بقلم الباحث : نجاح بولس .
لم تمر الذكرى الثانية لثورة 30 يونيو مرور الكرام ، ففي أقل من ثمانية وأربعون ساعة شهدت مصر عديد من الأحداث الإرهابية المؤسفة كان أهمها إغتيال المستشار هشام بركات النائب العام ، وسقوط سبعة عشر شهيداً من القوات المسلحة اثر هجمات متتالية على كمائن الجيش في شمال سيناء ، بخلاف العديد من الحوادث المتفرقة في جميع أنحاء الجمهورية .
فهل ظن المصريين وحكومتهم أن الاخوان قد سقطوا بالفعل فأمنوا واطمئنوا ؟؟ ، ام انهم اكتفوا بمشهد قيادات الاخوان داخل قفص الاتهام باعتباره نهاية لسيطرة التنظيم على السلطة والشارع السياسي معاً !! ، وحقيقة لا تقبل الشك أن الاخوان بالفعل قد سقطوا من رأس السلطة ولكن هل مصر تحكم فقط من القصور الرئاسية أو المؤسسات البرلمانية !! . فالسلطة الحاكمة تصدر القوانين والقرارات ويتم تنفيذها عبر تسلسل اداري هرمي قد لا يتمتع أفراده بقناعات كاملة لتلك القوانين المكلفون بتنفيذها ، بل قد يعمل بعضهم علي تشتيتها وإفراغها من مضمونها لصالح أفكار أيديولوجية سيطرت على الشارع المصري وشكلت وجدانه عبر سنين طويلة بمعرفة تيار الاسلام السياسي الذى تمدد معتمدا على سياسات لاستقطاب انصاره تقوم على الايمان الوجدانى بالافكار بغض النظر عن الانتماء التنظيمى .
لذا نجد ان الاخوان ليس مجرد تنظيم يسعى للسلطة وتتحكم المصالح الفردية في انتماءات افراده فإن سقط التنظيم سياسياً انصرف عنه أتباعه ، بل هى فكرة أيديولوجية تستحوز على مشاعر نسبة كبيرة من الشعب المصري ، وجولة قصيرة لصعيد مصر ستجد قرى بكاملها تتبنى فكر الاخوان ويعمل أبناءها في جميع مؤسسات الدولة السيادية قضاء ، شرطة ، جيش ، خارجية ، ….. وغيرها ، كل هؤلاء يعبثون في السياسة المصرية ويربطهم بالنظام الحاكم مصالح فردية ووظيفية أما انتمائهم الحقيقي فلافكار دينية هى بالفعل وسيلة الاخوان لاستقطاب انصارها .
الاخوان تركوا قصر الرئاسة ولكن أفكارهم تحكم وتتحكم في واقع المصريين المعاش ، فلا زال أغلب القرى والنجوع في صعيد مصر وكثير من المناطق الشعبية بالقاهرة وعواصم المحافظات تقبع تحت حكم الاخوان وعملائهم من الجماعات السلفية الأخرى ، ورغم إقرار دستور يكرس لمبادئ المواطنة وحرية العقيدة لازال الأقباط في الصعيد يعانون من استبداد الجماعات الاسلامية المسيطرة على المجتمع هناك ، لدرجة انهم عارضوا بناء كنيسة باسم شهداء ليبيا الأقباط رغم قرار رئيس الجمهورية ببنائها ، ليثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك أن سيطرتهم على هذه المجتمعات أقوى من سيطرة الدولة وأجهزتها السيادية ، ويمارسون مختلف الوان القهر والازدراء مع المخالفين لافكارهم دون أى رادع أو عقاب لكونهم محصنين بالأهالي المؤمنون بأفكارهم بإعتبارها انتصاراً للدين وإعلاء لرايته ، وكل ذلك في غياب تام لمؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية المدنية التي لا تلقى أى دعم أو مساندة من الدولة فيما تتمدد الأحزاب الدينية تحت مرأى ومسمع من الحكومة التي تحالفت مع السلفيين وتركت لهم المنابر ليبثوا سمومهم وافكارهم التي لا تختلف عن أفكار تنظيم الاخوان ان لم تكن أكثر تطرفاً ، لتصبح المواجهة ليس مع تنظيم أو حزب بل أفكار سائدة في المجتمع لا تواجه بالسلاح بقدر ما تحتاج الى ارادة سياسية مؤمنة بالتنوير وتغيير ثقافة المجتمع لرفض افكار التطرف والرجعية ذاتياً ، وتكريس لمبادئ الحرية والمواطنة والتعددية والاختلاف
الوسومنجاح بولس
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …