بقلم: ليديا يؤانس
أنا إسمي داود ابن يسي…
كثيرين منكم سمعوا أو قرأوا قصتي في (2 صموئيل 13-18)، ولكن اليوم أُريد أن أقُصُ عليكُم قِصتي بنفسي.
أنا مُتأكد أنكُم سوف تتعلمون منها كآباء وسوف تنشروها للآخرين.
كما تعلمون أنني كُنتُ إنساناً ناجحاً في كُل ما أقوم بهِ، بإختصار أنا كُنتُ محظوظاً ومُباركاً من الرب.
عندما كُنتُ طفلاً صغيراً الرب أمر صموئيل النبى، بأن يمسحني ملكاً على شعبهِ إسرائيل، وروح الرب حل علي.
في يوم من الأيام عندما كُنتُ أرعى غنم أبي، جاء أسد مع دُب وخطفوا شاه من القطيع، تِصدقوا ولا لأ! أنا جريت وراؤه وامسكتهُ من ذقنهُ وضربتهُ وقتلتهُ وأنقذت الشاه من فمهِ، أنا قتلت الأثنين الأسد والدُب!
أيضاً رُبما تتذكرون قصة الرجُل الفلسطينى “جليات” المُبارز الضخم الذى مِنْ جِتْ، إزدرى بي، لأنني كُنتُ غُلاماً صغيراً، وأشقر الشعر، وجميل المنظر، ولكنني قتلتهُ بإسم رب الجنود!
عندما كُنتُ في سن المراهقه تطوعت في الجيش الإسرائيلي وساعدت على كسب معركة إستراتيجية ضد أعدائنا.
عندما أصبحت ملكاً وبسبب قيادتي الحكيمة أصبحت إسرائيل من أكثر الدول المُهيمنة علي العالم، وأتذكر في ذلك الوقت أنني كُنتُ أقود جيش تِعداده أكثر من مآئتين وخمسون ألف جندى، كُنتُ أنا هو رجل الدولة الذى شَكلْ إسرائيل وجعلها أُمة من أعظم الأُممْ في ذلك الوقت.
إسرائيل كانت في حالة من الفوضى عندما كان شاول بن قيس ملكاً على العرش قبل مني، عندما جِئتُ إلى العرش كانت الأُمة حزينة، ولكن بعد أربعين سنة كملك على إسرائيل أصبحت في قِمة مجدها، وقد وصف المؤرخون عهدي بأنهُ “العصر الذهبى لإسرائيل.”
أنا كُنت موهوباً حتى أن الكثيرين أطلقوا عليّ لقب “مُرنم إسرائيل الحِلو.”
في أيامي الأولى كُنت أعزف على الربابه، ثم تعلمت العزف على آلات جديدة واستخدمت معها الموسيقى التى كُنت أكتُبها.
كتبتُ العديد من الترانيم (المزامير) ومعظمهم موجودين بالكتاب المُقدس، أنا كتبت حوالى نصف كتاب المزامير.
في هذة المزامير سوف تجدون موضوعات مُختلفة، وأيضاً مشاعر إنسانية مُختلفة، كتبت بعضها لنفسي فقد كانت تعبير عما يجول بنفسي من صراع ونضال وأمل، والبعض كتبتهُ لِمُساعدة الناس في مختلف جوانب الحياة، وبعضها كَتبتهُ لِعبادة الله وتمجيدهُ.
بإختصار، مُعظم الناس عبر التاريخ إعتبروني رائع ومُتعدد المواهب!
في فترة حاسمة من حياتي أخطأتُ إلى الرب وكسرت ما لا يقل عن ثلاثة من الوصايا العشرة، إعتقدتُ أن لا أحد يعلم بخطاياي ولكن الأهمْ من ذلك أن الله كان يعلم، الرب دائماً يعلم!!!
وبالرغم من ذلك الرب غَفَرَ لي.
ناثان النبى قال لي “الرب أيضاُ قد نقل عنكَ خطيتك لا تموت.”
وأن الرب يقولُ لك “الآن لا يُفارق السيف بيتك إلي الأبد.”
كان هذا كلام الرب لي، وقد كان!!!
كُل شئ أصبح لهُ أثر مُرُوع عليَ وعلى عائلتي كما قال الرب.
الرب لم يتكلم عن أى شخص في الكتاب مثلما تكلم عني.
إسمع ما يقوله الوحي الإلهي “قد إنتخب الرب لنفسةِ رجُلاً حَسبْ قلبهُ” (1 صوئيل 14:13).
وبالرغم من ذلك يجب أن أعترف لكم اليوم بأنني كأب أنا فشلت!!!
تخيل رَجُل مِثلي بِكُلْ مؤهلاته وسلطاته فَشَلَ في تربية أولادهِ!!!
أنا لا أُريدُ أن أزعجكم بتاريخ عائلتي، ولكن رُبما قد تُساعدكم مع عائلاتكُم، وفي تربية أولادكم.
أمنون واحِداً من أبنائي وهو الأول في خط النسب المُستحق لعرش إسرائيل، هو أكبر أبنائي الأحياء لأن أول طفل المولود من بتشبع قد مات.
أمنون أحب ثامار أختهُ الغير شقيقه، حُباً جنونياً وأصبح مُتيماً بها، ثامار كانت شقيقة إبني أبشالوم، كانت عذراء وممكن أن تتزوج، ولكن ليس أخوها لأنهُ ممنوع أن يتزوج الأخ من أُختهِ.
أمنون كان يُعاني من مُشكلة الشهوه – مِثلي تماماً!
أمنون تَغَلَبَ على ثامار وقهرها، وبعدما إضطجعَ معها لم يُرد أن يتزوجها، بل كرهها وأذلها وركلها خارجاً وكأنها عاهرة. أنظروا كيف تنقلب الشهوة بسرعة إلى كراهية!
ما حدثَ أثار غضبي ولكن بعد خطيتي مع بتشبع، أدركتُ أن مُعاقبة إبني أو توبيخهُ سيكون من الصعب جداً.
لم أستطع عمل أى شئ سواء إصلاح أمنون أو حماية ثامار، بسبب خطيتي شعرتُ بالذنب وبالتالي أعوزتني السلطة الإخلاقية لتأديب أمنون.
عَرَفَ أبشالوم بِما حَدَثَ لاختهِ ثامار، فأضمر الشر لأمنون وكرهه، أصبح عازماً على الإنتقام لعار أخته ولكن بِحُكم طبيعتهُ المُلتويه أرجأ الإنتقام لحين وضع خطه في المستقبل.
أبشالوم لعبها على البارد!!!
إنتظر عامين للإنتقام ثُمَ قَتَلَ أخيه أمنون إبني!
أبشالوم إبني كان رجُلاً وسيماً وجميلاً تعشق النظر إليهِ، ساحراً وجذاباً للغاية بِالنسبةِ لِلنساء، في كُل إسرائيل لم يكُن هُناك أحد يُشبه إبني أبشالوم، كان لديهِ الكثير من السحر والرجولة من باطن قدميهِ إلى قِمة رأسهِ، لم يكُن فيهِ أي عيب، كان شعرهُ ثقيلاً جداُ وجميلاً جداُ، أجمل من شعر النساء، هل تتخيل أنهُ كان عندما يَقُصُ شعره في نِهاية كل عام أن شعره المقصوص كان يوزن مائتان شاقل!
أبشالوم تَمَرَدَ علي! رُبما قد يكون حَمَلَ لي ضغينة، بسبب فشلي في مُعاقبة أمنون لإغتصاب أخته ثامار.
أبشالوم صَمَم على سَرِقة عرشي! بدأ في جمع الناس حولهُ من خلال وعودهُ لهُمْ بأن يعمل لهُمْ ما يُريدونهُ، تملقُهُمْ وسرقَ عقولهم وقلوبهم، إستخدم سحره وشخصيته ليكسب الناس إلى جانبهِ، كثير من الناس تبعوه، بإختصار هو كان واحِداً من اولئك الرجال الذين ولدوا ليكون ملكاً!
غادرتُ العاصمه مع جيشي لكي أعطيه الفرصة للسيطره على المدينة، ولكن أبشالوم لم يقتنع ولم يسترح، أراد أن يُدمرني ويزيحني من طريقهُ.
عندما جاءت ساعة المعركة تيقنت أنني سوف لا أكسب، وإذا كسبت ممكن أفقد إبني أبشالوم سواء بالقتل أو بالأسر المُخزى، من ناحيه أُخري لو هو كسب المعركة سوف يخلعني من العرش ومن المُحتمل يقتُلني، أنا كُنت في حالة سيئة جداً وللأسف لم أستطع أن أبوح بِما يجول في نفسي مع أي شخص.
المُستشارين الخاصين بي لم يسمحوا لي بالذهاب إلى المعركة، لأنني كنتُ كبيراً في السن، ولأنهُم إعتبروني قيمة ثمينة يجب الحِفاظ عليها.
أنا قدرت محبتهم وولائهم، ولكنهم بالطبع لم يشعروا بما أشعر بهِ، ولم يفهموا مدي الألم المُبرِحْ الذى كان بداخلي!
أنا أب وأُحبُ إبني حتي وإن لم يكُن يُريد، أردتُ أن أُنقذ إبني وأحميه، فأمرت مُستشاريي وزُملائي قائلاً “ترفقوا بِالفتى أبشالوم.”
كانت المعركة في غابة إفرايم، وحينما جاء الوقت للحرب إنتصر جيشي وفَرَ إبشالوم، شعره الطويل الجميل تشابك مع فروع شجرة من أشجار الغابة فرآه يوآب وهو مُعلق بالشجرة فقتلهُ.
ركض إثنان (مُراسلان) لكى يُنبآني بالأخبار، الأول قال لي ان جَيشي قد فاز في الحرب، ولكن أنا لم أسأل عن المعركة. صَرَختُ “أسلام لِلفتى أبشالوم؟”
المِرسال الأول “أخيمعص” تهرب من الرد على سؤالي، أعتقد أنهُ كان مُهذَباً ولا يُريد أن يُؤذي مشاعري بهذه الأخبار السيئة. فسألت المِرسال الثانى “كوشى” نفس السؤال “أسلام لِلفتى أبشالوم؟” قال لي إنتصر جيشك فى المعركة ولكن إبنك قُتلْ.
كَملِك كَسَبَ المعركة المفروض إني أفرح وأحتفلْ، ولكن كَأب أنا كُنت مُحطماً كُلياً ومحزون الفؤاد، الفوز أصبح لا شئ! دَخَلت في حالة حُزن كئيبة، صعدت إلى غُرفتي وبكيتُ بُكاءاً مُراً وأخَذتُ أصرخ “يا إبني أبشالوم .. يا إبني .. يا إبني أبشالوم ياليتَ مِت عِوضاً عنك ياأبشالوم .. إبني يا إبني” لم أستطع أن أتوقف، أنا فقدت إبني!
كانت أسوأ لحظة في حياتي، لما بكيت على أبشالوم، في ذلك اليوم أنا كُنت عارف إن ذلك بسبب خطيتي، الغلطه غلطتي!!!
أرى في عيونكم الشفقة على أب فقد إبناؤه، فلذات كَبده بسبب أخطاؤه، ولكن إسمحوا لي أن أقول لكم، ما تعلمتهُ مؤخراً من تجربتي رُبما تُفيدكُمْ.
كما ترون أنا كملك لأمة عظيمة مثل إسرائيل كُنتُ دائماً مشغول، والمسئوليات كانت تتضمن مسائل كثيرة ومهمة، مَطلوب أن أحكُم شعب بأكملهُ، وأعمِلْ مُفاوضات ومُعاهدات مع الدول الأُخري، وأضع التشريع لكي يُساعِدني في قيادة الشعب، عندي جيش ضخم مِحتاج للتوجيه والتطوير، وأيضاً وضع الخطط الحربية.
وأهمْ من كُل شئ لدي عائلة كبيرة ومشاكلها مُعقدة، أنا كُنتُ أب لأكثر من عشرون طفلاً – تِسعَة عشر ولداً وفتاة واحدة من سبع زوجات ومحظيات.
طبعاً أعرِفْ أن ذلك ليس صحيحاً لإنهُ مُنذُ البدء خلقهُما الله ذكراً وأنثى وليس ذكراً ونساء!!!
أنا أعرِف أن الشريعة تحدثت عن هذا الموضوع ولكن هذا ما حدث، عموماً كان مألوفاً في عصري أن الملوك يتزوجون أكثر من واحدة، أعتقد أنكُم تَعرفون ان إبني سُليمان تزوج سُبعمائة زوجة وكان لهُ ثلاثمائة محظية.
أنا لا أُعطى لِنفسي عُذراً، بالتأكيد أنا بَحِب أولادي كثيراً، ولكن في خَضم كُل ما كُنتُ مسئولاً عنهُ لم يكُنْ لأولادي وقت في جدول أعمالي، جدول أعمالي دائماً مشحون بالمسائل المُهمة ماعدا أولادي!
لم أتذكر أنني في يومٍ من الأيام عندما كان الأولاد صِغاراً أننى دللتُ أى مِنهُم حتى ثامار طفلتي الصغيرة لم أُدللها لم أتذكر أنني وضعتها على رِجليّ ولاطفتها أو لَعِبتُ معها.
لم أُعطى أولادي شريحة صغيرة من وقتي، لم يأتِ إليّ ولد من أولادي لأصلح لهُ لعبة إنكسرت مِنهُ.
أبشالوم لم يسألني قط أن ألعب معهُ لأنهُ كان يعرِف جوابي. أنا مشغول!
عندما أصبحوا رِجالاً لم يأتوا إليّ بمشاكِلهُم العاطفيه مهما إن كانت قُلُوبهُمْ مكسورة.
لو كُنت عاملت أمنون كصديق وأب أكيد كُنت تجنبت الوضع المأساوي الذى حدث في العائلة وهو إغتصاب أخ لأُخته.
أنا النهارده بقول لكل أب:
• أولادك محتاجين وقتك، إعطهم مكاناً في جدول أعمالك، محتاجين يسألوا وأنت تجاوب وتوجهْ، محتاجين لصداقتك ولِعلاقتك الشخصية بِهمْ، محتاجين وجودك معهُمْ لتُشكلهم وتُغيرهُمْ للأفضل.
• أولادك في حاجة إلى وجود أب مِثالى، فى وقت حاسِمْ من حياتي وخصوصاً أثناء ما حدث مع بتشبع، أولادي تأثروا نفسياً وإجتماعياً بالأحداث والعواقب الوخيمة التى نتجت عن هذه المشكلة، كانوا شايفين أمام عيونهم أب مُستهتر ومُتمرد على إلههُ، بالتأكيد وضعي بهذا الشكل كان لا يسمح ليّ بتأديبهم حينما يخطئون، وعلى ذلك يجب أن تكون قدوة لأولادك.
• أولادك مِحتاجين أن يعرفوا طريق الله، فأنا لا أتذكر أنني في يوم من الأيام جلست مع أولادي لِقراءة كلمة الله، لم أعُلمهم طريق الله ووصاياه، بالرغم من أنني ليل ونهار أقرأ كلمة الله، والوصية تقول “ولتَكُن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك. وقصها على أولادك وتكلم بِها حين تجلس في بيتك وحين تمشئ في الطريق وحين تنام وحين تقوم. وأُربطها علامة على يدك ولتكُن عصائب بين عينيك. وأُكتُبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك.” لو إنتَ عايز أولادك يتبعون الرب، يجب أنتَ نَفسك تتبعهُ أولاً وتكون مِثالاً لهم، أنت محتاج أن تقرأ معهم كلمة الله، وأن تأخذهم معك لدور العبادة.
أحبائي الآباء هذه قصتي وما جنيته وجناه أبنائي، مما فعلت في حياتي وحياتهم، أرجو أن يكون حظكُم وحظ أبناؤكم أوفر وأسعد حالاً من حالنا، فما يزرعه الإنسان إياه يحصد!