الأحد , ديسمبر 22 2024

الأعداد عند قدماء المصريين .

بقلم: محمد فتحى – مرشد سياحى
بدأت الحضارة المصرية في حوالي الألف الرابع، قبل الميلاد، وبدأ المصريون يستخدمون رموزاً للأعداد بالخط الهيروغليفي في حوالي عام 3400 ق.م.
وتمثِّل هذه الرموز الأعداد 1، 10، 100، 1000، 10000، والمليون، أي استخدموا النظام العشري، الذي سبق بيانه، وسجلوا ذلك على الجدران، والأحجار، ثم بعد ذلك استخدموا الخط الديموطيقي. وقد استمد المصريون رموزهم من بيئتهم، فجعلوا الواحد خطاً قائماً 1، والاثنين خطين (11)، إلى تسعة، وجعلوا العشرة باباً مقنطراً ضيقاً، والمائة جزءاً من سلسلة مقياس النيل، والألف عبارة عن زهرة اللوتس، والعشرة آلاف عبارة عن صورة الإصبع، والمائة ألف عبارة عن صورة الضفدع الصغير، وجعلوا العلامة الدالة على المليون رجلاً رفع يديه يتعجب من هذا الشيء الكثير.
وكانوا يكررون كتابة الرموز، فكانوا يكتبون من اليمين إلى اليسار، أو من اليسار إلى اليمين، أو رأسياً من أعلى إلى أسفل. ويسير ترتيب الأرقام من الأصغر إلى الأكبر، فقد ذُكر في إحدى اللوحات الأثرية 123440 رأساً من الماشية، و 223400 حماراً، و 232413 رأساً من الماعز، و 243688 رأساً من الغنم.
أما النظام الذي استخدموه، فهو نظام التجميع البسيط؛ فيكررون الرموز عدداً من المرات لا يزيد على تسعة، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى الرمز الذي يليه، فإذا أرادوا كتابة الرقم 13546 مثلا؛ً فإنهم يذكرون الرمز الدال على العشرة آلاف، ثم يكررون رمز الألف ثلاث مرات، ثم رمز المئات خمس مرات، ثم رمز العشرات أربع مرات، ثم رمز الواحد ست مرات، وهكذا.
وليس هناك من ريب في أن مقتضيات الحياة في مصر وجهود المصريين في حل المشاكل المتصلة ببيئتهم، وحرصهم الشديد على ذلك، أوجب ضرورة معرفة الحساب من أجل تنظيم مياه النيل، وقياسها، وضبطها، وتحديد مواسم الزراعة والحصاد، وأعمال المقايضة، والتجارة، وجمع الضرائب العينية، وتقدير أبعاد الأراضي الزراعية، ومساحاتها عند بيعها، وتأجيرها، وتقسيمها، حسب توجيهات الدولة، وتنفيذ المشروعات العامة، كتنفيذ عمليات حفر القنوات، وبناء الأهرامات، وما يتطلبه ذلك من تحديد أعداد العمال، وكميات الطعام اللازمة لهم، والوقت الذي سيستغرقه العمل، وما إلى ذلك، كتغيير حدود الأرض الزراعية بعد موسم الفيضان، فمثلاً إذا ما طاف طائف من الفيضان فأزال حدود الحقل، فإنه لا يمكن إعادتها إلى ما كانت عليه على وجه محقق، إلا إذا كان المرء يعرف مقاييسه بدقة. كما استعمل المصريون الحساب في مسائل تتعلق بأحوالهم المعيشية، في بيوتهم، كعمل الجعة (أي البيرة)، أو مشروب الشعير، والخبز، وتكاليف صنع الحلى.
ومن الجدير بالذكر، في هذا الصدد، ما فعله الفرعون أمنمحات الأول (1991 ـ 1962 ق.م)، حين أرسى سياسة جديدة بين أفراد الأقاليم، منعت التنافس بينهم، وذلك عن طريق إقامة حدود ثابتة بين كل إقليم وآخر، كما سن قانوناً نظَّم به نصيب كل إقليم من مياه النيل الخاصة بريِّ الأرض الزراعية، كما عيَّن تبعية كل قناة بمفردها. وجاء في القرار، الذي أعلنه:
“إن جلالته اعتمد ما هو موجود في السجلات القديمة، وما هو مقرر في النصوص القديمة”. وهذا يعني، أنه منذ عهد الدولة القديمة، كانت حدود الأقاليم ثابتة، ومدونة، ويعني بالتالي افتراض وجود سجلات زراعية لأراضي المدن المختلفة، ومناطقها. كما حدد “أمنمحات الأول” كمية المواد الغذائية، التي يتعيَّن على كل إقليم، أن يقدمها، وعدد السفن اللازمة للأسطول، وأعداد أفراد القوات، فقد كان أمراء الأقاليم مكلفين بحشد الجنود الذين يشكلون الجزء الأكبر من القوات المسلحة
وكان يدخل ضمن إطار الواجبات، الملقاة على عاتق المشرفين على الحقول التابعة للمعابد، ومخازن الغلال، متابعة مقاييس، ومساحة الأراضي التابعة للمعابد. ويظهر على الجدران صور لرئيس الكهنة ممسكاً بعصا طويلة في إحدى يديه، وفي الأخرى أداة الكتابة، يشرف على عملية القياس التي يقوم بها اثنان من العمال، معهما شريط قياس، يصل طوله إلى مائة ذراع، مقسَّم إلى أجزاء باستخدام عقد في أجزاء معينة، لابد وأن تكون إدارة معابد آمون قد تأكدت من صحة قياسها، ودقته.
ومن الجدير بالذكر، كذلك، أن الكهنة لجأوا إلى طريقة يسجلون بها كميات السلع التي يتبادلونها؛ فبدأوا باستخدام وحدات مثل: “سلة من الغلال”، أو “جرة من الخمر”، أو “قطعة من قماش”. ثم بعد ذلك، اختاروا الوزن، وكان الميزان على شكل عمود يُحمل على الكتف، ويتدلى ثقل من كلٍ من طرفيه. ولما كان من الضروري تسجيل أعداد الأشياء لتقدير رؤوس الماشية، أو سلال الحبوب، بدأوا بحفر حزَّات على سطح عصا، ثم توصلوا إلى رموز الأعداد، واستخدموا النظام العشري، كما استخدموا العد على الأصابع كذلك، وقد جاء في أحد النصوص، التي عثر عليها في منطقة الأهرامات، أن روح شيطان تحدت فرعونا مصرياً أن يعد أصابعه، ويعرف عددها الصحيح. ثم تطور الأمر إلى استخدام الأحجار في العد، وبعد ذلك، استعاضوا عن الأحجار بالحبات التي تُصَّف كل عشرة منها على سلك، ممثلة بذلك أول آلة حاسبة معداداً، وأخذوا يجرون عمليات الجمع والطرح، ثم توصلوا إلى عمليات الضرب والقسمة، ولكنهم، شأن غيرهم من الشعوب القديمة، جهلوا الصفر.
وكانوا يجرون عمليات الضرب على أساس الجمع.

عرف المصريون، أيضاً، مساحة الدائرة، وبعض الأشكال الهندسية الأخرى، وأحجام المكعب، ومتوازي المستطيلات، والأسطوانة. وهذه أهرامهم، ومبانيهم، الباقية بعد آلاف السنين، تشهد ببراعتهم في الرياضيات، وعرفوا أيضاً نظرية فيثاغورس، المتعلقة بالمثلث قائم الزاوية، والمتواليات العددية، والهندسية ، وعرفوا أيضاً الكسور، واتبعوا في جمع الكسور، وضربها، وقسمتها، الطريقة نفسها، التي اتبعوها مع الأعداد الصحيحة.
وقد عُثر على بردية مهمة، يسميها الباحثون بردية رند الرياضية (أو كراسة أحمس)، وهي ترجع إلى عام 1991 ـ 1786 ق.م، وتتضمن مجموعة من الأمثلة النموذجية لمسائل حسابية، وبها جدول يبين نتائج قسمة العدد 2 على المقامات الفردية من 3 إلى 101 في تفصيلات تشير إلى صحة النتائج، التي توصلوا إليها، مع جداول تتضمن نتائج قسمة الأعداد من 1 إلى 9 على العدد 10 معبراً عنها بالكسر ذي بسط الواحد الصحيح، مستهدفاً من ذلك غرضين، أولهما: حفظ نتائج القسمة في كسور مجردة وثانيهما: تقديم مسائل عملية، تستطيع عقلية التلميذ أن تسايرها بعد تقديم البرهان على صحة النتائج. ومن أمثلة ذلك المسألة الرابعة في بردية رايند:
قسّم سبعة أرغفة على عشرة رجال، بحيث يأخذ كل رجل 2/ 3 و 1/ 30
ومما ينبغي ملاحظته أن المصريين اشتقوا علامات الكسور من أسطورة دينية عندهم، تحكى أن الإله ست، إله الشر، قطع عين الإله حورس، إله المصريين المحبوب (ابن الإله أوزورويس، إله العدل والعالم السفلي، والإلهة إيزيس المشهورة) إلى أجزاء متفرقة، ثم جمعها إله الطب “تحوت”، وأعادها سليمة مرة أخرى، فوجد أن مجموع أجزائها
ثم بحث عن الجزء الباقي، وأضافه. فتعلم المصريون الكسور من ذلك. وكانوا يفضلون أن يكون البسط هو رقم 1 في معظم الأحوال،

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …