خالد منتصر
انتفاضة ضد عدم تعيين ابن الزبال مستشاراً، وتنفيض عند عدم تعيين ابن المسيحى أستاذاً لطب النساء والتوليد!! هذه هى الشيزوفرينيا المصرية وازدواجية أبناء المحروسة، مجتمعنا يتنفس عنصرية، وأحذركم إوعوا تصدقوا الشو الاستعراضى الذى قدم بحرفنة على شاشات الفضائيات، أمس، ضد تصريحات وزير العدل الاستفزازية، إنتم مصدقين نفسكم بجد يا منتفضين؟!!
هل أنتم تحبون الزبالين بجد وبصدق إلى هذه الدرجة؟ وهل تعاملونهم فعلاً باحترام؟ قبيلة المنتفضين، أمس، يغلقون زجاج سياراتهم الفيميه فى وجه الزبال الذى يقف فى الإشارة، أول يوم العيد، ليتسول الفتات، ثم يخرجون علينا منتفخى الأوداج غاضبين صارخين فى وجوهنا: «ازاى ابن الزبال ما يبقاش مستشار؟!»! لو كنتم بتتكلموا بجد صحيح يا أبناء الأرستقراطية، يكفى نظرة واحدة لمناور بيوتكم المليئة بالقمامة، حتى تعرفوا مدى ازدواجيتكم! عمارات سبع نجوم وكلها مكاتب أطباء ومحامين كبار، كل منهم عامل ديكورات فى شقته بملايين ورخام أمام شقته حدوده لغاية أول بسطة السلم التى تهمه وتتبعه شخصياً، لكن مدخل العمارة فى منتهى القذارة!!
نحن مجتمع الشىء ونقيضه، مجتمع تكفى فيه الكلمة لإرضاء الضمير وكأنك فعلت وأنجزت وأنت فى الحقيقة تكلمت فقط وكذبت!! لن نصدق انتفاضتكم ضد الطبقية إلا إذا رأيناكم تنتفضون أيضاً ضد الطائفية، من المؤكد أنكم تعرفون- ومن زمان- أنه ممنوع بقرار عرفى جماعى من كافة أساتذة النساء والولادة فى كلية الطب تعيين أى مسيحى نائباً فى القسم، الحجة العجيبة هى الانتقام من نجيب محفوظ باشا، رائد هذا العلم، ومؤسس القسم، وصاحب الأيادى البيضاء على هذا التخصص، وصاحب السمعة العالمية، والذى حمل الأديب نجيب محفوظ نفس اسمه اعترافاً وعرفاناً بمهارته، المدهش أن هذا العلامة الذى كرمته إنجلترا أرسل الجيل اللاحق من القسم إلى الخارج، للمزيد من اكتساب الخبرات، وكان هؤلاء المبعوثون مسلمين!
وإذا كان هذا الرجل دراكولا أو فرانكشتين أو عنصرياً كما يروجون، فلماذا لم يعين من بعده من المسيحيين؟! أعرف أصدقاء مسيحيين كانوا من النوابغ فى علم النساء والتوليد فى قصر العينى منهم د. شريف باشا، لكن كانت النصيحة السرية لهم: ما تحاولوش.. مافيش أمل.. الباب مسدود مسدود يا ولدى!!
منهم من اختار تخصصاً آخر، ومنهم من سافر إلى الخارج، ومنهم من أصابه اليأس واختار تخصصاً أقل فى المشاكل، تخيلوا حتى حفيد نجيب محفوظ باشا، الذى أسس قسم النساء وحمل العبء على كتفيه، لم يسعده الحظ ويدخل جنة وفردوس قسم النساء كأستاذ فيه، لأنه عيب وحرام أن تنكشف عورات المسلمات على أمثاله! هناك حكايات أخرى يعرفها جيلى من أبناء قصر العينى ليست فى قسم النساء، منها حكاية د. كريم، هذا الرجل الجميل والطبيب الخلوق الذى عملت معه شخصياً كطبيب امتياز فى قسم العيون
هذا الطبيب تم اضطهاده ومحاربته ولم يعين فى القسم إلا بقرار جمهورى، بعد تدخل البابا شنودة شخصياً، وظل بعض الأساتذة يحرمونه من دخول العمليات، حتى بعد الدكتوراه، واضطر إلى أن يختار مجالاً تشخيصياً بعيداً عن الجراحة، وهناك د. ميخائيل، الذى تم تعيينه فى الجلدية، ولكن رئيس القسم آنذاك أقسم
وقال: «على جثتى تعيين هذا الميخائيل»، واضطر هذا المسكين، رغم ذكائه ونبوغه، إلى أن يتخصص فى الباراسيتولوجى، وهو علم الطفيليات الذى درسته أنا وجيلى على يديه، ولكنى كنت ألمح دائماً نظرة انكسار فى عينيه كجرح نازف لا يندمل!
فلنكن صادقين مع أنفسنا، ولنعترف بأننا عنصريون طائفيون وطبقيون أيضاً حتى النخاع، واوعوا تصدقوا اننا اتغيرنا بجد وبقينا فجأة بنحب الزبالين وبنتصور معاهم سلفى، إحنا مازلنا نمثل على أنفسنا أننا متسامحون، اخلعوا القناع وانظروا فى المرآة.