الكاتب : مايكل عزيز البشموري
إن الإصلاح داخل الكنيسة القبطية الارثوذكسية لا يرتبط بالكنيسة وحدها ، بل يرتبط بعموم الشعب القبطي بوجهاً عام ، فعلي المثقفين من العلمانيين والاكليروس الاقباط تبني عملية الإصلاح داخل الكنيسة الارثوذكسية ، وبالفعل جاءت محاولات فردية قد تبناها بعض الأشخاص للدعوة إلي إجراء عدة إصلاحات مطلوبة داخل الكنيسة الارثوذكسية ، ولكن لم يصغي أحداً لهؤلاء الاشخاص ، لانه تم منعهم بشكلاً أو بأخر من إبداء ارائهم حول الاصلاح الكنسي ، ولان هناك فريقاً آخر داخل الكنيسة يرفض كل ما هو جديد ، فأصبح لدينا داخل الكنيسة الواحدة فريقين كل فريق يمثل جيلين :
١- الجيل القديم المتمسك بروتين الطقسيات .
٢- الجيل الجديد المتعطش للتجديد والتغيير .
وهنا لا بد من التنبيه علي أن الجيل القديم من رجالات الاكليروس المحافظين باتوا يستخدمون أذرعهم الخاصة لعرقلة أي عمل أو مجهود إصلاحي يقوم به أبناء الجيل الجديد ، والذي ليس لهم أي سند حقيقي داخل المؤسسة الكنسية إلي الآن .
فيري المحافظين أن تجديد النمط الديني ، والمتمثل في تغيير بعض الطقوس الدينية هو أمراً ضد الايمان الارثوذكسي المسَلم به من قبل الآباء الأولين ، فعلي سبيل المثال : إعتراض اولئك المحافظين علي طريقة العمل بالميرون الجديدة ، والذي استحدثها مؤخراً قداسة البابا تواضروس الثاني ، وذلك لتسهيل إجراء عملية صُنع الميرون المقدس دون الاستعانة بطبخ الميرون الذي يأخذ عدة أيام لإستخراج الزيوت العطرية اللازمة لصنع الميرون .
وجاء قرار البابا تواضروس هذا ، بإلغاء الطريقة القديمة لصنع الميرون واستبدالها بالطريقة الحديثة مخيباً للآمال بالنسبة لإولئك المحافظين ، خاصتا وإنهم يرون أن كنيستهم العريقة قد استخدمت نفس الأسلوب الذي تتبعه الكنيسة الكاثوليكية في صنعها للميرون المقدس ، وهذا إنحرافاً واضحاً عن الارثوذكسية كما يتصور أصحاب هذا الفريق .
ورداً علي هذا القرار تم إنشاء العديد من الصفحات المناهضة للإفكار والتوجهات الإصلاحية للبابا الجديد ، وذلك لعرقلة أي قرار إصلاحي أو تجديدي قد يتخذه قداسة البابا تواضروس بالمستقبل القريب ، ولعلي من أبرز أهداف تلك الصفحات التي إنشئت عبر مواقع التواصل الاجتماعي- هو – عرقلة ومنع أي قرار قد يحدث بين الكنيسة القبطية الارثوذكسية ونظيرتها الرومانية الكاثوليكية ، وذلك عبر تواصل الكنيستين الجاد لتوحيد الأعياد الدينية بينهم للإحتفال سوياً بعيدي الميلاد والقيامة المجيد بنفس التوقيت ، وهذا ما يحاول منعه أصحاب هذا الفريق المحافظ عبر إنشاءهم لتلك الصفحات المتواجدة بالفيس بوك وغيره .
المقلق في الموضوع أن أصحاب الفريق المحافظ باتوا يستخدمون سلاح التكفيير ضد أي شخص يتبني مشروع الحداثة والتطوير داخل المنظومة الكنسية الارثوذكسية ، فإتهام هذا الفريق لمعارضيهم بالهرطقة وإعتناق فكراً بروتستانتي غير أرثوذكسي هو نوعاً من أنواع الإرهاب الفكري ، وذلك لمنع أي محاولة يقوم بها الإصلاحيين لتطوير كنيستهم القبطية .
فالاسلوب الترهيبي الذي يتبعه اولئك المحافظين يتشابه بشكلاً كبير بعصور المجامع ، والذي كان كل شخصاً فيه يحرم الاخر ويعزل فيه الاخر عن شركة الكنيسة المقدسة .
وهذا لا نريده أن يحدث بين أبناء الايمان الواحد والكنيسة الواحدة .
فعندما اراد الأوروبيين المستنيرين بالعصور الوسطي تطوير الكنيسة الكاثوليكية والحد من سلطاتها ، والذي كانت فيه الكنيسة تتسلط بشكل رسمي علي الحياة العامة والخاصة باتباعها ، قد حاول اشخاصاً عديدين في بداية الامر إصلاح شئون تلك الكنيسة وفصل الدين عن الشئون الدنيا ، وقد باءت تلك المحاولات المضنية بالفشل الذريع ، وذلك نتيجة المحاكمات الغاشمة التي تعرض لها اولئك المُصحلين ، فقد تعرض البعض منهم إما للتكفير أو العزل ، أو الحرق والاعدام .
وقد أدي استكبار رجالات الكنيسة الكاثوليكية وحاشيتهم علي دعاة الإصلاح إلي خروج البروتستانتية من رحم تلك الكنيسة لتكون عقاباً إلهياً لها بسبب إنحراف قادتها عن تعاليم المسيح ، الأمر الذي أدي إلي نشوب حروب أهلية بالمملكة الرومانية المقدسة خاصتاً في الأقاليم الألمانية التي كانت في حالة من الانقسام الديني بين مؤيد للمذهب اللوثري ومؤيدي للكنيسة الكاثوليكية، وفي عام 1546 اندلع الصراع المسلح في الأقاليم الألمانية بين قوات الإمبراطور نيابة عن البابا في روما من ناحية، والقوات التي شكلتها المقاطعات المؤيدة للمصلح البروتستانتي مارتن لوثر من ناحية أخري ، واستمرت هذه الحرب حتى انتهت عام 1555 عندما عقد ما هو معروف باسم «صلح أوجسبورغ» بعدما أيقن الإمبراطور الروماني أن الصراع العسكري لن يحسم الأمر، وهنا تم إقرار مبدأ مهم للغاية أثر مباشرة في مستقبل أوروبا ؛ بل غيره تماما من الناحية السياسية ، وهو مبدأ «من يملك، يحدد المذهب» والمعروف باللاتينية باسم «cuius regio eius religio»، فكان هذا بداية لمفهوم «السيادة» في القانون الدولي، وبداية فكرية وعملية لمفهوم «الدولة القومية» المبنية على مؤسسات مدنية، ومنذ ذلك التاريخ صارت أوروبا على دربها السياسي الذي تطور على النحو الذي نعرفه اليوم.
وبعد ما تعرضت له الكنيسة الكاثوليكية من إنقسامات عديدة بصدد هذا الأمر ، وجد رجال الدين الكاثوليك أنفسهم وحيدين ، حينها رضخت الكنيسة بأن تلعب الدور الذي حدده لها الرب بأن تعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر ، والاهتمام بدعوة الخطاة إلي التوبة ونشر المسيحية في المسكونة كلها ، وكانت تلك البداية لنجاح الكنيسة الكاثوليكية في الانتشار بالعالم أجمع ، وذلك بفضل اكتشافات البحارة الكاثوليك للعالم الجديد وتشجيع باباوات روما لرعايهم بالهجرة والسفر الي البلدان الجديدة وتبشير سكانها ببشارة المسيح المفرحة .
إذن نستبين من كل هذا أنه لا يوجد مفر من المواجهة بين دعاة الاصلاح وبين رجال الأكليروس المحافظين ، والذين مازالوا متمسكين بحرفية الكلمة دون النظر لروح الكلمة ، والمتمسكين بحرفية الطقس دون النظر لروح الطقس الذي قد تجاوز عمره ( ألف وخمسمائة عام ) دون إجراء أي تغيير أو تجديد عليه ليتناسب مع عصرنا الحاضر .
وتلك المواجهة لن تكون بالحروب مثلما حدث بالماضي البعيد ، فلابد الاستفادة من أخطاء الماضي وعدم تكرارها مجدداً في زمننا الحاضر .
إذن يجب علينا استخدام النقاش والحوار الجاد ، لإعطاء الفرصة الحقيقية لكلا الفريقين في إثبات صحة رؤيتهم فيما يتعلق بالإصلاح الكنسي ، فلا يمكن بزماننا هذا ان نتمسك بحرفية الكلمة لأننا لو تمسكنا بالحرف فنحن إذن لن نستطيع مجابهة المشاكل والمصاعب المحيطة بنا . وهذا ما تغلبت عليه الكنيسة الكاثوليكية وأغلب الكنائس الاخري .
ُيتبع
الوسوممايكل عزيز البشموري
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …