بقلم: ليديا يؤانس
قالوا حريصا حريصة علينا .. قلت مش فاهمه!
قالوا حريصا حريصة علينا نحن اللبنانيين .. قلت مش فاهمه!
قالوا حريصا سيدة لبنان أي (العذراء مريم) حريصة علي لبنان هذه الأرض المقدسة، حريصا سيدة لبنان تسهر علي لبنان والشعب اللبناني، اللبنانيين يتمتعون ببركتها، ويحبها ويقدرها المسلمين والمسيحيين، ويقصدها المسيحيين والمسلمين بطلباتهم والشفاعة بالصلوات عنهم.
القديسة العذراء مريم لها مكانة خاصة في قلب اللبنانيين بغض النظر عن معتقداتهم، الذين قالوا عنها أنها سلطانة البحار والجبال ومليكة لبنان العظيم، وأن نقاوتها ضارعت ثلوج لبنان، وأنها تسمو مرتفعة كالأرز في لبنان.
سألت أصدقائي اللبنانيين، بالتأكيد أنا والكثيرين نعرف القديسة العذراء مريم، ولكن لماذا تطلقون عليها اسم “حريصا” أو “حريصا سيدة لبنان”؟
قالوا في الواقع “حريصا” هي قرية فوق تلة جبلية تقع فوق سفح جبل لبنان علي إرتفاع 700 متر من سطح الأرض، وتطل علي خليج جونيه مباشرة، تبعد نحو 26 كيلومتراً عن العاصمة اللبنانية بيروت، وتعد من أبرز أماكن الحجيج بالنسبة للمارونيين في لبنان.
حريصا من أجمل الأماكن السياحية في لبنان، يأتي إليها السياح من شتي البلدان سواء العربية أو الأجنبية، حيث المناظر الرائعة، والطقس المعتدل، وسهولة الوصول إلي هذه المنطقه بمعظم وسائل المواصلات، بالإضافة إلي التلفريك حيث يشاهد الشخص روعة المنظر من أعلي قمة الجبل إلي سطح الأرض، ولكن أهم شئ أن هذه المنطقة تعتبر من أقدس أماكن الحجيج في لبنان، يقصدها الحجاج من كل مكان وخاصة المارونيين للتبرك بكنيسة وتمثال سيدة لبنان العذراء مريم.
سألت أصدقائي اللبنانيين مرة أخري، شئ طبيعي أن يتم بناء كنائس في كل مكان، ولكن إيه حكاية هذا التمثال الرائع الذي يأتي إليه الحجاج من كل مكان للتبرك وطلب معجزات شفاء وحالات مستعصية؟
قالوا، من محبة الشعب اللبناني للسيدة العذراء، ورغبتهم في عمل صرح ديني يمجد العذراء في وسط لبنان، قرر البطريرك الماروني إنشاء هذا الأثر الديني ثم تم تشييد المزار.
بدأوا في جمع المال، فظهرت محبة اللبنانيين، أعطوا بسخاء من أجل إنشاء هذا الصرح المقدس، وفي نفس الوقت قبل مالك الأرض فرنسيس يعقوب يونس بيع هذه الأرض التي سيُقام عليها تمثال حريصا وكنيسة سيدة لبنان للبطريرك الماروني مقابل خمسون ليرة عثمانية
بعدما بدأوا العمل توقفوا بسبب خوف المعلمين من المكان كونه قد لا يحتمل إقامة هذا الصرح الضخم عليه.
في سنة 1906 صمم البطريرط الحويك والقاصد الرسولي الجديد “Mgr Giannini” معاودة العمل في البناء، مع تعديل بالمشروع، ولإتمام العمل أبرم البطريرك صك مقاولة مع معلم قدير يدعي ابراهيم مخلوف من عين الريحانة.
في سنة 1907 تم بناء المعبد وقاعدة التمثال بإدارة الأب شكر الله الخوري رئيس الموارنه.
ولكي يتم نصب تمثال بهذا الحجم والنوع، كان لابد من الحصول علي مرسوم سلطاني يتضمن موافقةالسلطات العثمانية، فأرسل متصرف لبنان مغفر باشا برقية طلب فيها موافقة أسطنبول علي نصب التمثال.
تضم قرية حريصا مزاراً بأسم حريصا سيدة لبنان (مريم العذراء)، وهو عبارة عن تمثال فخم رائع الجمال للسيدة العذراء، علي الصخرة، طوله بإرتفاع 5.8 متراً، وقطره خمسة أمتار، ووزنه 15 طناً من البرونز، ولونه أبيض، وتمد العذراء مريم يدها ناحية بيروت، وكأنها تبارك لبنان وتعلن حمايتها لها.
قاعدة التمثال من الحجر الأبيض الطبيعي ارتفاعها عشرون متراً، ترتكز علي دائرة طولها 64 متراً، يلفها درج من الأسفل وحتي التمثال بما يقرب من مائه وأربعة درجة (أي درجات سلم).
تحت قاعدة التمثال توجد كنيسة صغيرة، وكذلك توجد بازيليك أو “كاتدرائية” حديثة من الزجاج والباطون ويرجح أنه تم بناؤها في سنة 1971 علي هيئة شجرة الأرز وسفينه فينيقية قرب التمثال، وتقع قرب دير بكركي.
أيضاً يوجد بالمنطقة بازيليك (كاتدرائية) سان باول التي أنشأت في الفترة 1947-1962 وهذه البازيليك تابعة لكنيسة الروم الكاثوليك.
كما يوجد بالمنطقة أيضاً مقر السفارة البابوية في لبنان.
في سنة 1908في الأحد الأول من آيار بارك القاصد الرسولي المعبد والتمثال بحضور لفيف من الرسميين والمؤمنين وأعلن الإحتفال بأول آيار عيداً للسيدة مريم العذراء سيدة لبنان.
في سنة 1997 قام البابا يوحنا الثاني بزيارة هذا الأثر الديني الرائع وتبارك به وباركه ووجه كلمة للشباب عن العذراء مريم.
بركة حريصا سيدة لبنان تبارك كل من يقدرها ويحبها، وعن نفسي أتمني زيارة هذا الصرح المعماري والديني الرائع في القريب العاجل.