أو فى درحة النحاح.
وبعد أن أكملت الدراسه الابتدائيه والثانويه تفتحت لى وظيفه فى شركة شل. ورغم صغر سنى إلا أنى اخذت احملق فى المستقبل وفى الدراسه فوجدت أن فرصة العمل بذلك المرتب قد لا تعوض. وعليه قررت أن أترك الدراسه وأخوض دنيا الواقع والعمل وبناء المستقبل. وتركت الدراسه.
كنت مفعما بكل الهمه والنشاط والطموح. فلم يكن لدى أى مانع أن أعمل ساعات طويله بدون أى أجر إضافى. كنت مدفوعا بشئ واحد هو الطموح.
وما كاد يمر عام على عملى الذى كان بشركة شل بالسوس إلا واستولى على كل مقاليد الامور بالشركه الاخوان المسلمون. فقاموا بعمل مظاهرات وإضرابات وتوقفوا عن الممل فى إضرابات شامله كى ترفع الاجور وفعلا نجحوا فى ذلك. ولكن حيث ان شوكتهم قد قويت فقد أملوا إرادتهم على الشركه حتى لا يعين إلا مسلمون كما أن الترقيه تكون للمسلمين فقط.
فى هذا المناخ الذى أصبح مسموما أدركت تماما أن مستقبل أى مسيحى فى الشركه قد أصبح مغلقا فهذا يتسق مع السياسه البريطانيه المعروفه وهى سياسة فرق تسد. وطبعا لم يكن يهم الاخوان المسلمين إلا سيطرتهم على مقاليد الامور كما أن الانجليز لم يكن يهمهم بالدرحة الاولى إلا نجاح سياستهم, سياسة فرق تسد.
ولكن أقولها صريحة واضحه دون أى مواراه وباسلوب صريح بكل الايمان أن يد الله كانت تمسك بى فقد وهبنى عزيمه واصرارا وقوة تحد ما كنت لاتحلى بها لولا يد الله العطوف والعادل والمحب.
كانت هناك وسيله قويه وناجحه كى ألتحق بشركة القنال (الفرنسيه آنئذ) وكانت مرتباتها أعلى مرتبات فى الدوله. وكان الالتحاق يقتضى امتحان باللغه الفرنسيه شفهى وتحريرى.
حسنا .. أهلا وسهلا بكل الصعب وكل العقبات, إن يد الله أقوى ولا تعرف إلا الحق ولن تبالى بالصعب. فعكفت على دراسة اللغه الفرنسيه بكل شراهه. كانت حياتى عمل وساعات قليله من النوم ودراسة اللغه الفرنسيه. ولم يكن هذا فقط بل كنت أفكر بالفرنسيه. وذات مره كنت فى أتوبيس الشركه متوجها إلى العمل. وفتحت كتاب اللغه الفرنسيه (والذى كان يدرس بالمدارس الفرنسيه فقط) وشرعت أقرأ أو بمعنى أصح إذاكر. وإذا بأحد الزملاء خريجى المدارس الفرنسيه يقول لى مداعبا “إنه يذاكر ما كنا ندرسه ونحن صغار”. وهنا انطلقت بعباره بالفرنسيه قائلا “إن ما درسته فى سنوات أدرسه أنا فى شهر فقط.” وكانت العباره بطلاقه دون أى تلعثم فقد كنت أفكر دائما بالفرنسيه. وهنا ذهل كل الزملاء فى الاتوبيس وسكتوا كأن على رؤوسهم الطير ولم ينطق أى منهم ببنت شفه. إنها المفاجأه التى عقدت ألسنتهم. كما أنها العزيمه التى وهبها الله لكل من يؤمن به إيمانا صادقا حقيقيا.
كانت التجربه حافزا قويا. كنت أدرك أنه لا يوجد ثمة مجال لاى مسيحى كى يشق طريقه فى هذا المناخ المسموم فعقدت العزم على أن أشق طريقا آخر وهو طريق العلم. وقد كان الله حليفى. ذلك أن امتحان شركة القنال قد ألغى فى ذلك العام لانه كان هناك شروع فى مفاوضات بسبب قرب انتهاء مدة امتياز الشركه.
وحتى لا أطيل فى هذا المقال لمسأله شخصيه فخلاصة القول إن الاخوان كانوا ينشرون سمومهم أينما ذهبوا إذ أنهم فى ظلال الدين ينشرون سموما فى كل اتجاه وفى كل لون لا لشئ ولكن ليستأثروا بثروات البلاد والعباد وكان سلاحهم قويا الا وهو سلاح الدين. ولكن سرعان ما انتفضت الشعوب وعلى رأسهم مصر وكشفوا مخططاتهم ونواياهم التى تبعد عن أى دين أو وطنيه أو أخلاق.
وإنى وإن كنت انشر هذا المقال على مسلمين ومسيحيين أود أن أقول إن نجاح وازدهار أى دوله لا يقومان إلا على الترابط وهو أقل درجات المحبه والسعى من أجل المصلحه العامه ومصلحة الوطن. أما المصالح الشخصيه وهى مسأله غريزيه فيتعين ألا تكون على حساب المصلحه العامه بل يتعين أن تكون المصالح الشخصيه غايتها المصلحه العامه. وهذا ما لا يؤمن به الاخوان المسلمون فإنهم يسعون إلى مصالحهم الخاصه ولو على حساب الوطن ولهم الدين يكيفونه من أجل تحقيق ذلك.
وحين قام جمال عبد الناصر بثورة 23 يوليو المعروفه كان هدفها الاول المسيحيين. ولا غرو فإن عبد الناصر قد خرج من عباءة الاخوان المسلمين وكانت الثوره إخوانيه بحت فى بادئ الامر. ولكن حين لاحظ الاخوان أن عبد الناصر قد “انحرف” عن مخططهم سعوا إلى اغتياله ولكن العنايه الالهيه جعلت الرصاصه تطيش. فما كان من عبد الناصر إلا أن اعتقلهم جميعا دون استثناء وعاش المصريون فى تبات ونبات أى فى أمان تام.
إلى أن جاء بسلامته أنور السادات. لم يتردد فى أن يطلق سراحهم وفاء لهم إذ أن الثوره قد انبثقت من عباءة الاخوان كما هو معروف. كما أنه كان وفيا لمبادئهم التى هى مبادئه فأطلق سراحهم ليفعلوا بالمسيحيين ما يشاءوا وما يريدون. فما لبث الاخوان إلا أن سطوا على محلات الصاغه المسيحيين قتلا ونهبا وسلبا وهم فى حماية كامله من القانون أى من أنور السادات.
كان العدل السمائى متربصا ليقول كلمته فما لبث أن قضى عليه إخوانه المسلمون فى يوم مجده وبصوره فاجره لا يمكن لاحد أن يتصورها. وقد قضى على الاثمه الحكم بالاعدام الذى واجهوه معتقدين أن مثواهم الجنه وطبعا عرفوا الحقيقه بعد أن انتقلوا إلى العالم الآخر ولعلهم أدركوا أن العدل الالهى لا يرضى بمثل هذا الاعتداء على خليقته التى أحبها حتى المنتهى.
عقب السادات جاء حسنى مبارك وبعد قليل عين حبيب العادلى وزيرا للداخليه. وبهذين المغوارين قضت مصر أسوأ حقبه فى حياتها. مصر الكنانه أصبحت عزبه للنهب وللسلب ولابشع ألوان التعصب البغيض والاجرام “السلطوى” إن صح التعبير. فقد تسلطت الجريمه بكل أنواعها من سلب ونهب لاموال ومحلات المسيحيين وانتهاك أعراضهم بصوره إجراميه لم تعرفها أى دوله حتى فى القرون الوسطى. وقد كان نهب وسلب محلات المسيحيين بل قتلهم فى حماية كامله لهاتين الشخصيتين.
وقد تفرغ المغواران حسنى مبارك وحبيب أبوه العادلى لاثارة الفتن والانتقام من المسيحيين لانهم قتلوا اباهم فى يوم واحد فجاز لهما أن ينتقما من المسيحيين. وبالطبع أمام هذا الانقسام وهذه التفرقه وتلك القيم التى لا يمكن أن تعبر عن وطنيه أو أى وفاء لمصر الغاليه أو أى أخلاق, انهارت مصر اقتصاديا أو كادت. وكان هذا التدهور يسعد بعض الدول الكبرى حتى يمكنها أن تبسط نفوذها فى المنطقه. كذلك للاسف الشديد انهارت مصر أخلاقيا. وسبحان من يعيدها إلى ما كانت عليه.
كانت وسيلة هؤلاء “الخونه” وصفة الخونه أقولها بملء الفم لان من يعمل على تفتيت وحدة وطنه ليس إلا خائنا لانه يعمل على ضعف وطنه ووهنه, بينما لا يوجد دين –أى دين- يسمح بهذا إطلاقا. ألم يوصى رسول الله (صلعم) بقبط مصر “أوصيكم بقبط مصر فمنهم قسيسين ورهبانا وهم لا يستكبرون”؟ فضلا عن ذلك ما هوالدين –أى دين- الذى يسمح بأى سلوك يكون من شأنه إضعاف وطنه وبنى جلدته؟ إنها الاخلاق وليست الدين. الاخلاق المتدنيه ليس إلا. أقول وسيلة هؤلاء الخونه كانت الدين بينما الدين هو أساس المثل العليا والمحبه والتضافر والتعاون والنجاح أو باقل القليل العمل على هذا النجاح.
عقب هذه الحقبه السوداء تبوأ كرسى الحكم أسوأ حاكم عرفته مصر بل يمكن أن تعرفه أى دوله أو نظام فى العالم ألا وهو محمد مرسى. هذا المرسى تبوأ الحكم بما يقال عنه انتخابات نزيهه. كان يشرف على الانتخابات مستشار سابق, وأعلن فوز مرسى فى تلك الانتخابات. ولم يكن ذلك الاعلان مبنيا على الحقيقه ولكن سيادة المستشار برر ذلك بأن الاخوان هددوا إن لم ينجح مرسى ستكون هناك مذبحه بشعه فى مصر. وإننا لسنا بصدد موقف السيد المستشار ولكن نرصد الحقيقه كما هى.
على ذلك تبوأ مرسى حكم أعظم دوله فى التاريخ. وكان مخطط الاخوان أن يجعلوا مصر ضيعه من ضياع الاخوان التى لا يحكموها فحسب بل يملكوها أيضا. وفعلا خطوا خطوه وخطوات فى هذا الاتجاه وفى خلال العام أثبتوا أنهم أسوأ من اعتلى كرسى الحكم فى مصر الغاليه المحروسه.
كان طبيعيا أن يثور الشعب المصرى الاصيل على هذا الفساد المباركى ونجح الشعب فى اقتلاعهما بعد ما ينوف على ثلاثين عاما على صدر المصريين. وتبوا كرسى الرئاسه لمدة عام الرجل العظيم والقاضى العادل المستشار عدلى منصور. وكانت فتره أنتقاليه ملؤها الخلق والعدل والسلام والقياده الاصيله.
العلى القدير الذى قال “مبارك شعبى مصر” لا يمكن أن يسمح بانهيار مصر. وسرعان ما ظهر أنبل إنسان وطنى أحب مصر شاهدته طوال حياتى…. الفريق عبد الفتلح السيسى. لقد أنقذ مصر من ضياع محقق ودمار محتوم ومرسوم. فهب يحمل راية العدل والحق والوطنيه وراية مصر أولا وقبل كل شئ. وهكذا يكون الله القدير قد أعد القائد الذى سينقد مصر فى الوقت المناسب بل فى اللحظه المناسبه ثم طرد الخونه.
سيدى الرئيس السيسى, يتعين من أجل مصر وفقط من أجل مصر أن تكون مصر وحدة واحده لا تفرق بين دين ودين إذ أن الجميع وطنيون ومصريون. ولكن هناك نص دستورى يكون دائما عقبه فى سبيل وحدة مصر وبالتالى تفتتها, ألا وهو الماده الثانيه من الدستور التى تنص على “دين الدوله الاسلام”. وبمناقشة هذه الماده مناقشة بسيطه ندرك أن الدوله شخص معنوى لا يعتنق أى دين. بل إن النص على دين الدوله كان الغرض منه إرضاء بعض المتعصبين. ولعل البعض يذكر أن من أصر على وضع هذا النص فى الدستور هم المسيحيون الذين كانوا فى لجنة وضع دستور 1923. ولم يكن ذلك إلا من باب المجامله أو احترام الاغلبيه رغم أن المسلمين لم يكونوا راضين عن هذا النص.
والآن … فى القرن الواحد والعشرين يتعين لا أقول أن تتقدم مصر بعد ما أصابها من تخلف على أيدى مبارك والعادلى بل أقول أن تتدارك مصر ما خسرته وما فاتها وتسعى جاهدة للتقدم فى سباق الزمن لتتبوأ ما تستحقه من مكانه على مستوى العالم.
يتعين أن يطلق العنان للمواهب لا فرق بين مسيحى ومسلم. يتعين أن ترفع خانة الديانه من البطاقات. من المعروف أنه فى أغلب الاحوال تعرف ديانة الشخص من اسمه كما هو الحال بالنسبه للموقع أدناه. ولكن خانه الديانه لها آثار سلبيه إذ أنها تعنى أن هناك فارق بين هذا وذاك تعنى أن الاسم له معنى فى ضمير الحاكم. وثقوا وبكل الايمان والثقه أيضا أن مثل هذه التفرقه تؤدى إلى ضعف مصر ووهنها وتقسيمها. إن كل مصرى على أرض الوطن لا يفرق عن أى مواطن آخر. والدستور ينص على هذه المساواه. لماذا إذن موضوع الديانه هذا؟
إن كل مصرى ومن باب أولى كل حاكم مخلص يريد أن تكون مصر أرقى وأنجح دول العالم. وهذا لن يتأتى طالما هناك تفرقه بين المسلم والمسيحى. الجميع مصريون والجميع متساوون من أجل مصر ومن أجل مصر فقط. ونجاح مصر وتقدمها يتعين أن تكون غاية كل مصرى وكل وطنى وكل مخلص لوطنه.
أما الدين فهو علاقه بين الانسان وربه. أنظروا إلى أمريكا, إنجلترا, فرنسا أيطاليا وكل الدول المتقدمه. ممنوع منعا باتا ومطلق أن يكون الدين متداخلا فى النشاط الاجتماعى أو الثقافى أو العملى أو الانتاج أو السياسه. وكذلك يتعين أن تكون مصر.
مصر… حفظك الله يا قرة عينى وكم أتطلع إلى أن تكونى فى مقدمة دول العالم علما وعملا وثقافه وتقدما ورقيا وأن يكون كل فرد فيك متدينا تدينا حقيقيا وليس ظاهريا. تدينا يؤدى إلى الرقى وليس تدينا يؤدى إلى التفتيت والضعف والانقسام,