بقلم : ماجدة سيدهم
” ليس ثمة طرق نبيلة نتبعها دونما التخلي عن الثمين “
في المفترق وبينما نعتاد الطريق ونفهم إلى أين تنزلق الروافد – يزداد الانهماك في التفاصيل البسيطة كيلا نعر بالا لصوت الحنين بداخلنا –يظل صوت الروح الناهض فينا كجنين ضوء يحبو قليلا ويقترب حثيثا حتى يجد المتكأ الثري للقلب المليء بالانشغالات والأولويات، هي لحظة المقارعة مع النفس حين تتصارع المواجهة مع الاعتياد والرتابة وقتا طويلا وحتى مطلع القرار ، هنا تحدث الضجة غير المعتادة والتي تصنع انقلابا صادما للمجريات كلها – ونبدأ في انتهار الصوت الملاحق ثم الهرب ثم الذهاب إلى ترميم المزاج وتعديل المتغيرات الحياتية بالحيل الممكنة لكن في الأغلب لا تفلح المحاولات اللطيفة للمهادنة ولا شتى الطرق المرحة لخمد الصوت أو الانهماك في مجهود أقصى للانصراف عن تلك الملاحقة- لنجد أنفسنا نقاوم حشدا من التساؤلات ما لا نقو عليه دفعة واحدة ، هكذا نظل أياما كثيرة نفتش عمن ينصت معنا لذات الصوت الملح ” اتبعني ” والذي يسقط برقا قويا يشطر الداخل فتافيت – قد يكون هو السقوط المفاجئ الأول وقد يكون معاودة لتكرار كل حين – بينما أنت مثل كل الأيام تتقن اتساق مضيك وترتيب حياتك وفق نمطيتها المقبولة كل هذا وقبل لحظة المفترق ، ما عساك الآن أن تفعل وقد هوت على رأسك تفاصيل الاستفهامات وكيف تأخذ القرار، تمتلئ بالضيق لأن التعرج بين الفرقتين موجع ، السير في الطريقين يجعل مضجعك متفسخا ولا مناص من سكنى الألم لعظامك وتحيلها لكومة متكسرة ،وحين يهزمك الهرب تجد نفسك منحصرا بين قوالب الرتابة والقلق وبين القوة الكامنة بداخلك تحفزك على فعل المبادرة .. الثقة محك القرار .. لامفر ….اخلع عن روحك كل الثقل وانفرد بذاتك ، كن أنت وأنت فقط ، أطرح اسئلتك كما يحلو لك .. الحياة ستتغير ..!.. والالتزامات ستتبدل وقد ترتبك كثيرا ..!..لديك من المقتنيات والأهداف والأعمال المحبوبة مالا تقو على المقايضة به بل ولم يرد ببالك أنها محور التخلي فثمنه عمر من الجهد والمثابرة والنجاح ” بع كل مالك ….” وأيضا قد تملك الأمل لتعيش حلمك الذي لازلت تنفق عمرك لتحققه دونما إحراز هدف ما ” تعبنا الليل كله …” قد ترتبك مالياتك.. وكيف تسير أحوال المسؤولين منك ..وكيف هكذا تتخلى عن طموحاتك بين سخرية الآخرين ودهشة المحبين ..كيف تبدو أمامهم وأنت تتنازل عما تفاخرت به ، إذا لا بأس بعض الوقت لإعادة ترتيب الأمور وتنسيقها بشكل مختلف وتعديل الاولويات بصورة أفضل كيلا يغضب منا أحدهم ” دع الموتى يدفنون موتاهم …” هكذا يضيق الحيز والتنفس أيضا ويكاد نسمع ارتطام الضلوع بل ويعجز بنا الخطو رغم المسيرة بلا رؤية ، تتحول الجدر إلى أسوار من الاختيار ” اتبعني ” يلقيها الصوت عليك كرمل الشطوط وينتظر ، وتري بروحك موائد الجباية المتروكة وامتلاء شباك الصيد المطروحة وثروة وتيجان الهاربين إلى البراري ينشدون الحرية والعطاء بلا حدود ” إن سمعتم صوته لا تقسوا قلوبكم …”- فاليوم مقبول والنهار أفضل جدا الآن ، الق بذاتك في يقين الحب ، الحب يحررك ويصيرك ناصعا كالبرق نقيا كالهطول ويثمرك جدا كالزيتونة ويعلمك فنون الغناء وأسرار التصالح .. الحب يعلمك فنون زراعة الحصاد الذي للشبع ..وكيف تملأ النهر بالسريان المفرح، وكيف تعلق النجوم في ارتفاعاتها دون ان تسقط وكيف تزين الأشجار بالليمون والرمان وكيف تتلو الجمال شعرا والصيحة موسيقا ، وكيف تخبئ في الأصداف صوت الموج الآتي ، وكيف تغزل من اللطف ابتسامات ترقص على وجوه كثيرين وتعبر بالتعابي زحام الطريق وبإتقان تفتش عن المنبوذين وتعلم الفهم للجائعين وتعانق بصدق كل العرايا والخائفين ..الحب يحيلك إلى أنسان حي ، مستيقظ ، كأنك ترى لأول مرة وتسمع كما لم تسمع من قبل وتحس بالبشر فجأة وتصدق لأول مرة انهم بالحق اخوة لك بل وتتذوق طعم الصمت والبوح عن بعد ” العمل كثير والفعلة ….”
في اللحظات الفارقة يتحقق الفوز بمقدار التخلي عن العزيز وربح الحياة الباهرة فالطرق النبيلة لا يمشيها غير الأثرياء بالتجرد وما ندم من سار فيها …” فقط انصت إلى داخلك وفتش عن ذاتك.. ستجدها في عوز الأخرين ..
يظل أصعب قرار في درب المحبة هو التخلي عن الأعز والأثمن والأهم ..