بقلم : المستشار سامح عبد الله رئيس محكمة إستئناف بالاسكندرية
الآن أسلم عمر..
الرجل الذي دخل بيت شقيقته ليفتك بها بعد خبر إسلامها خرج منه وقد نطق الشهادة بقلبه قبل لسانة..
الرجل الذي خرج يهيم في الطرقات بحثا عن محمد ليضع بعنقة نهاية للفتنة التي صنعها بكل أروقة قريش شهد بوحدوية الله وبنبوة رسوله.
الآن عمر مسلما لكنه ليس أي إسلام قد أجاب الله لدعوة رسوله وأعز الإسلام به..
أمر الرسول صلي الله عليه وسلم أصحابه والذين آمنوا به بالهجرة..
هكذا مشقة أخري وتجربة أخري و إختيار آخر لصدق الإيمان في صدور الذين أسلموا..
الرسول الكريم يصطحب أبو بكر متخفيا عن أهل سادة قريش الذين أرادوا الفتك به..
الرسول يصطحب قصاص أثر حتي لا تأخذه تيهة الصحراء…ويخبيء بالغار حتي لا يراه من تبعه من قريش ويحزن الصديق خوفا عليه ويقول له لا تحزن إن الله معنا.. لقد حزن أبو بكر وربما بكي من جراء ما يحدث للرسول وربما كان حزنه شديدا إلي الدرجة التي جعلت الرسول يقول له ” لا تحزن.. ” وربما كان سبب حزنه أنه رأي الرسول يطارد هكذا وهو ينزل عليه الوحي..
هذه إشارة بسيطة لما كانت عليه هجرة الرسول الكريم..
لكن أنظر معي كيف إختار عمر الشكل الذي يكون عليه هجرته إلي يثرب..
و في البداية تعالي معي إلي هذا المشهد… يأتي عمر إلي الرسول ويدور هذا الحوار
يا رسول الله.. ألسنا علي الحق؟
نعم.
اليسوا علي الباطل؟
نعم.
فلم الخفية يا رسول الله!
ما تري يا عمر؟
نخرج فنطوف بالكعبة!
نعم يا عمر!
فخرج المسلمون للمرة الأولي منذ النبوة يطوفون بالكعبة ويقول بن مسعود ” ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتي أسلم عمر “
وعندما عزم علي الهجرة كان الأمر لديه مختلف ويستحق وقفة وتأمل وتحليل..
لبس عمر سيفه ووضع قوسه علي كتفه وحمل سهاما وعصا قوية وذهب إلي الكعبة وطاف بها ثم توجه إلي مقام إبراهيم وعندما وقعت عينيه علي المشركين وهم يتأملونه قال لهم.. “شاهت الوجوه “
ثم صاح صيحته.. ” من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده او يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي ” فصمت الجميع ولم يتبعه أحد إلا هؤلاء المستضعفين الذين قويت شوكتهم به..
هكذا يهاجر الفارس القوي في العلن أمام سادة قريش غير مختبئ بغار أو تحت جنح ليل.
فما الذي حدث !
إن مقارنة بسيطة بين طريقتي هجرة الرسول وعمر تحملنا علي التأمل كما أشرنا..
رسول يتنزل عليه الوحي.. تؤيده السماء حتما يهاجر هكذا وسط هذا القدر من الخطر والتخفي ورجل حديث العهد بالإسلام لا ينزل عليه وحي وليس لديه معجزة يهاجر هكذا جهرا وبكل هذه القوة وبهذا القدر الهائل من التحدي..
لماذا لم تنقلب الآيه.. لماذا لم يهاجر الرسول مثلما هاجر عمر..ولماذا لم يتخف عمر في هجرته كما تخفي الرسول!!
ليس هناك تفسير عندي سوي بشرية الرسول التي حتمت عليه أن يأخذ بكل سبب ممكن..
هذا النبي الذي يتنزل عليه الوحي كان مطالب أن يعمل كل قدرات البشرية عنده.. كان مطالب يأن يأتي بكل سبب متاح لديه..
عمر كان معه سطوة من الجاهلية وقوة موروثة عن قبيلة كانت تحكم بين القبائل وسيف قوي وشخصية قيادية وتكوين جسماني مهيب..
أما الرسول الكريم.. هذا الصادق الأمين الذي ولد يتيم والذي إعتزل قومه وهو في سن مبكرة والذي رحلت عنه زوجه ولحق بها عمه كان عليه أن يأخذ بأسباب أخري
إنه قانون الحياة الذي تمسك به رسول كريم لم يتواكل ورجل مهاب أيضا لم يتواكل مثل عمر!
أنظروا !… حتي قانون الحياة يسري علي الرسل!
عمر الآن يهاجر إلي المدينة..
هكذا يصبح للقائد وزيرين..
أبو بكر.. وعمر و يالهما من وزيرين ومن خلفهما كان حمزة.
وفي يثرب التي سميت بالمدينة المنورة كانت هناك قصة أخري في بناء الدولة..
وللحديث بقية..
الوسومالمستشار سامح عبد الله رئيس محكمة إستئناف بالاسكندرية
شاهد أيضاً
المحاكمات (التأديبات) الكنسية … منظور ارثوذكسى
كمال زاخرالخميس 19 ديسمبر 2024 البيان الذى القاه ابينا الأسقف الأنبا ميخائيل اسقف حلوان بشأن …