الإثنين , ديسمبر 23 2024
نجاح بولس

مئوية مذابح الأرمن .. مشاركات إنسانية ومكاسب سياسية.

بقلم الباحث .. نجاح بولس .
في تمام الساعة 19:15 بتوقيت يريفان – أرمنيا مساء يوم الخميس 23 إبريل الجاري ستقرع أجراس جميع الكنائس الأرمنية فى كل انحاء العالم 100 دقة معلنة مرور مائة عام على أحداث الإبادة الجماعية التى ارتكبها الأتراك العثمانيون بحق الأرمن خلال وبعد الحرب العالمية الأولى ، تلك المذابح التى وصفها المؤرخين بأكبر عمليات إبادة جماعية حدثت فى العصر الحديث أودت بحياة مليون ونصف المليون أرمنى بما يزيد نسبتهم على نصف الأرمن انذاك ، بالإضافة الى عمليات التهجير القسرى للباقين على قيد الحياة فلجأوا إلى دول مجاورة مثل سوريا ، لبنان ، مصر ، والعراق ، ولازالوا يحيون ذكرى تلك المذابح في كل دول الشتات يوم 24 ابريل من كل عام . وتأتي الذكري المئوية هذا العام وسط إعتراف دولي كبير نسبياً بعد اعترف ما يزيد على عشرون دولة حول العالم بهذه المجازر أهمها فرنسا ، روسيا ، ايطاليا ، الفاتيكان ، ورغم عدم اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً باعتبار مذابح الأرمن ضمن أحداث الإبادة الجماعية إلا أن هناك 42 ولاية أمريكية اعترفت بذلك ، بالإضافة إلى إعتراف عدد من المنظمات الدولية على رأسها منظمة الأمم المتحدة ، والبرلمان الأوروبي ، ومجلس الكنائس العالمي ، ومنظمة حقوق الإنسان ، الا أن الدولة التركية تصر على عدم الإعتذارعما ارتكبه أجدادهم بحق الأرمن بل أصدرت الحكومة التركية عام 2005 قانون يجرم الإعتراف بهذه المذابح في تركيا . وعلى مدار مائة عام مرت لم تعترف أي من الدول العربية أو الإسلامية بهذه المجازر سوى دولة لبنان التي قد يعود موقفها إلى طبيعة التركيبة الديموغرافية للشعب اللبناني المغايرة نسبياً لباقي الشعوب العربية والإسلامية .

ورغم وجود طائفة أرمنية كبيرة نسبياً في مصر إلا أن الحكومات المصرية المتعاقبة طوال السنين الماضية لم تستغل او تلوح بورقة المذابح الأرمنية بل ولم تطرح فكرة الإعتراف بها على المستوى الشعبي أو السياسى من قبل ، إلا أن توتر الأوضاع السياسية بين مصر وحكومة تركيا بقيادة أردوغان بعد ثورة 30 يونيو ، ورغبة القاهرة فى تحجيم الدور التركى إقليمياً لاحتواء الأوضاع في دول عربية مشتعلة دفع الجانب المصري إلى استغلال الذكري المئوية للمذبحة في إحراج انقرة دولياً ، فقد شهدت الساحة السياسية والإعلامية المصرية حملة ممنهجة لدعم مطالب الأرمن دولياً في مواجهة تركيا ، فشنت العديد من الصحف المصرية حملات إعلامية منظمة تروج لمذابح الأرمن عبر سلسلة من الحوارات مع أعضاء الجالية الأرمنية في مصر ونشر أبحاث تاريخية حول الحادثة ، كما نظمت جامعة عين شمس مؤتمراً بعنوان ” مائة عام على مذابح الأتراك للأرمن ” حضره نخبة من المثقفين والمفكرين المصريين والأرمن وسفير الأرمن في القاهرة طالب فيه المشاركون بضرورة اعتراف الحكومة المصرية بمذابح الأتراك بحق الأرمن وطالب بعضهم بضرورة تغيير اسم شارع سليم الأول الكائن بحى الزيتون بالقاهرة ، وعلى المستوى القضائي أقام محامي مصري مقرب من الأجهزة الأمنيه دعوة قضائية تطالب الحكومة المصرية الإعتراف بمذابح الإبادة الجماعية بحق الأرمن .

بالاضافة الى الاستجابة المصرية على المستوى الشعبى والدينى للمشاركة في إحياء الذكرى حيث غادر قداسة البابا تاوضروس الثانى على رأس وفد مصري مكون من 55 شخصية دينية وسياسية واعلامية للمشاركة في الإحتفالات الرسمية بالذكرى المئوية للمذبحة التى ستقام فى العاصمة الأرمنية يريفان خلال الفترة من 20 إلى 26 ابريل الجاري .

ورغم ذلك الحراك المصرى تجاه هذه القضية إلا انه لم يصدر إعتراف رسمي من الحكومة المصرية باعتبار مذابح الأرمن إبادة جماعية رغم أن القرار له أثره الإيجابى على صورة النظام المصري الحالي باعتباره منحاز إلى قضايا حقوق الإنسان ، بخلاف انعكاس ذلك على مزيد من القوة فى علاقة مصر بأرمنيا التي تمتلك لوبي قوى فى الولايات المتحدة الامريكية تستطيع من خلاله التأثير على صانع القرار الامريكى لصالح مصر ، ولكن يبدو ان هذا الحشد المصري موجه بالخصوص لإحراج حكومة تركيا الحالية بقيادة أردوغان دون الدولة التركية فقرار الإعتراف المصرى بالمذابح سيسبب شرخ كبير في علاقات الشعبين المصري والتركي قد لا يتم علاجه حتى بعد رحيل أردوغان عن الحكم .

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …