الجمعة , نوفمبر 15 2024

عمر بن الخطاب ورؤية معاصرة ( 5 )

المستشار

بقلم : بقلم : المستشار سامح عبد الله رئيس محكمة إستئناف بالاسكندرية
” وعند توقيع صلح الحديبية غضب عمر وتوجه إلي الرسول وسأله في شدة..
ألست نبي الله حقا؟ فقال الرسول بلي يا عمر.. “
فهل تجاوز عمر!
إشتاق الرسول إلي مكة… ست سنوات من الهجرة لم يشتم عبق مكة.. هذا البلد الذي قال أنه أحب البلدان إلي قلبه.. ولد به وتربي به وعمل به وتزوج به وبعث من مكة.
لقد أذن الرسول لأصحابه بالحج إلي مكة.. خرج محرما دون سلاح أو عتاد إلا ما يعينهم علي الطريق .
لكن قريش المكلومة من الهجرة وما حدث ببدر حتي ولو قلبت الهزيمة إلي نصر في أحد.. قريش هذه أبت أن يدخل الرسول وأصحابه علي هذا النحو ويبدو أن قادة قريش بدهائهم قد رؤوا أن دخول الرسول مكة وهو محرم سيكون أبلغ أثرا فيما لو دخلها مسلحا.. إن دخول الرسول وأصحابه من المهاجرين والأنصار بملابس الإحرام يعد فتحا لها وإنكسارا لهيبتها وسط العرب وحتي غير العرب.
كان قرار قريش الحاسم ألا يدخل الرسول مكة.
حاول الرسول أن يفاوض قريش وأراد أن يبعث لهم محدثا لإدارة مباحثات مع القادة بنهج دبلوماسي فريد في هذا الوقت.
تقول الرواية أن الرسول حدث عمر بن الخطاب في هذا الأمر لكي يكون مبعوثا للمسلمين في هذه المهمة لكن عمر إعتذر وعلل ذلك بخصومته مع قريش وخوفه من الفتك به.
هذا الرواية التي جاءت بها مؤلفات لها ثقلها هي وكتابها سأخالفها بالطبع بالعقل قبل النقل..
فليس عمر الرجل الذي يخشي قريش وقد كان المهاجر الوحيد الذي جاهر بهجرته بل وطاف بالكعبة وصرخ في وجوه سادة قريش من أراد أن يضرب عنقه فليتبعني خلف هذا الجبل ولم يتبعه أحد.
عمر لم يخش قريش وما كان ليخشاها ولست ممن يصدقون هذه الرواية.
المهم أن الرسول أرسل عثمان بن عفان ليفاوض قريش علي الدخول للحج دون سلاح لكن المفاوضات باءت بالفشل وكان علي الرسول أن يقبل حلا سياسيا عن طريق أول مبادرة صلح أو هدنة فيما بينه وبين قريش
وجاء رجل قريش الذي كلف يإبرام المعاهدة مع الرسول.
جاء عمرو بن سهيل يكتب بين قريش والرسول كتابا فدعا النبي الكاتب وقال له أكتب ” بسم الله الرحمن الرحيم”
فرفض سهيل وقال أما الرحمن والله ما أدري ما هو ولكن أكتب ” بإسمك اللهم ” كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا ” بإسم الله الرحمن الرحيم”
فقال النبي ” أكتب بإسمك اللهم “
ثم قال الرسول إستهلالا لإبرام المعاهدة ” هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله “
فقال سهيل والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صدضناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن أكتب محمد بن عبد الله !
فقال الرسول والله إني لرسول الله وإن كذبتموني. أكتب محمد بن عبد الله !
هكذا القائد يتصرف بموجب بشريته.. يؤدي عملا سياسيا بإمتياز بل قل بملء الفم.. عملا دبلوماسيا من طراز رفيع.
لكن عمر الذي شهد هذا الإتفاق والذي كان أبرز ما جاء به أن يعود الرسول وأصحابه بملابس الإحرام دون دخول مكة هذا العام وأن يرد محمد كل قريشي يأتيه طالبا الإسلام دون إذن قريش دون أن تلتزم قريش بأن تعيد إليه من يأتي إليها من المسلمين..
أقول إن عمر الذي شهد هذا الإتفاق غضب غضبا شديدا ولك أن تتخيل رجل مثل عمر بملابس الإحرام أتي إلي مكة للحج ثم يمنع من دخول مكة ثم يري الرسول يكتب يكتب بإسمك اللهم بدلا من بسم الله الرحمن الرحيم ثم ينكر سهيل بن عمرو نبوة الرسول ويرغمه علي أن يكتب محمد بن عبد الله بدلا من محمد رسول الله.
ثم يوقع المعاهدة !
لك أن تتخيل سلوك رجل في قوة عمر وفي غيرة عمر وفي حماس عمر وكان هذا الحوار فيما بينه وبين الرسول..
عمر : ألست نبي الله حقا؟
بلي يا عمر.
عمر : فلماذا نعطي الدنية في ديننا إذا؟
إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري.
عمر : أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟
بلي.
عمر : ألسنا علي الحق وعدونا علي الباطل؟
بلي يا عمر.
عمر يكرر.. إذا فلماذا نعطي الدنية في ديننا؟
كان سؤالا وجوابا من الوزير إلي القائد
بل قل لو جاز لي.. ” إستجوابا “
أنظروا أي نظام شوري هذا..
أي ديمقراطية هذه التى تجعل وزيرا يوجه أسئلة إلي القائد وهي أقرب إلي الإستجواب…
لم يغضب الرسول من سهيل بن عمر وهو ليس بمؤمن
ولم يغضب من عمر وقد آمن !
إستمع الرسول لسهيل وهو كافر به.. إستمع إلي عمر وهو قد آمن بنبوته.. الأول قال له أكتب محمد بن عبد الله وليس رسول الله فكتب
والآخر ألقي عليه أسئلة أقرب إلي الإستجواب وأجاب !
لم يغضب الرسول من الحوار حتي مع من لا يؤمن بنبوته… بينما نحن نغضب !
تقول الرواية أن عمر قال بعد حوار الرسول ” فوالله ماشككت منذ أسلمت إلا يومئذ.. “
لكن القرآن ينزل علي الرسول الكريم الذي أعزه الله بينما يتركه البشر.. الرسول الذي منع من دخول مكة وهو بملابس الإحرام دون سيف أو درع.. الرسول الذي قال له سهيل أنا لا أعترف بنبوتك حتي تكتب رسول الله..
الرسول الذي سأله عمر في غضب وأجاب هو بلين..
ياله من درس لو وعيناه نحن لكانت أشياء كثيرة قد تحققت..
ينزل القرآن ليقول ” إنا فتحنا لك فتحا مبينا “
الله الرحمن الرحيم الذي يعلم ما يختلج بصدر نبيه من حزن وألم قال له.. “إنا فتحنا لك فتحا مبينا”
وقد كان صلح الحديبية بداية جديدة لنشر الدعوة بربوع لم تكن لتصل إليها.. بل كان بداية فتحا عظيما لمكة.
هذا البلد الذي لم يستطع النبي أن يدخله محرما سيدخله بعد بضعة سنين فاتحا !
فما الذي فعله الرسول..
تخيلوا… لقد كان أول من طلبه حتي يخبره بهذه الآية هذا الرجل الذي قال له فى غضب.. “ألست نبي الله حقا”
لقد كان أول من حدثه بهذه الآية الرجل الذي ساوره شك في لحظة غضب منذ أن أسلم..
لقد كان هذا الرجل هو عمر نفسه.
القائد يقدم لوزيره البرهان..
الرسول المبعوث يقدم للذي ساوره شك في نبوته نص من السماء.
القائد لم يغضب ولم تأخذه عصبية ولم تحدثه غيرة أو يقترب منه غرور.
النبي لا يغضب من الحوار مهما كان مستفزا كحوار سهيل ومهما كان غاضبا كحوار عمر.
فالفتح ليس أن تجتاز جدران مدينة أو تهدم سورا أو حصنا..
الفتح الحقيقي أن تدخل قلوب الناس وأن تستوعب عقولهم وأفكارهم.
وكلما تذكر عمر هذا الحوار بكي كطفل وهو يحدث نفسه.. كيف أنه في يوما ما حاور الرسول هكذا بغضب وكيف كان الرسول بكل هذا اللين..
لقد تعلم عمر الدرس ووعاه جيدا..
فعمر الخليفة القوي هو الذي يستمع بعد ذلك لإمرأة تنهره.. وطفل في الطريق لا يخشاه مثل الصبية.. ورجل في المسجد يستجوبه وهو علي منبر الرسول يخطب في الناس عن مصدر الثوب الذي يغطي جسده
عمر سينام تحت شجرة وسيحمل جوال دقيق لعجوز بلا طعام وسيردد… هلكت يا عمر.. هلكت يا عمر..
لقد كانت مدرسة الرسول التي تخرج فيها ولا عجب.
وللحديث بقية.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

خواطر ترمباوي

ماجد سوس في انتخابات 2020 وقف غالبية المتدينين في العالم يصلون من أجل الرئيس ترامب …