بقلم : المستشار سامح عبد الله رئيس محكمة إستئناف بالاسكندرية
” وبعد إنتهاء المعركة سأل الرسول عمر بن الخطاب عن رأيه في أسري بدر وكان قد سأل أبو بكر
فقال له عمر رأيا.. لكن الرسول لم يأخذ به”
دخل الرسول يثرب ومعه المهاجرين الذين إتبعوه وكان يتحتم عليه أن يتئالف مع مجتمع يختلف في شئون كثيرة عن مجتمع مكة..
فالبيئة مختلفة وتكوينها الإجتماعي غير مجتمع مكة والصفات الشخصية أيضا محل إختلاف بالإضافة إلي القوة الإقتصادية..
فينما كانت قريش هي سيدة مكة كانتا قبيلتي الأوس والخزرج هما اللتان تسيطران علي مجتمع المدينة.
يقول التاريخ أنهم قدموا من مأرب في اليمن بعد إنهيار سد مأرب وإستقروا في يثرت حيث تواجد بها اليهود بكثرة وعملوا في البداية كأجراء عند اليهود اللذين كانوا يملكون كل مصادر الثروة تقريبا وظل هؤلاء القوم هكذا حتي قويت شوكتهم وأصبحوا أكثر عددا من اليهود ونازعوهم في إمتلاك الثروة مما أوعز لقادتهم أن يحدثون الفرقة بين القبيلتين وهكذا دارت بين الأوس والخزرج حروب ومنازعات كثيرة كان علي الرسول أن يخمدها..
وبالفعل فقد كانت من أولويات الرسول في هذا المجتمع الجديد أن يعقد مصالحة بين القبيلتين وكان هذا علي ما يبدو عملا سياسيا بمعني الكلمة أغضب اليهود وأشعرهم بخطر بالغ.
أقام الرسول مسجدا وأخذت الدعوة منحي آخر وأصبح ما ينزل من القرآن مدنيا بعدما كان مكيا.
ولم يدم الأمر أكثر من عام حتي بدأت قريش تعد العدة لقتال الرسول وأصحابه وقد بدؤوا بالفعل الإنتقام منهم عندما وردت الأخبار إلي المدينة بقيام قريش بالاسيلاء علي ممتلكات المهاجرين والتنكيل بذويهم..
لم يبدأ الرسول القتال رغم ما فعلته قريش ورغم توسل حمزة والحاحه.
لكن المعركة وقعت عند بئر بدر في السابع عشر من رمضان العام الثاني للهجرة بعدما أذن الله لرسوله بالقتال..
لم يشترك فيها أبو سفيان وقال لقريش إن عزتكم في هذا القافلة ونجي بالقافلة بينما هزمت قريش عسكريا شر هزيمة.
وفجأة يجد الرسول بين يديه سبعين من الأسري..
إنه موقف لم يشهده من قبل..
الرسول الذي خرج من بيته في مكة مطاردا ومتخفيا عن أعين قريش أصبح بيده سبعين أسير منهم.
كان الأمر مهيبا في الحقيقة ولم يكن قد نزل شيء من القرآن فيه وكان لابد للرسول أن يسأل أصحابه
بل قل كان علي القائد أن يسأل وزرائه..
كان الأمر إختبارا للبشرية الرسول مرة أخري.. كان الأمر دنيويا حتي هذه اللحظة..
كانت بدر هي أولي المعارك التي يخوضها المسلمون وكان أمر الأسري شيء جديدة عليهم..
إن بشرية القائد هنا ووزرائه عليها أن تعطي إجابة لهذا السؤال الذي توجه به إليهم..
ماذا تصنعون بسبعين أسير؟
سأل الرسول أبو بكر فقال له ” يا رسول الله قومك وأهلك إستبقيهم وإستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم “
وسأل عمر فقال له ” يا رسول الله أخرجوك وكذبوك فأضرب أعناقهم “
وكان علي القائد أن يتخذ قرارا حاسما..
فلا قرآن قال ولا وحي حتي هذه اللحظة نزل..
وانحاز الرسول إلي رأي أبو بكر وعفي عن الأسري مقابل الفدية ومن لم يجد فداءا له جعل الرسول فداءه أن يعلم أولاد الأنصار الكتابة..
يقول أبو العاص بن الربيع وهو أحد الأسري “” كنت في رهط من الأنصار جزاهم الله خيرا كنا إذا تعشينا أو تفذينا آثروني بالخبز والخبز معهم قليل.. “
هكذا الرسول قال لأصحابه كقائد جيش منتصر ” إستوصوا بالأساري خيرا”
لم يأخذ الرسول برأي عمر في الاسرى وكان عمر يمتلك الحجة لرأيه.. ونزل الوحي يقول..
” ما كان لنبي أن يكون له أسري حتي يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم”
صدق الله العظيم.
وفي تفسير الآية أجنح لرأي المفسرين الذين قالوا أنها أقرت ما فعله الرسول بموجب بشريته كقائد جيش وليس إلي رأي عمر كما يقول بعض المفسرين
فما كان للنبي أن يكون له أسري والذي يؤكد ذلك هو نهاية الآية.. “تريدون عرض الدنيا.. “
لا حظوا هنا رأي عمر كان ضرب أعناق هؤلاء الذين أخرجوا الرسول وكذبوه و حاربوه وأرادوا الفتك به وكلها حجج لم يشء الرسول أن يأخذ بها وكان رأي أبو بكر هو الإبقاء عليهم لعل الله يتوب عليهم.
هنا معنا آخر للقيادة وهنا معنا آخر لإتخاذ القرار وهنا معنا آخر للشورى واللامركزية…
ألم أقل أن محمدا اليوم بجانبه وزيرين !
لكن الأمر عند حروب الردة إختلف بين الرجلين إختلاف بينا ويالها من مفارقة عندما ينقلب الأمر ويقف عمر موقف أبو بكر من أسري بدر..
وللحديث بقية.
الوسومالمستشار سامح عبد الله رئيس محكمة إستئناف بالاسكندرية