جول جمال ضابط سوري كان يدرس في المدرسة البحرية المصرية حين وقع العدوان الثلاثي
على مصر عام 1956 إثر تأميم قناة السويس، فقام بهجوم استشهادي بواسطة زورق طوربيدي مع بعض زملائه
مقابل مدينة «بور سعيد» وأغرق فيه البارجة الفرنسية (جان دارك )
التي كانت تعد فخر البحرية الفرنسية في خمسينيات القرن الماضي وخسارة كبرى للبحرية الفرنسية
وسمعتها بين حلفائها، فتمزق جسده السوري تحت المياه المصرية محطماً البارجة المعتدية
في زمن لم تكن فيه العمليات الاستشهادية عنواناً للنضال
بل إنها أسست لذلك وكانت الأمثولة للمرحلة التي تلتها.
إنه البطل جول جمال، ابن البيئة العربية السورية التي تُعلي شأن الوحدة القومية
والإخاء الانساني والعروبة الحضارية، وجد نفسه كأي شاب عربي تحركه مشاكل أمته
فانتظر اللحظة التي يطأ فيها أرض الكنانة للدفاع عن شرفها واستقلالها وكرامتها
فقد أدرك بحسه القومي العربي أنها تواجه معركة مصيرية وتحتاج إلى كل تأييد عربي أو دولي
لتصمد في وجه قوتين عظميين، هما بريطانيا وفرنسا ومعهما إسرائيل المتربصة
لكسر شوكة الثورة الصاعدة من وادي النيل، ومهدت تضحية جول للوحدة التي أقيمت بين سورية
ومصر عام 1958.
الولادة والنشأة
وُلد جول جمال في أسرة مسيحية في الأول من نيسان عام 1932م في محافظة اللاذقية
وهو من قرية «المشتاية» التابعة لمحافظة حمص، وانتقل هو ووالداه للعيش في مدينة اللاذقية
حيث كان أبوه يوسف الياس جمال طبيباً بيطرياً ومديراً للصحة الحيوانية في اللاذقية
وقد شارك الوالد في المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، فلم يكن غريباً أن يشب ابنه على حب العروبة
والذود بنفسه فداء الوطن.
حصل جول جمال على الشهادة الابتدائية سنة 1943 م والمتوسطة سنة 1950 م من الكلية الأرثوذكسية
في اللاذقية، وكان حصوله على الشهادة الثانوية من الجامعة السورية في «دمشق» سنة 1953 م
ثم التحق بكلية الآداب التي تركها ليدخل الكلية العسكرية في 23 أيلول عام 1953م
وأُرسل ببعثة إلى الكلية الحربية المصرية ضمن مجموعة تضم 10 طلاب سوريين للالتحاق بالكلية البحرية
وهكذا تحقق حلمه بأن يصبح ضابطاً في سلاح البحرية، وتخرج في 1 كانون الأول عام 1955
وكان ترتيبه الأول على دفعته ونقل إلى ملاك البحرية السورية، وكان أبوه يرغب بأن يتابع ابنه
جول تحصيله الجامعي لكن رغبة جول كانت في الانتساب إلى سلاح البحرية
مما اضطر الأب إلى الرضوخ إلى رغبة ابنه بعدما قُبل ابنه في الكلية البحرية.
نال جول في أيار 1956 شهادة البكالوريس في الدراسات البحرية، وكان ترتيبه الأول على الدفعة ليصير
الملازم ثاني جول جمال. لم يرحل جول وبقية أفراد البعثة السورية من مصر
بعد التخرج في تلك الفترة لأن مصر استوردت زوارق طوربيد حديثة، وقد رأت الحكومة السورية
في ذلك الوقت أنه من الافضل أن يتم تدريب ضباطها على تلك الزوارق الحديثة.
وقبل تخرجه كان أرسل جول رسالة إلى أهله يخبرهم فيها أنه سيعود بعد التخرج إلى سورية قائلاً فيها:
«إنشاء الله يابيي بجي لعندكن ومن عيد سوى بعيد الميلاد ورأس السنة، لأني بكون تخرجت»
لكن الأحداث كانت تتعقد خاصةً بعد قرار عبد الناصر في شهر تموز من العام نفسه بتأميم قناة السويس.
دمشق تؤبّن الشهيد
أقامت الكاتدرائية المريمية للروم الأرثوذكس في العاصمة دمشق قداس الجناز للشهيد جول جمال
يوم التاسع من تشرين الثاني 1956، حضره رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء
وأعضاء الحكومة ورئيس الأركان العامة وكبار موظفي الدولة وضباط الجيش
وعدد غفير من المواطنين، إضافة إلى ممثلين للجيش المصري
وكان هذا الاحتفال تظاهرة وطنية قومية لتكريم البطولة وتمجيد الشهادة
وتأكيد الأخوة العربية، مسلمين ومسيحيين, سوريين ومصريين، في النضال المشترك ضد الاستعمار.