منذ أن هيمنت السعودية وبعض الدول الخليجية كقطر والإمارات على الجامعة العربية، في غياب الدول العربية الكبرى، التي كانت توجه قرارات الجامعة لما فيه مصلحة الشعوب العربية، كمصر وسوريا، اختلت جميع المعادلات السياسية التي كانت قائمة، فإذ بـ”اسرائيل” تصبح صديقة حميمة للعرب، بينما إيران “عدوة” العرب، وإذ بالصهيونية حركة يمكن التعامل معها بالنظر إلى الجزء المملوء من الإناء الصهيوني!!، بينما الشيعة “الروافض” هم الخطر الحقيقي الذي يهدد كيان العرب، وإذ بـ “القاعدة” و”داعش” و”النصرة” وباقي التنظيمات التكفيرية ليست إلا مجموعات “سنية متطرفة” يمكن احتوائها، بينما “حزب الله” و”الجهاد” و”أنصار الله” ليست سوى مجموعات “إرهابية” لا ينفع معها إلا الحرب والقتال والإبادة.
آخر مآسي العرب في عصر القيادة السعودية لهم، العدوان السافر الذي تشنه السعودية على الشعب اليمني، تمزقهم خفافيش السعودية وتهدم بيوتهم على رؤوسهم، بعملية “عاصفة الحزم”، التي هي في واقع الأمر ليست حزماً بل يأساً.
ويبدو أن قرارًا رسميًا اتُخذ على مستوى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية خلال اجتماعه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، السبت الماضي، حسبما ألمح لهذا ضمنًا السيسي في تصريحات رسمية للتلفزيون المصري، وأكده إعلاميون مقربون من السلطة رسميًا. حيث صرح السيسي بأن: “مصر لن تتخلى أبداً عن أشقائها في الخليج، وسنقوم معهم بحمايتهم والدفاع عنهم إذا تطلب الأمر ذلك”. كما بدأ مقربون من دوائر الحكم في التمهيد لإخبار وسائل الإعلام المصرية بذلك، حيث أكد ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة “أخبار اليوم”، أن السيسي اجتمع بالمجلس العسكري السبت الماضي “لاتخاذ قرار بشأن التدخل البري في اليمن”.
كما صرح مصدر عسكري مصري لموقع «بازفيد» الأمريكي، إن “قوات التحالف العربي التي تشن العلمية العسكرية «عاصفة الحزم» ستدخل قوات برية في الحرب القائمة باليمن، ربما خلال يومين أو ثلاثة”، وذكر الموقع، “إن هناك توافقا بين القاهرة والرياض وإسلام آباد حول إدخال قوات برية في الصراع المندلع في اليمن، مع استمرار المناقشات حول توقيت الدخول”.
واللافت أن النظام المصري الذي آثر “السلام” في التعامل مع أكبر خطرين يتهددان الأمن القومي المصري فعلياً، وهما الخطر الإسرائيلي، ثم الخطر الإثيوبى، نجده يهرول للمشاركة في العدوان السعودي على الشعب اليمني، فى الوقت الذى لم تتحرك فيه السعودية أو أي دولة عربية لمساندة مصر فى ضرب الإرهاب على حدودها الغربية مع ليبيا.
واللافت كذلك، أن كل التبريرات المعلن عنها لدخول مصر في هذه الحرب، مثل حماية مضيق “باب المندب” هي ذرائع واهية، فمن قال أن الحوثيين سيعادون مصر ويغلقون باب المندب ولماذا سيفعلون ذلك؟ هل هم قراصنة مثلا؟! أليسوا يمنيين وعرب أقحاح ومعهم معظم الشعب اليمني؟! هل جاؤوا من المريخ أم من كوكب أخر؟!.. ومن ناحية أخرى فمضيق باب المندب ممر مائي عالمي، يطل عليه عدد من الدول هي اليمن (في قارة آسيا)، وجيبوتي وإريتريا (في قارة أفريقيا)، ومن المعروف أن غالبية هذه الدول تعاني من مشكلات النزاعات المسلحة الداخلية والفقر والبطالة، والتي شكلت سببًا رئيسًا في ظهور مشكلة القرصنة منذ عام 2005، التي هددت حركة السفن في المضيق.
كما أن مضيق باب المندب ينقسم إلى جزأين: الجزء الآسيوي منه التابع لليمن لا تمر منه السفن نظرًا لوجود جزيرة بريم، التي تقع على بعد 3 كيلومترات من الساحل اليمني، وعدم وجود عمق مائي يسمح بعبور السفن، وبالتالي فالممر المائي الحقيقي للمضيق هو الممر الإفريقي المطل على جيبوتي وإريتريا وإثيوبيا.
فالسفن حينما تبدأ اجتياز باب المندب تواجه جزيرة “بريم” اليمنية وهى مفتاح السيطرة الكاملة على المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، فكون جزيرة “بريم” تقع فى مدخل باب المندب يؤدى ذلك إلى وجود ممرين ملاحيين: الأول على يمينها أي بمحاذاة الساحل اليمني مباشرة، ورغم أن عرض هذا الممر هو 38 كيلومتر إلا أنه تقريبا غير صالح للملاحة خاصة بالنسبة للسفن والناقلات الكبيرة لأن عمقه فقط 8 متر، وبذلك فعلى السفن القادمة من الخليج أو المحيط الهندي أن تدخل مضيق باب المندب من على يسار جزيرة بريم أى الممر الأفريقي، وبالتالي فالممر المائي الحقيقي للمضيق هو الممر الإفريقي المطل على جيبوتي وإريتريا، والخاضع بالفعل لتأمين وسيطرة قوات بحرية أمريكية فرنسية بريطانية مشتركة، فحتى لو أغلقت اليمن الجزء الآسيوي من المضيق فلن يؤثر بأي شكل على حركة الملاحة به، وبالتالي لن يؤثر على حركة مرور السفن في قناة السويس، ولا على تدفق النفط إلى الدول الغربية.
وبعد عبور السفن مضيق باب المندب، تبدأ بالتدريج تسير فى محاذاة الساحل اليمنى لتفادى جزر حنيش الصغرى والكبرى، لذا تتسم الملاحة فى منطقة مضيق باب المندب بالبطء اللازم لتفادي مخاطر الإصطدام بالأرصفة المرجانية ولتفادى تأثير التيارات الهوائية الشديدة التى تؤدى إلى جنوح السفن ثم ارتطامها وبذلك تعتبر منطقة مضيق باب المندب منطقة عالية الخطورة ملاحيا ومنكشفة أمنياً، وذلك لكثافة الجزر التى قدرت بنحو يزيد عن جزيرتين في كل كيلومتر مربع من مياه البحر الأحمر، ووجه الانكشاف الأمني يتمثل في أن هذه الجزر شبه الخالية من السكان لوعورتها الشديدة ومناخها الردئ وعدم وجود مياه صالحة للشرب عليها، قد أصبحت مرتعاً لتجار السلاح والخارجين عن القانون، ولكن لا يقتصر الانكشاف الأمني لمنطقة مضيق باب المندب على تواجد الجزر فقط على صعوبة الملاحة، ولكن من الناحية العسكرية تعتبر مياه منطقة مضيق باب المندب مسرحاً مثالياً لاستخدام الزوارق المطاطية الخفيفة التى تمتلك قدرات عالية على المناورة بين الممرات التى تعترضها الشعاب المرجانية، وذلك لأن غاطس هذه الزوارق محدود جدا مما يقلل من فرص الارتطام، وحتى فى حالة الارتطام فالمطاط القوى يمنع حدوث خسائر تذكر.
بشكل عام مياه مضيق باب المندب كمسرح عمليات يصعب السيطرة عليها بقوات التدخل السريع، كما أنها نتيجة لكثافة الأرصفة المرجانية فى جنوب البحر الأحمر تعتبر المضمار الأمثل للقطع البحرية الصغيرة كزوارق الطوربيد ولنشات الصواريخ والمدفعية إضافة إلى إمكانية إصابة أى هدف كبير من على الساحل أو من على الجزر بواسطة منصة إطلاق صاروخي، ولكن يد التهديد يمكن أن تمتد إلى أبعد وأعمق من ذلك بتلغيم الشعاب المرجانية ذاتها، وقد حدثت وقائع سابقة أبرزت أن نزع هذه الألغام عملية بالغة التكلفة والصعوبة لأنها تحتاج إلى طاقم من الغواصين عالي التدريب ومجهز تجهيزاً تقنياً عالمياً، وبذلك فمياه مضيق باب المندب ليست مسرحا ملائماً لعمليات بحرية واسعة النطاق للجيش المصري، ولكنه منطقة خطرة للغاية يمكن أن تحدث فيها مفاجآت، كالتعرض للسفن بواسطة لنشات الصواريخ مع بث الألغام والقيام بعمليات ضد الموانئ وتزداد هذه الخطورة وتتفاقم حينما تبطء الملاحة عند مضيق باب المندب.
ولذلك فاستراتيجية العمل الإرهابي الذي كانت تقوم به “القاعدة” جنوب مضيق باب المندب، أي فى منطقة خليج عدن بنيت على أن السفن الكبرى سواء كانت حربية أو ناقلات بترول سوف تحتاج إلى التموين بالوقود لتواصل رحلتها إلى أوروبا عبر قناة السويس. ولما كانت الموانئ التى تقع على المسار الطبيعى لهذه السفن هى موانئ خليج عدن التى تتسم بالاتساع والعمق وانخفاض تكلفة التموين إذن فالتوقيت المناسب والمكان المناسب هو توجيه الضربة إلى السفينة العملاقة لحظة دخولها الميناء للتموين، وتوجيه الضربة يكون بسلاح بدائي لا تستطيع سفن أعالي البحار رصده، فالمدمرة الأمريكية “كول” التى أصيبت فى خليج عدن هي من سفن أعالي البحار المزودة بصواريخ مضادة للطائرات والسفن والغواصات إضافة إلى المدافع، لكن الضربة التى تلقتها المدمرة كانت من سلاح بدائى للغاية، المدمرة غير مجهزة للتعامل معه، وبالتالي فلم ترصد أجهزة الرصد فى هذه السفن المتقدمة تكنولوجيا هذا السلاح البدائي الذي كان عبارة عن قارب صغير مفخخ بمواد شديدة الانفجار ارتطم بجسم المدمرة فى أضعف منطقة فوق غرفة الآلات فأحدث فتحة كبيرة فى جسم المدمرة مما أدى إلى وفاة 17 بحارا أمريكيا وإصابة 38 آخرين، ونفس هذا الأسلوب البدائي في الهجوم استخدم عند لحظة اقتراب ناقلة النفط الفرنسية “ليمبورج” من الميناء للتموين إذ اصطدم بها قارب مفخخ بمواد شديدة الانفجار مما أدى إلى انسياب 90 ألف برميل بترول فى مياه خليج عدن.
وعليه فإن الحرب الدائرة في اليمن والتي تذرعت مصر باشتراكها فيها، بدعوى حماية مضيق باب المندب، المحمي بالفعل من قبل القوات الدولية، هي ذريعة واهية، لأن مضيق باب المندب محاط بعدد من القواعد العسكرية الأجنبية، على رأسها القاعدة الأمريكية المعروفة باسم “كامب ليمونييه” في جيبوتي، والتي أنشأت عام 2001، والقاعدة الفرنسية بجيبوتي أيضًا وهي الأكبر لفرنسا في القارة الإفريقية وبها حوالي 1500 جندي فرنسي.
أما من يروجون بأن مصر تخوض هذه الحرب لاستعادة دورها الإقليمي، فهذا أيضاً مردود عليه بأن استعادة مصر لدورها الإقليمي لا يجب أن يكون من خلال دخولها في حرب ضد من لم يرفع السلاح ضدها، بل من خلال تقديم مساعدات للدفع بالأحداث في اليمن إلى طريق الحل السياسي والمساهمة في خلق نظام حر يحفظ لليمن سيادتها واستقلالها. وليس بفرض عبد ربه منصور هادي الهارب من الأسر والساعي لهجوم يشن على بلاده بطلب المساعدة من الجامعة العربية ثم مجلس الأمن. بعد أن رجع هادي إلى مجلس التعاون الخليجي بصفته تحالفا لمملكات الخليج العربي حيث وجد آذانا صاغية.
ولا يجب أن تستجيب مصر للضغوط والإحراجات السعودية بأكثر مما يحتمله الأمن القومى المصري، فالملايين من الدولارات لا تساوي قطرة دم واحدة تسيل من جندي مصري بحجة النهوض باقتصاد مصر، لأن الوطنيين والشرفاء لايقبلون ولا يرضون مقايضة دماء أبنائهم بثمن بخس، فجيش مصر أعد للدفاع عن الأمة في حريتها واستقلالها وأمنها، ولم يكن جش مرتزقة يباع ويشترى للدفاع عن كراسي الطغاة الذين أذاقوا شعوبهم وأمتهم الذل والهوان. وعلى المصريين ألا ينسوا أن من قتل أبنائهم في حرب اليمن الأولى هو النظام السعودي.
وقد وصف المؤرخ البريطاني آرنولد توينبي ولادة دولة “إسرائيل” بأنه “ضدّ التاريخ وضدّ الجغرافيا وضدّ المنطق، وستزول إنْ عاجلاً أو آجلاً”، وهذه بالضبط طبيعة العلاقة والتحالف المصري السعودي، لأنه تحالفاً ضدّ التاريخ وضدّ الجغرافيا وضدّ المنطق، فهو يبدو متناغماً ظاهرياً لكنه لا يمكن أن يكون طبيعياً على الإطلاق، فالسعودية تاريخياً تضمر العداء للقومية العربية وللكتلة العربية المهمة الرئيسية الفاعلة بين بغداد ودمشق والقاهرة التي تشكل محرك الشرق العربي، والسعودية هي التي دعمت كل العصابات والإرهابيين والمرتزقة من كل أصقاع وبقاع الدنيا، ووفرت لهم كل مقومات القوة من مال وسلاح ورجال وتدريب وإيواء وإقامة ودعم لوجستي وسياسي وإعلامي من أجل قلب الحكم الشرعي في سوريا وتدميرها وتفتيت جغرافيتها، والعمل على تحويلها إلى دولة فاشلة، في تعدٍّ صارخ ووقح على سيادة دولة مستقلة وعضو في هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، تلك الجامعة التي صادقت على العدوان واستباحة أرض اليمن، تحت يافطة وذريعة معاهدة الدفاع العربي المشترك، هذه المعاهدة التي طال انتظار الفلسطينيين لها لأكثر من ستة وستين عاماً، لكي تتصدى للاعتداءات الإسرائيلية الوحشية عليهم، وتمكنهم من استعادة أرضهم، ولكن صراخ أطفال ونساء فلسطين لم تصل إلى مسامع الحكام العرب، بينما وصلت إلى مسامعهم استغاثة عبد ربه منصور هادي.
الوسومرباب يحيي
شاهد أيضاً
كيف نحمي البيئة من التلوث؟
بقلم رحمة سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …