الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
الكنيسة القبطية
مايكل عزيز البشموري

أحوال الأقباط الشخصية والأختيار الصعب .

الكاتب : مايكل عزيز البشموري

أصبح ملف الاحوال الشخصية الخاص بالاقباط مشكلة تؤرق الكثيرين عبر ساحات التواصل الاجتماعي

بالفيس بوك وتويتر ، فبات هناك فصيلان من الاقباط يهاجم إحداهما الاخر بسبب تضاد أفكارهما

في كيفية معالجة تلك القضية الحساسة

فالفريق الأول قد نصب نفسه وصياً علي الإيمان ، ومدافعاً شرساً عن تعاليم اعتبرها أمر لا يُقبل النقاش فيه

فهم ينادون بــ ” لا طلاق إلا لعلة الزنا ” دون اضافة أي أسباب أخري تسمح بالطلاق والزواج الثاني

ومن بين أصحاب هذا الفريق من تمادي وأطلق عبارات وأوصاف قاسية تحمل في طياتها التكفير

والازدراء لإولئك الاقباط المطالبين بضرورة الطلاق والزواج الثاني ، ووصفهم بالهراطقة

والزناه علي حد وصفهم .

أما الفريق الثاني فهم من متضرري الاحوال الشخصية وينضم معهم مجموعة النشطاء والحقوقيين المتعاطفين

مع قضيتهم العادلة ، ولعل من أهم مطالب هذا الفريق إتاحة الفرصة للطلاق من الزيجات الفاشلة

والسماح لهم بالزواج الثاني مرة أخري ليعيشوا حياة زوجية من جديد ، وتكوين أسرة مسيحية جديدة

وتُشير بعض التقديرات بأن هناك أكثر من ١٣٠ الف حالة تعاني من مشاكل زوجية ، ولا تجد الكنيسة

حلاً لإصحاب تلك المشاكل ، لإن الكنيسة تري أنها مرتبطة بنص كتابي واضح وصريح يرفض الطلاق

لأي سبب من الاسباب ، وتعنت القيادات الكنسية لحل مشاكل متضرري هذا الملف قد أدي الي

فقّد أصحاب هذا الفريق للياقتهم ولباقتهم المعتادة فمارسوا الهجوم علي قيادات الكنيسة القبطية

التي يرونها أنها تحابي بعض الأشخاص علي حساب البعض الاخر بهذا الملف كما يوصفون

مضيفين بأن الكنيسة تسمح بالطلاق والزواج للأغنياء والمشاهير فقط دون غيرهم من الافراد العاديين من أبناء الشعب القبطي 

ولعلى حادثة الأربعاء الماضي يوم ٣ يونيو كانت خير دليل علي تفاقم الأزمة بين الطرفين

ففي مشهد عبثي يقوم متضرري هذا الملف بالتظاهر بشكل لا يليق داخل الكاتدرائية المرقصية بالعباسية

مقاطعين عظة البابا الأسبوعية ، الأمر الذي أدي إلي إلغاء قداسة البابا تواضروس لإجتماعه الأسبوعي 

وللأسف تم القبض علي بعض من هؤلاء المتظاهرين وإرسالهم الي مركز الشرطة

من قبل رجال أمن الكاتدرائية ، وذلك للتحقيق معهم بشأن إتهامهم بالاعتداء علي البابا لفظياً

وأنتهي الأمر بدفع المقبوض عليهم كفالة مالية ، والإفراج عنهم جميعاً .

الأقباط بين الدولة الدينية والمدنية :

وفي ضمن سياق هذا المشهد العبثي تطوعت النخب القبطية الممثلة في التنظيمات والحركات المسيحية 

ومن معهم من صحفيين ومفكرين أقباط في إبداء آرائهم بهذا الشأن ، دون تقديم أفكار عقلانية لحل تلك الإشكالية

فجاءت ردود بعضهم مخيبة للآمال بالنسبة للبعض وإيجابية للبعض الاخر ، والسبب في ذلك يرجع الي إنحياز

هؤلاء الصحفيين والمفكرين الاقباط للفريق الاول الرافض لمبدأ الطلاق ، ومرددين نفس شعارات هذا الفريق

الدينية ، وقد اصبحت تلك الشعارات مزايدة علنية يزايد بها كل شخص علي الاخر دون تقديم أي حلول واقعية

تحل تلك المشكلة التي يعاني منها ألالاف الاقباط ، ومن نتائج تلك الإشكالية خلق مشاكل لا حصر لها

وأبرزها هروب الزوجات القبطيات من حياتهن الزوجية وترك أسرهن وأطفالهن واعتناقهن للدين الاسلامي

وذلك هرباً من الجحيم الأسري الذي يعيشن فيه ، الأمر الذي سبب مشاكل طائفية لا حصر لها بين الاقباط والمسلمين في مصر .

 إن تجاهل اغلب النخب القبطية للمشكلات التي يعانيها متضرري الاحوال الشخصية ، وعدم تقديمهم

لمقترحات لحل تلك الازمة ، وإنحيازهم للجانب المتشدد ، هذا الامر يعتبر انتكاسة كبيرة للدولة المدنية

والعلمانية التي يحلم بها البعض . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا :

ماذا يريد الاقباط ؟

– هل يريدون دولة مدنية علمانية مثل بقية الدول الغربية وتركيا ؟

– أم يريدون دولة دينية تحكمها الشرائع السماوية مثل السعودية وباكستان ، ويكون لرجل الدين فيها سطوته ونفوذه عليها ؟

الواقع الحالي الذي نشهده جميعاً يصب لصالح الدولة الدينية بكل ما تعنيه الكلمة ، فبكل صراحة

ووضوح ودون تجميل ، إن نظام الحكم المتبع الان في مصر هو نظام : ديني /عسكري ، ومسودة دستوره

تسمح بفرض وصاية لرجال الدين بمختلف طوائفهم علي الشعب المصري ، وذلك من خلال فرض المادتين

الثانية والثالثة في الدستور المصري ، واللتان بموجبهما تمنحا المؤسسات الدينية الحق بتشريع

وتسنين القوانين التي تتناسب طردياً مع إيدلوجيتهما الإيمانية والعقيدية – هنــــا – نحن لسنا أمام الدولة

التي حددها المسيح عندما وصفها بالقول : إعط ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله ، فنحن أمام دولة ينطبق عليها

وصف : إعط ما لقيصر للمؤسسات الدينية ، وإعط ما لله لرجال الدين !.

وبدلاً من ان يستيقظ الاقباط ويُطالبون بمدنية الدولة التي سُلبت وحُذفت قصراً وعمداً من الدستور المصري ، نجدهم ينحازون لصالح ترسيخ قواعد الدولة الدينية بكل ما تعنيه الكلمة ، وذلك من خلال إنحيازهم الواضح والصريح لتطبيق نصوص شريعتهم علي ارض الواقع ، والممثلة في ” لا طلاق إلا لعلة الزنا “.

ومن خلال كل ذلك نستطيع القول : بأن الاقباط قد فشلوا في الاختبار الذي تعرضوا له ، فبدلاً من أن يتغاضوا

عن تنفيذ أحكام شريعتهم ، وذلك لحل مشاكل متضرري الاحوال الشخصية ، وجدنا عكس ذلك ورائيناهم يتقاتلون فيما بينهم لتنفيذ شريعتهم وذلك لنصرة دينهم .

إذن … لا حرج علي جماعات الاسلام السياسي مثل الاخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم ، من المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر ! 

فإذا كانت الأقلية المسيحية التي تُعتبر رمزاً للعلم والثقافة والمعرفة تنحاز لتطبيق شريعتها لنصرة دينها 

فما بالك بالأكثرية التي تعاني من كثرة تعداد منظماتها وحركاتها الإسلامية التي تطالب بتطبيق شريعتها الدينية الغير مفعلة علي ارض الواقع .

 علي الأقباط الاختيار الأن ؟

والاختيار هنا في منتهي الصعوبة ، ولكنه سوف يُحدد ملامح مصر في الفترة المقبلة ، والاختيار هو :

١- إما الانحياز لدولة مدنية علمانية متقدمة ، ترفض أي تدخل لرجال الدين في الحياة العامة 

ورفض وصايتهم علي المواطنين ، مثل رفض فرض رجال الدين الاقباط رؤيتهم الدينية

في شئون شعبهم الخاصة كالزواج أو الطلاق وغيره .

٢- أو الاختيار الثاني وهو ترسيخ قواعد الدولة الدينية التي نراها حالياً ، وهو فرض وصاية

رجال الدين علي الشعب مثلما يحدث الان في ملف الاحوال الشخصية الخاص بالاقباط .

” فعلي الاقباط وكنيستهم الان الانتباه جيداً من تداعيات هذان الاختياران ، وعلي الاقباط وكنيستهم أيضاً أن يتحملوا مسئولية أختياراتهم ، لإن لكل أختيار له ثمنه الخاص ” .

وهنا يجب التحذير من المستقبل المقبل في حال اختيار الاقباط للاختيار الثاني ، بأنه في حال سماح

النظام بحكم الواقع بحدوث انتخابات برلمانية ديمقراطية نزيه ، فسوف يربح الإسلاميين بالأغلبية مثلما حدث بالماضي

في انتخابات مجلس الشعب لعام ٢٠١١ ، وسوف يتولي الإسلاميين مقاليد الحكم من جديد في البلاد

لانهم يسيطرون بحكم الواقع علي الشارع المصري، حينها لن يستطيع الاقباط مجابهة الإسلاميين

لو قاموا بسن قوانين تعمل علي تطبيق شريعتهم الإسلامية ، وسوف يكون لسان حال الإسلاميين حينها :

” نحن تركناكم تطبقون شريعتكم دون أي إعتراض ، الان دعونا نطبق شريعتنا دون ان تتفوهوا بكلمة ” .

حينها لن تفيد الدموع ولن يفيد الندم لان الاقباط بشكل أو بأخر قد شاركوا بشكل سلبي في ترسيم نظام الحكم السياسي دون أن يدرون .

إذن نحن بحاجة إلي ترسيخ قواعد الدولة المدنية ، ولن تأتي تلك الدولة من فراغ ، ولكن لابد من تقديم

تضحيات لكي تكتب شهادة ميلاد تلك الدولة ، ودوماً قد كتب علي الاقباط وكنيستهم تقديم تضحيات

وتنازلات لنهضة هذا الوطن ، فهذا هو قدرهم ، وتلك هي رسالتهم ، وسوف يُكتب لتلك الدولة النجاح في حال اتخاذ الاقباط

زمام المبادرة وتجرأو في تطبيق قوانين مدنية متبعة في البلدان الغربية والعلمانية ، وتطبيق تلك القوانين

علي أرض الواقع ، لإيجاد حلول عملية تخدم متضرري الاحوال الشخصية دون فرض وصاية من الكنيسة

علي هذا الملف الشائك ، حينها سيتخذ الاقباط دور القائد والقدوة لبقية الأكثرية 

فما سوف يفعله الاقباط سوف تفعله الأكثرية ، وما سوف يرفضه الاقباط سوف ترفضه الأكثرية

فلدي كل الثقة بأن نهضة الاقباط من نهضة مصر ، وفشل الاقباط هو فشل لمصر .

فهل سيفعلها الاقباط ويحققوا تلك المعادلة الصعبة ؟ – حقاً إنه الاختيار الصعب !

شاهد أيضاً

رحمة سعيد

كيف نحمي البيئة من التلوث؟

بقلم رحمة  سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم  إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …