في تصوري أن الإنسان لم يُخلق لنصرة الدين، وإنما وُجد الدين لنصرة الإنسان؛ فهو الوهج الإلهي، والقوة، والقدرة التي تأخذ بيد الإنسان، في ضياعه وضعفه، إلى طريق: النور، والحق، والكمال!
وأن ما نسميه: “إزدراء الأديان” هو نفسه “إزدراء الإنسان”؛ ذلك أن ما يعتنقه الإنسان، ويعتقد أنه يقوده للوصول إلى الله، خالقه.. هو جزء من عقله، وقلبه، وضميره!
ولعلنا لا نبتعد كثيراً عن الصواب، إن قلنا أن الدين والإنسان، توأمان متلاحمان، لا يمكن لأحد أن يفصمهما عنوة، وكل ما عدا هذه الرؤية، يكون كمثل التطلع إلى السراب؛ فإذا كان الدين هو مجموعة الشرائع المطبوعة على سطور الكتب، فإن الإنسان هو هذه الشرائع المنطوقة، والمتحركة على قدمين!
ان التخلي عن هذا الادراك؛ قادنا إلى أن نصدر القوانين التي تُجرّم إزدراء الأديان، ولا تُجرّم إزدراء الإنسان، مع أن إزدراء الإنسان هو جزء من إزدراء الأديان؛ فكليهما نتاج إلهي:
كلمة الله في كتبه المقدسه.
وصورة الله، التي رُسمت؛ لتمشي على الأرض.
وقد دأب أصحاب المخيلة التي تزخر بالتعصب، على تجنيد فكرة: “إزدراء الأديان” هذه، واستخدامها في كل أعمالهم المليئة بالكراهية، والتي تبدأ ـ ولا تنتهي ـ بالمؤامرات الدنيئة، أفتعالاً وأصطياداً؛ للنيل من الآخرين!
وفيما هم يمارسون سطوتهم المُخادعة، تجدهم يهتفون بأنه الدفاع عن الدين، وهذا هو الكذب الصراح!
فالله هو الله، لن يهتز من إنكار مُنكر، ولا من قصيدة شاعر، ولا من مقال كاتب، ولا من مقولة قائل!
وأن الأنبياء والرسل، هم عظماء في ذواتهم، لا تؤذيهم رسوم سيئة، سواء كانت صامتة، أو كانت متحركة!
وأن الأديان السماوية، سماوية، في حراسة الملائكة، وليست أرضية؛ ليزود عنها البشر!
الحقيقة، أنهم وجدوا ضالتهم في قدرة هذه التيمة على الغواية، وجعلوها تكأة للتغطية على عجزهم عن حذف انتماءهم التعصبي عن تصرفاتهم، ومحاولة فاشلة لتجميل وتجليل حبهم المفقود، وبغضهم الموجود بلا حدود!
المأساة المزدوجة، أن قانون إزدراء الأديان، يصوّب سهامه في إتجاه واحد، لا غير!
وأن الذين يدّعون الدفاع عن الدين، هم أنفسهم، يرتكبون خطيئة “الإزدراء” حين يطلقون على غيرهم، أنهم: “أحفاد القردة والخنازير”!
فقد ساوموا على عقلهم؛ لأنهم يريدون ذلك، ويريدون تصديقه.. مع أنها مجرد خرافة، تأسست، ورسخت في النفوس كحقيقة على غير الحقيقة؛ فلو كان الموصومين بـ “أنسال القردة والخنازير”، هم كذلك ـ كما يزعمون ـ؛ فلماذا نراهم مثلنا: “بشراً سوياً”؟!
وحتى لو افترضنا، جدلاً، واقعية هذه الفرضية؛ فمعنى ذلك: أن الله تاب عليهم، وعنهم، وأرجعهم ليكونوا، كما كانوا، من بني البشر!
ضعوا حدوداً لتأثيرات كذبة، تتخذ مكانها كحقيقة ثابتة!
ولا تجعلوا من السماوي “أرضي”، وأنتم تحاولون الدفاع عنه!
وكفوا عن استخدام قانون إزدراء الأديان، كوسيلة وهدف وغاية، لإزدراء الإنسان!…