الثلاثاء , نوفمبر 5 2024
مدحت موريس
مدحت موريس

تلك العيون

مدحت موريس 

كعادة كل صباح التقيت تامر جارنا الشاب في المصعد حيث كان كل منا ذاهبا إلي عمله, وكنت قد أعتدت أن أوصله في طريقي للعمل.

كان شابا لطيفا يعشق الكلام ورغم حداثة سكنه بالعمارة إلا أننا لقبناه بشيخ الحارة نظرا لمعرفته بمعظم سكان المنطقة علاوة علي تحديثه الدائم للمعلومات والأحداث الطارئة علي الحي, حتي أنني كنت أداعبه بقولي” اخشي أن اكتشف أنك تعرف عني ما أجهله أنا عن نفسى، في الطريق عاود ” مناوشاته الكلامية فقال وهو يغمز بإحدي عينيه يا بختك – يا أستاذ رمزي بجيرانك الجدد- قلت مندهشا جيراني الجدد؟؟, أتقصد إن الشقة المقابلة لشقتي قد سكنت أخيرا؟؟ قال مستنكرا حرام عليك يا أستاذ رمزي الشقة سكنت من أسبوع. أجبته أنت تعرف يا تامر أنني لست فضوليا وعملي وأسرتي يشغلاني عن أي شئ أخر.

أجابني باسما الله يسامحك يا أستاذ رمزي صدقني أنا مش فضولي لكن أعمل إيه إذا كانت الأخبار كلها تأتي زاحفة حتى باب شقتي, علي العموم مبروك عليك جيرانك رجل عجوز وزوجته وأبنتهم الوحيدة… بس إيه زي القمر, شعر إيه وعيون إيه…. قلت ضاحكا يا الله يا أبني أنت راجل متزوج حديثا, قال مقاطعا لا لا يا أستاذ رمزي لا تسئ فهمي أنا أقصد أنها بنت جميلة جدا..  ارجع واقول بنت بهذه المواصفات ستعجب بي علي إيه!!؟؟

لكن طبعا لما يكون جارها وساكن قصادها الشاعر والكاتب الصحفي الكبير رمزي راغب الوضع أكيد سيختلف, قلت محذرا تااااااااامر ألزم حدودك أنت تعرفني وتعرف أني ماليش في المواضيع دي. كنا قد وصلنا لمقر عمله فقلت بلهجة كوميدية آمرة أتفضل مع السلامة, رد ضاحكا عموما أنت في أجازة من توصيلي لمدة شهر يا أستاذ لأنني منتدب للعمل بفرع الشركة بالإسكندرية بدءا من الغد.

ودعته وواصلت طريقي وأنا أضحك وأتعجب من حديثه وأفكاره. أمضيت يومي في المجلة وأنا عاجز عن إيجاد فكرة جديدة لأكتب عنها, فلجأت لقصائدي ومقالاتي القديمة والتي لم تنشر من قبل لكي أجد ما يناسب للنشر. في اليوم التالي تذكرت وأنا في طريقي للمصعد أن تامر لن يظهر اليوم ولمدة شهر بأكمله، حقاً كم سافتقد خفة ظله, كانت تسير أمامي سيدة متقدمة في العمر تتأبط, ذراع شابة صغيرة, استرجعت حديث تامر وعرفت على الفور أنهما جيراننا الجدد ألقيت تحية الصباح فردت الاثنتان في آن واحد, أما داخل المصعد فقد لاحظت أن الفتاة تتابعني بنظراتها بل أنها لم ترفع عينيها من علي وجهي…

كانت تتأملني بصورة أحرجتني بينما أنا كنت أنظر في اتجاه أخر تجنبا لنظراتها- ومع هذا- كنت أشعر وهي تصوب نظراتها نحوي وقبل أن يصل المصعد للدور الأرضي, التفت نحوها بسرعة ثم… ثم … ثم… يا إلهي إن لعينيها سحر غريب بل إنها أكثر من جميلة وقد صدق تامر فيما قال, وعلي الرغم من التفاتتي المفاجئة نحوها وهي ترمقني بنظراتها إلا إنها لم تحرك ساكنا أو تبتعد بنظراتها عني. هاجمتني عيناها طوال اليوم وأنا لا اعرف ما دهاني فكيف ينشغل فكري بإنسانة لمجرد أنني رأيتها مرة في المصعد!!! عندما عدت لمنزلي سألت زوجتي عن جيراننا الجدد فنظرت لي في دهشة وسألتني, منذ متي وأنت تهتم بالجيران وما يدور حولنا؟؟

فاضطررت للصمت, وفي الصباح التالي كنت مترددا في الخروج لسبب لا أعلمه فتساءلت بيني وبين نفسي إذا ما كانت ستخرج اليوم وجاءتني الإجابة سريعا عندما سمعت صوت باب الجيران يفتح ثم تلاه صوت وقع أقدام, فانتظرت ثوان ثم خرجت بسرعة لألتقي وإياهم للمرة الثانية في المصعد, كانت الفتاة ترتدي نظارة شمسية سوداء, ولكني أدركت وأيقنت أن عينيها مازالت تراقبني من خلف حاجز النظارة الأسود!! وللمرة الثانية أتساءل ماذا دهاني؟؟ أنني في العقد الخامس من العمر فلماذا انشغلت بهذه الفتاة؟؟ وصار سؤال يطاردني هل أنا خائن؟؟ لقد تزوجت عن حب ومازلت أحب زوجتي بنفس القدر فماذا يحدث لي؟؟ ألهمتني الفتاة بقصيدة جديدة أسميتها ” تلك العيون” وكعادتي فأن زوجتي أول من يقرأ لي وأيضا أول من ينقد اعمالى, قدمت لها القصيدة وأنا أخشي أن تفهم ما وراءها لكنها اكتفت بأن قالت إنها. قصيدة جيدة .

تعددت لقاءات المصعد – من جانبي علي الأقل- وتمنيت أن تخبرني فتاة المصعد عن رأيها في القصيدة وتمنيت أيضا أن تفهم أنها ملهمتي وأن عينيها….

وفي الساحرتين هما مصدر إلهامي لكتابة هذه القصيدة…فى نفس الوقت كان ضميري يعذبني ونفس السؤال يتردد أخائن أنا لزوجتي؟؟ لقد تزوجنا بعد قصة حب كتبت خلالها الكثير من القصائد والقصص فانا رومانسي بطبعي وهي تعلم ذلك, رأيت فيها الحبيبة, الزوجةو الأم التي ترعي أبنائي لكنها بعد الزواج أكتفت أن تكون زوجتي وأم أبنائي, كنت أتمني أن تظل ايضا حبيبتي فأنا أثق إنها تحبني لكن صورة الحب اختلفت عندها, بعد الزواج وطالما قالت لي إن اهتمامها بنظافة ملابسي هو حب واهتمامها بطعامي هو حب و اهتمامها بنظافة ونظام منزلي ورعاية أبنائي أيضا هو حب وهي محقة في ذلك, لكني أيضا أريد ان ارى نظرات الحب واتمنى ان اسمع وكلمات الحب. لاحظت زوجتي اهتمامي بأناقتي في الفترة الأخيرة, وكانت تضحك من تأملي للشعيرات البيضاء التي تغزوا رأسي, وبالطبع لم اكشف لها عن سر اهتمامي بأناقتي ولكنه أمر يسعد أي إنسان أن يشعر بإعجاب الآخرين خاصة إذا كانوا….

من الجنس الآخر.فجأة وبدون مقدمات توقف لقاء المصعد اليومي حتي أنني لم أعد اعرف إن كانت الأسرة موجودة أم لا, وبعد ثلاثة أيام وجدت الرجل المسن يدخل الشقة فألقيت عليه التحية لكني لم أجرؤ أن أسأله عن زوجته وأبنته, وتمنيت لو أن تامر- شيخ الحارة- كان هنا ليخبرني أين هي الفتاة ولماذا إختفت فجأة وكأنني أثق أنه وهو في الإسكندرية يعرف كل شئ عن العمارة وسكان العمارة. أيام قلائل مضت حتى اتى يوم كنت عائدا فيه متأخرا لظروف طباعة المجلة وجدت زوجتي وقد عادت لتوها من الخارج وهي ترتدي ملابس الحداد السوداء, انزعجت وسألتها عن سبب ارتدائها هذه الملابس, أخبرتني في هدوء إنها كانت تؤدي واجب العزاء لجيراننا الجدد, يا إلهي هل توفي الرجل أم زوجته؟…… بل أبنتهما!

جاءت إجابتها صادمة سقطت علي المقعد وأنا غير مصدق وأنا أردد في ذهول لقد ماتت الفتاة! بينما استطردت زوجتي قائلة مسكينة تلك الفتاة أخبرتني أمها بأنها أصيبت بالمرض اللعين منذ أشهر قليلة وعانت الفتاة وتعذبت كثيرا حتى وافاها الاجل، هزت زوجتى رأسها فى تأثر قبل ان ترمينى بقنبلتها الاخيرة بقولها لم يكن القدر رحيما بها عندماأصابها بذلك المرض اللعين وكأنه لم يكتفي بأنها عاشت عمرها…… عمياء.!!!!!!!!!!.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الرديكالية القبطية وفن صناعة البدع والازمات

مايكل عزيز ” التركيز على ترسيخ مفهوم ديني جديد ، وإعادة ترديده بشكل دائم على …