الإثنين , ديسمبر 23 2024

واسينيات؛ قراءات في «إِمرأة سَريعة العَطَب» (1)

11402784_907575402635509_7349715633670513664_n

بقلم :نانا جاورجيوس

«امرأة سريعة العطب» هي مقاطع في هيئة نصوص متفرقة إسبوعية، كتبها الأديب الجزائري واسيني الأعرج الحائز على جائزة كتارا للرواية العربية والعديد من الجوائز الأخرى والتي كان من أهمها وصوله ثلاثة مرات للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر» وهي عن رواية «البيت الأندلسي»2011؛ و«أصابع لوليتا»2013 ؛ و «الجزء الثاني من رماد الشرق؛ الذئب في البراري» 2014، ليقول لجمهور قرائه اليوم بأن هذا لم يأتِ محض صدفة بل هو مؤشر بتنوع قلمه بآفاق أدبية متجددة. ورغم هذا يرى الكاتب أن الجائزة لا تصنع كاتباً بل أن كل إهتمام برواية هو مكسب و لحظة فرح يعيدها للواجهة ويدفع بها نحو القراء الذين هم في النهاية من يحددون قيمة العمل.

وعلى مدار عام منذ مايو 2014 كتب لقراء صفحته على الفيسبوك «امرأة سريعة العطب» تحكي مشاعر المرأة وآلامها و أحزانها وإضطهادها وكيف تكون صامدة في أصعب حالاتها وكيف تصير هشة و ضعيفة أمام أبسط المشاعر، و رهافة الحِس أمام غفوة الطفولة؛ فيقول لها: { انتظرتكِ مثل صبي ما تزال الكلمات ترتجف في فمه كلما أخطأ أو إرتبك في نطقها، وفي حضني قاموس من الكلمات نحتناها من وجع وفرح لكي لا نشرك فيها أحداً ولو أن بعضها سرق منا و إعتبرنا ذلك صدقة حب للعشاق}

– يكتب نزار الأدب و درويش النثر، الروائي واسيني المرأة و كان أفضل من عبر عنها في قهرها وظلمها بمجتمع عربي ذكوري لم يرحمها.حتى أنه أعتبر الوطن إمرأة و المدينة أمرأة والأرض المرأة و الأم بل هي الحياة، يحن إليها وإلى صدر أمه كلما ضاقت به غربته، فهي الكائن الذي تمحور شخصية الكاتب حولها ،حيث تربى في بيت كانت أمه « ميما أميزار» العائل له ولإخوته البنات،بعد أن فقد والده الشهيد وهو طفل صغيراً،فالذين شكلوا نعومة أظافره كانت الأم « ميما أميزار» والجَدَّة «حنّا فاطنة» لهذا ذكر قبل كتابة سيرته « ما اشتهيت كتابته هو رواية أمي ميما أميزار وذاكرتها العظيمة» والذي يعني إسمها بالأمازيغية« إلهة المطر».و وصفها كثيراً بأن علاقته بها كعلاقة «الحبل السُري الخفي» الذي مازال يربطه بها حتى بعد وفاتها. لهذا كان لها النصيب الأكبر عند كتابته لسيرته الذاتية و خصص لها وللمرأة عموماً ودورهن في حياته فصولاً كاملة للام والشخصيات النسائية التي تربى ونشأ بينهن وإنتقل من مرحلة لمرحلة ولا تزال المرأة هي المقوِّم الأساسي الذي شكل حياته الشخصية والأدبية .

– فيكتب عن الأرض وهو يراها في صورة إمرأة و أم وحبيبة؛ يقول لها والكلام عن أرض الأنبياء فلسطين:{ عليكِ السلام يا أرض السلام والأنبياء. لن يمنعك قتلة الروح والنور والحب والخير من الحياة لأنكِ أنتِ الحياة. هنا أنتِ، حيث لا قوة في الدنيا تهدكِ أو تسرق حلمكِ. لن نفترق إلا لأراك ثانية ما دام في العمر بقية. ألقاكِ حتماً ذات عودة أو ذات حلم.}

– و كتب عن الحبيبة سريعة العطب؛ يقول لها:

« أعرف أعطابكِ ولهذا أحبك. ولا شيء غير ذلك. و هل توجد كلمة أنبل و أقوى، قادرة على ان تهز كسلنا العشقي أو غفوتنا وحتى وخيباتنا المتكررة مثل كلمة أحبكِ. لا أستأذن الفرح ولا الحزن للزج بك في نهر دمي. أنتِ هنا حيث ظلال الروح. لكني أتحمل بصعوبة وجع هذه الدنيا في غيابكِ. تتعبني الأسفار التي تبعدني عنكِ في كل مرة وتفصلني عن حبلكِ السري. أريد أن أرجع إلى أرضي الأولى لأحيا و أموت برفقتك في كل ثانية، كل دقيقة، كل ساعة، كل يوم، كل شهر وكل سنة. كل الزمن الذي يمضي هو حق مسروق من غفوتنا الطفولية. نهر لن يعود إلى منبعه ليرضي هبلنا. أشتهي أن أمحو بلمسة العاشق، الغيمَ والأرض والسماء والألوان والعواصف ولا أبقيك إلا أنتِ، عارية من كل لحظات العمر الماضية التي أبكتكِ كثيراً. أبكاكِ غياب أمكِ التي هددتك ولم تعرف انها كانت تزرع في قلبك بذرة خوف ابدي. أبكاك رجل لم يعرف كيف يحبك.

أشتهي أن أمحو بلمسة الولهان الضائع بين أرصفة حريته غير المعبدة لأبدأ الخليقة منكِ و أسميكِ كما يُملي عليّ قلبي. شمساً. بحراً. برتقالة. ريحاً. و اكتشف الألوان من جديد معكِ وأغمس فيها ملامحكِ و وجهكِ ومحيطكِ وسماءكِ وبحركِ وبعض غيمكِ. أبتدع الماء في حضرتكِ و ادخلكِ فيه وأغرق فيه جسدكِ وشعركِ وعطركِ. اصنع لكِ ألف غيمة تُأتمر برمشة عينيكِ و إبتسامتكِ. وأعطيكِ من بقايا روحي لترميم أعطابكِ. لست إلهاً صغيراً يحكم أنفاس العشاق وشطط الحيارى، ولا أريد سلطانه. عاشق أنا، أصغر من نجمة إحترقت في سماء عاصفة. أصغر من نهر يخط كل يوم طريقه السري ليهرب ماءه نحو إمراته التي جففها عطب الخوف.

هارب أنا وخائف من أن يدركني ظلي ويسرق مني بوصلة التيه و وقتي وجنوني و إمرأتي التي نبتت فيّ بدون زراعة. بذرة رميت في قلبي بالصدفة فنهظت عطراً و ورداً. أشتهي أن أمنح الحياة لحبيبتي لا كما فرضتها لحظة الإنفجار الأول لشمس قتلتها أنانيتها و نورها ونارها، ولكن كما تخيلتها و أنا طفل بألوانها وعصافيرها وغيومها التي تحلم وتحزن كلما ضاق قلبها و إنسحبت الدنيا من بين عينيها.

هل فهمتِ الآن هذا الظل الهارب الذي لم تمحه الحرائق ولا عواصف المحيطات ولا تشققات السماء قبل أن يهزه جنون إمراة كانت تصلي لصدفة الأقدار الخفية. من قال إن الحب هو ما نعهده ونأنس له. أليس عاصفة ترمينا تمزقنا وعلينا أن نعيد تركيب أنفسنا قطعة قطعة قبل أن نشق طريق الشمس نحو بعض؟ مثل صيني كنت تخافينه وتعشقينه: تهيأ للحب كأنك لم تعشه. وتهيأ للفراق بأن تقرأه في عيني حبيبتك. انسحب عندما تغيبك ظلال أخرى في عينيها. اخرج وأغلق وراءك الباب بهدوء لكي لا تنغص على سعادتها، لتصبح فيها و تمسي فيك، أخفّ من ريش اللغة وأثقل من عواصف الذاكرة. أن تحب يعني أن تعرف جيداً أعطاب من سكنك.»

وإلى قراءة جديدة من يوميات واسينية لإمرأةٍ كانت سريعة العطب.

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …