الأحد , ديسمبر 22 2024
الكنيسة القبطية
مايكل عزيز البشموري

خواطر حول العمل القبطي العام .

مايكل عزيز البشموري
مايكل عزيز البشموري

الكاتب : مايكل عزيز البشموري
كنت أسير علي عجالة من أمري في شوارع ستوكهولم ، لإجل اللحاق بإجتماع هام داخل مقر الحكومة السويدية ، ورغم برودة الطقس الذي تشتهر به السويد إلا ان سخونة الاحداث الواقعة فى مصر كانت تُحمي أجسادنا جميعاً ، وذلك بسبب الحوادث المتكررة التي يتعرض لها الاقباط بين الحين والاخر ، وكنا نشعر نحن أبناء الجالية القبطية المتواجدين بالسويد إزاء تلك الحوادث بالضيق والالم ، فما كان يحدث من أعمال عنف وتخريب ممنهجة تستهدف ممتلكات وأرواح الاقباط ،كانت تشعرنا جميعا بالمسئولية الاخلاقية والادبية تجاه إخواننا – الحاملين – صليب المسيح على أكتافهم بمصر . لذا كان يحتم علينا الاجتماع سوياً لمناقشة الوضع الراهن الذي كان يعيشه الاقباط آنذاك .
كان الهدف من الاجتماع الذي عقد بمقر الحكومة السويدية إبان شهر فبراير عام 2013 هو مناقشة أوضاع الطائفة القبطية داخل مصر وتقديم يد العون لها ، مع عرض المشكلات التي يتعرض لها المسيحيين بمصر بين الحين والاخر (خاصتاً بعد تولي الاسلاميين الحكم بالبلاد ) ، وطرح تلك الاشكاليات لعرضها أمام وزارة الخارجية السويدية . حضر الاجتماع من الشخصيات القبطية علي ما أذكر : الاستاذ الدكتور / شتيوي عبد الله المحامي بالقانون الدولي ورئيس رجال الاعمال المصريين بالسويد ، والارخن الدكتور / منير شنودة ، وبعض الشخصيات القبطية الاخري المهتمة بالعمل الحقوقي ، هذا وقد وعدنا المسئول الحكومي الذي أجري معنا المقابلة تحديد موعداً مع كبار موظفي وزارة الخارجية السويدية، لإجل مساعدة الاقباط الذين تعرضوا لهجمات طائفية متكررة عليهم مرورا بالاعتداء الغاشم الذي حدث على مقر البطريريكية الارثوذكسية بالعباسية ، وذلك من قبل نظام الرئيس المعزول محمد مرسي .
وقبل بدء الاجتماع كنت أفكر أنا ومن معي ، في كل حادث طائفي يتعرض له أبناء شعبنا القبطي ، فيجد المرء منا نفسه واقفا بالمربع صفر ، ويغتمر البعض الاخر شعوراً سلبي يصاحبه إحساس بالعجز إزاء ما يحدث لشعب يبلغ تعداده أكثر من خمسة عشر مليون نسمة – هنا – نجد أن هناك قيوداً قد فرضت لإسر هذا الشعب لكبح جماحه ! ويتساءل البعض منا في حيرةً : ما هى تلك القيود التي قامت بتحجيم شعب عريق مثل الاقباط ؟ وما كيفية التحرر من تلك القيود ؟ ، وللاجابة علي تلك التساؤلات علينا تذكر تداعيات الماضي البعيد ، والرجوع بالذاكرة لما حدث للاقباط من مؤثرات سلبية خلال ستون عام مضت ، تعرض من خلالها الاقباط من تحجيماً واضعاف ، وابتدء هذا التحجيم المقصود منذ قيام النظام الجمهوري منتصف عام 1952 الذي علي آثره تم إختفاء الوجود القبطي من المشهد السياسي المصري ، وبموجب هذا الاقصاء السياسي تقوقع الاقباط وإنعزالوا عن المجتمع وأوجدوا نظاما بديلاً لهم ، ألا وهو الالتجاء إلي أحضان كنيستهم القبطية كما كان الحال قبل تولي محمد علي باشا حكم مصر ، أي الرجوع للوراء أكثر من مائتي عام مضت ، وعلى ضوء ذلك وفي ضمن سياق الاجتماع طرحت سؤالاً بريئ علي مسئول الحكومة السويدية المترأس الاجتماع ، وقولت له : هل ستعترف الحكومة السويدية بإضطهاد الاقباط مثلما اعترفت بالمذابح الارمنية التي أرتكبتها تركيا بحق الارمن والسريان ؟ وقد جاءت إجابته لي بطريقة تنم عن إستعلاء قائلا لي:” لا تتوقع أن تأخذ ما انتا تريده ، فأنتم ليست لكم حتي الان قيمة كي تتوصلوا الي ما تريدونه !!” .
” وفي الحقيقة كانت إجابة هذا المسئول علي سؤالي بداية إستيقاظي وتنبهي علي الوضع المزري الذي وصل له الاقباط ، فبعد سماع هذا الرد الواضح والصريح أنتهي الاجتماع بالنسبة لي ،لإنني ايقنت أننا نريد أن نتسول حريتنا ونتوسل حقوقنا من اشخاص لا يعرفون من نحن كأقبــاط شعباً وتاريخاً، وأدركت أن الحُقوقُ تُنتَزعُ ولا تُوهَب ، وأن مجد الامم لا يبني الا عن طريق رؤوس الشهداء والمناضلين من اجل حريتهم وحرية شعوبهم وقد كانت هذة البداية لإكمل طريقي ” .
وبالنسبة للاخوة الحاضرين معي الاجتماع أرادوا إستكمال الحديث مع مسئول الحكومة السويدية من أجل إيجاد وسيلة ضغط يستطيعوا من خلالها مساعدة أخوتهم المضطهدين في مصر ” خاصتا مع إستلام الاخوان المسلمين السلطة بالبلاد “- فقد – إبتدأت الاعتداءات تتطور بشكل غير مسبوق علي الاقباط وكنائسهم ، ومنها الهجوم الغاشم الذي تعرض له مقر بابا الاسكندرية ( رمز المسيحية الارثوذكسية في العالم ) وذلك من قبل وزارة الداخلية المصرية وبعض البلطجية ، الامر الذي اعتبره بعض المحللين حينها تصعيداً خطيرا من قبل النظام الاسلامي الجديد الذي يحكم البلاد ، وبعد الهجوم علي المقر البابوي لم نري أي تصريح أو إعتذار رسمي صُدر من قبل مؤسسة الرئاسة كي يشفي غليل الاقباط أو يهدأ من روعهم ، بل على العكس خرج علينا مستشار رئيس الجمهورية السابق محمد مرسي ومساعد وزير خارجيته عصام حداد بتصريح باهت وإستفزازي يدعي فيه بأن الاقباط هم من بدأوا الاعتداء أولاً علي الشرطة المصرية خارج الكاتدرائية ، وذلك بعد تشييع جنازة شهداء كنيسة الخصوص الذين راحوا ضحية أعمال عنف طائفية ، الامر الذي أثار حفيظة الكنيسة القبطية آنذاك ، وقامت الكنيسة بالرد علي هذا الادعاء الكاذب ببيان رسمي مؤكدة فيه ان الشرطة المصرية هى من قامت بالاعتداء أولاً علي الاقباط ، وذلك بمساندة بلطجية مدعومين من قبل وزارة الداخلية ، والفيديوهات المفرغة من كاميرات المراقبة الخاصة بمقر الكاتدرائية كانت خير دليل علي إثبات صحة بيان الكنيسة ، وقد تراجع السيد عصام حداد مستشار الرئيس السابق مرسي عن تصريحاته حول تلك الازمة فيما بعد .
بعد الانتهاء من الاجتماع الذي إنعقد بمقر الحكومة السويدية أيقنت أن أسلوب الضغط الدبلوماسي لم يعد وسيلة نافعة في زمننا هذا لتحقيق رغبات الشعوب ، فماذا بعد أن تصدر وزارة الخارجية السويدية بيان إدانة لما يحدث للاقباط من معاناة ؟ هل سيغير هذا البيان من مجريات الامور علي الارض ؟ وما جدوي بيانات الادانة والاستنكار التي تصدرها المنظمات القبطية بين الحين والاخر عندما تحدث اعتداءات طائفية علي الاقباط ؟ . تلك التساؤلات وغيرها لم أري لها اجابات واضحة المعالم قد تفيدنا في العمل القبطي العام ، ولو وجدنا إجابات علي تلك التساؤلات فستكون إجابات دون أي جدوي ولن تأتي بجديد ! .لذا أدركت أن الاتكال علي الرب والذات ، خير من الاتكال علي البشر ، – هنا – جاءت ساعة الحسم ، فكان يلزم علينا ان نفعل شيئا إيجابي تجاه اخواننا فى مصر ، وبناء علي ذلك قرر غالبية الحاضرين : الاجتماع مجدداً بأحدي الاماكن بعد عدة أسابيع ، وذلك للتخطيط سوياً لإعداد مظاهرة ضخمة تجوب شوارع ستوكهولم للتنديد بالاعتداءات المتكررة علي الاقباط وكنائسهم للتضامن مع أبناء شعبنا المسيحي في مصر ، ورداً على الاعتداء الغاشم الذي حدث بالكاتدرائية المرقصية والمقر البابوي بالعباسية.
… وكانت تلك البداية …
” اجتمعنا سوياً كلنا كرجلاً واحد ووزعنا علي بعضنا الادوار والمهمات التي سيقوم بها كل واحداً فينا ، فمنا من كان مسئولا عن الكشافة وتنظيم المتظاهرين ، ومنا من كان مسئول عن السيارة وسماعات الميكروفون ، ومنا من كان مسئول عن إلقاء الخطب علي جمهور المتظاهرين ، وهكذا بدأت مظاهرة الاقباط بالعاصمة السويدية ستوكهولم في تمام الساعة الثانية عصراً يوم السبت 14-4-2013 . وسارت مسيرة الاقباط للتظاهر والذي بلغت إلي أكثر من 1000 متظاهر بشكل منظم رافعين صلبانهم ، وتوابيت رمزية ترمز للشهداء الاقباط سائرين نحو سفارتي مصر وأمريكا للاحتجاج على دعم امريكا للارهابيين والمتطرفين في العالم العربي ” .
” لقد كنا نطالب كما طالب المصريين إبان ثورة 25 ينايــر بالعيش والحريـــة والعدالة الاجتماعية ، وبعد شهرين فقط من تلك المظاهرة ( وبنفس العام قامت ثورة الشعب في 30 يونيو ، وسقط حكم الاخوان ومشروعهم الاسلامي الذي لم يراعي شركائهم بالوطن من الاقباط ) ” .
وبعد الانتهاء من التظاهرة ذهبت إلى منزلي وأدركت ان ما قمنا به هو البداية فقط ، وأن الطريق إلي الحرية ما زال بعيداً ، فمازال أمامنا الكثير من التحديات والصعاب ، وأيقنت انه لكي نتقدم سريعا نحو طريق الحرية والكمال في العمل القبطي ينبغي علينا العمل بثلاث نقاط :
1- إنكار الذات .
2- الاعداد الجيد .
3- العمل كفريق جماعي بقلب رجلاً واحد .
تلك النقاط الثلاث هي سر نجاح أي عمل تنظيمي قبطي ، وعدم العمل بتلك النقاط ماهو إلا شهادة وفاة لأي تنظيم وحركة قبطية ، وهذا ما نفتقد إليه في العمل القبطي العام ، والسبب في ذلك يرجع إلي شرذمة وانقسام النشطاء الاقباط العاملين بالشأن القبطي إلي عدة منظمات وحركات ، فحــب (( الزعامـــة )) وحب القيادة قد أفشلا أي عملاً ومجهود قبطياً جاد ، وتناحر نشطاء الاقباط وصراعاتهم فيما بينهم للظهور في المشهد الاعلامي قد أضر بقضيتنا القبطية العادلة ، والذي اعتبرها بنظري قضية وطناً بأكلمه ، لان الاقباط هم أصل وعصب مصر ، فلو كان الاقباط أقوياء فإن مصر ستصبح قوية ، ولو كان الاقباط ضعفاء فإن مصر ستصبح ضعيفة ، لذا علي الاقباط التوحد مع أنفسهم من جديد ، والتوحد مع شركائهم في الوطن من المسلمين الشرفاء لكي تنهض مصر من جديد .
إن إنقسام المنظمات القبطية وإختلاف الرؤى ، يصب بالنهاية لصالح النظم الحاكمة المستبدة ، والتي كانت تحكم البلاد بقبضة أمنية حديدية آنذاك ! ، وتلك – النظم الامنية – لا تسمح للوطنيين من الاقباط والليبراليين والاسلاميين المعتدلين بالعمل بحرية في الشأن السياسي العام ، فالنظم السياسية السابقة والمتعاقبة نجحت في تحويل أبناء الشعب القبطي إلي قطيع من الخراف تابعين لوصاية كنسية تكبح جماح غضبهم عند الضرورة وتتساهل في المطالبة بحقوقهم عند الحاجة ، وقد باتت الكنيسة القبطية عن دون قصد تلعب دورا سلبي في مصر ، وأصبحت تلعب دوراً ليس من المفترض أنه تلعبه ، وذلك عبر سيطرتها علي المؤسسات القبطية المدنية ، الذي من المفترض أن يديرها العلمانيين من الاقباط ، فأصبح لا يوجد هناك هياكل تنظيمية داخل الكنيسة القبطية ، لتستطيع تلك الهياكل التنظيمية تحديد الادوار المطلوبة من رجال الاكليروس والعلمانيين الاقباط ، فإستحواذ رجالات الكنيسة القبطية علي تلك المؤسسات والهياكل التنظيمة مثل المجالس الملية وهيئة الاوقاف القبطية وغيرها من المؤسسات القبطية ، كل هذا الاستحواذ أعطي نوع من السلطة الدنيوية لرجالات الكنيسة ، فأصبحنا نري بين ليلة وضحاها أن رجل الدين القبطي يمتلك جميع السلطات بيديه كالسلطة الدينية ، والتنفيذية ،والتشريعية ، داخل المؤسسة القبطية والكنسية ، وهذا أمراً في منتهي الخطورة وله تداعياته الكبيرة علي أمن وسلامة الاقباط بالمستقبل ، وأصبحت تلك السيطرة تمثل هاجساً كبيرا لدي أصحاب المنظمات والحركات القبطية بالمهجر والداخل ، وقد بات أصحاب تلك المنظمات يخشون الحديث عن أي شيئ متعلق بالقضايا المصيرية التي تتعلق بالاقباط ( كالاحوال الشخصية وغيرها ) والذي من شأنه إغضاب رجالات الكنيسة عليهم ! ، وهذا ما لاحظته من خلال عملي بالشأن القبطي عبر احتكاكي مع رؤساء تلك المنظمات القبطية بأوروبا ودول المهجر – هنا – نري جلياً أن الدولة المصرية خلال الستون عام الماضية قد أدرات ظهرها نحو الاقباط ، وقامت ببناء حاجز كبير يفصل بينها وبينهم وهذا الحاجز متمثل في كنيستنا القبطية ، والذي أصبح علي عاتق الكنيسة بشكلاً أو بأخر تمثيل أبناء شعبها سياسياً وإجتماعياً أمام الدولة المصرية.. إذن فقواعد اللعبة السياسية المتبعة الان تتم عبر الكنيسة التي تضم قطيعها الاقباط وبين الدولة التي تتعامل مع رأس القطيع وهو الكنيسة ، وهذا الامر يعد بنظري أحد أبرز المعوقات التي تواجه بناء دولة مصرية مدنية وحديثة ، والذي يحلم بتلك الدولة كل المصريين . إذن ما الحل ؟
للحديث بقية

 

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …