الجمعة , نوفمبر 22 2024
الصليب

عاريان ملء الدم ……..

51_20150403091433

بقلم : ماجدة سيدهم

وهكذا ومثل سائر كل الأيام رشفت فنجانها الأسود والتهمت بتلذذ كتلة البن الداكنة مغموسة بقطعة الشيكولاتة المحلاة بالمرارة ، هكذا كل الوقت تتجرع ما خلفه المغادرون من دخان وغلظة حتى فراغ المكان من نبض موت ، في المساء يكون صوت الفراغ ضاجا بالوحشة بينما يتدلى الضوء شحيحا عن فوانيس مشنوقة على الجدران فتغادر آخرا دونما رفقة – ففي هذا الاتساع المتصدع بالنفايات يكون مغادرة المكان أفضل جدا من احتدام المواجهة ، داخل الحمام الانيق اتقنت أمام المرآة تهذيب فستانها الأسود ، تطبق شفتيها بأسود الروج،

كررت رسم ظل الجفون الداكن ، استدارت واطمأنت على جسدها أكثر نضجا وإثارة .. دست المال الكثير في حقيبة يدها المطرزة بالعوز ثم بصقت على المرأة التي تراها في المرآة الآن – وببضعة نقود مسحت بعشوائية بصاقها ليحدث غيمة دائرية مقززة على بقايا رؤية ثم ألحقتها ببصقة أشد ..ضحكت ودفعت بقدمها الباب خارجا .. أيام كثيرة من المطاردة في ذات الطريق الذي يأويها إلى لذة السخرية من كل العابرين عبر انعكاسات الأرصفة للموتى الأحياء ” أيها الباقون على حافة الموت ما فائدة أقدامكم طالما تقودكم فقط إلى حتف غير مبرر .. مزقوا أوقاتكم المشردة بين التابوت والصلاة .. انزعوا عن هويتكم كل الأرقام التي تنعتكم بالصفر .. اقتفوا أثار البراءة الأولى و التقطوا ذواتكم فبل ابتلاع العليق لفشل كل محاولة ” ،

هو هو الطريق الذي يقودها أيضا الى ذات المتجر القديم والممتلئ بالنادر من المقتنيات العتيقة ، يستهويها شراء الأقدم والمغبر لكنها لا تقتني مكسورا أو مرمما – يعرض البائع ما ورد اليه من قطع أثمن بينما تتطلع في كل مرة على ذات القطعة الخشبية المستندة طولا بالجدار وتضحك ” أ مازال هذا العاري معلقا دونما أن يبتاعه تعس مثله أيضا .”

وبالمزيد من السخرية تبادر البائع ” اليوم سأفعل معك معروفا – سأخلصك أنا من هذا الممشوق في الغبار ، لا بأس .. يروق لي هذا المساء لفعل مغامرة مختلفة فمن الجيد ان تخترع له ماضي تشوهه كما يجب أن يكون المقت – وتستحدث له تفاصيل من حاضر لم يعشه ” ، هكذا القت حقيبتها وحذائها وعلى حافة السرير جلست .. ثم جابت أرجاء الحجرة في نظرة واحدة حيث استقر نظرها على ذاك التمثال الذي احضرته وقفت قبالته ، كان أكثر طولا من قامتها وراحت ترفع عنه الغبار ” رفع الغبار عن الأشياء يقودك لاكتشاف الحقيقة لأول مرة حيث وراء تلك الكتل تطل دوما المفاجأة غير المتوقعة ”

ولما فرغت من تلميعه–ابتعدت قليلا ” رائع جدا ..مجرد خشب أصم ، في كل حال لي الحق إذا أن أبوح دونما توبيخ ..يروق لي عريك هذا .. ومعي ستكون الليلة هذه مختلفة .. ” دنت قليلا وراحت ببطء تحسس تفاصيل الوجه.. ” وأما أنا سأطلعك على اسرار خبيثة لا تعرفها غير النساء الشريرات.. هيا أخبرني من أنت ..وما سرك وسر عريك الفارع هذا .. أيها الماكر أجبني لماذا وافقت على مرافقتي إلى هنا وأنت المعلق مزبولا في الحوانيت المبللة بالحطام و بالوخز كلل عقلك بالهزائم .. أعلم أن جسدي المتسق بالخرافة سيحرك كل عنفوان جسدك الخشبي ” ، هكذا بدت عارية تماما ” هلم أيها الأحمق راقصني فليس ثمة صعوبة وزراعاك ممدودتان ملء اتساع الرقصة .. أما أنا .. أنا أنثى ، لا أعرفها لكني اتذكرها في مطلع كل عتمة مبهرة ، مهمة نوعا ما لكثيرين .. مثلك مثلا .. هل أهمك يا خشبي ..! قل أنني أهمك .. أروق لك .. أخرس.. أحمق ..أصم .. ميت ..لكن لا بأس لن اتركك أن لم تعانقني.. سأواصل الرقص معك حتى مطلع النطق ..سأجعلك تصرخ بالحرارة ثم أهشمك ..تحرك يا معتم ..نحتاج كثيرا لأفعال سخيفة .كهذه ..أيها الماكر و الممتلئ بالأسرار أشعر بحرارة ما تدب في جسدك الخشبي –ياللروعة ، هلم عانقني فقد مر الوقت ولازلت أقارعك ميتا .. ملعون .. ملعون أنت أيها الممدد على العود الرديء، كم مللت خرسك

” ولما احتدم الغضب بها اطاحت به ثم اسندته على الحائط وراحت بسوط حاد تبرحه ضربا مهينا ممزوجا بصرخات ماجنة بينما تفصد الدم منفجرا ملء جسده وتغطى عريها كله وصارا معا ملء الدم ، تغير الكل كله وتبدل العالم كله والتفاصيل كلها والصراخ والصمت كله انقلبا وبدا العمر كله لحظة تشكلت لتوها الآن ، حينها سمعت الرؤية ورأت الصوت وتكسرت كل قيود أوجعتها وكل آمال خذلتها وكل ارتياب أرهقها ..ماتت مادلين ومرت الأعوام كثيرة وما خبا وميض سراجها بمرتفع دربها حيث تجول بين النجوع والأزقة و على أرصفة التعابى تفتش عن الشريدات والمنبوذات، تحتضن الخائفات والمنتهكات -تطلعهن دربا جديدا وتصنع من حقيقة الدم مصالحات مفرحةوتؤكد أنهن المحبوبات جدا وذات القيمة الثمينة لذا اختارهن بعينهن ليفجر ينابيع عذبة في اليابسة ويحول القفار الموحشة إلى نضارة مذهلة..

تقول مادلين في كتابها لحظات في الطريق .. فارقة “وصار الخبز المرشوش بالدم سرا معروفا في الطرق المغلفة بالافتقاد .. سرا يشبه المستحيل والممكن معا، سرا منكها بلذة الحب الغافر ..نتناوله فيما بيننا كلاما سعيدا وهطولا مفاجئا بفيض التغيير.. هل اختبرتم من قبل مذاق الحب المغير وتفاصيل مضغه وابتلاعه رطبا ليصير التهابا مبهجا في الأحشاء ..؟” ..كلما التقيت بها تضحك مفتخرة ” أنا امرأة محلاة بالدم “..

مادلين ..قد تكون حقيقة أو محض حكاية ..لكن اليقن الراسخ الذي لا يقبل تشكيك لرؤيتها ويقينها هو فعل الدم ..

شكرا لدمك أيها المصلوب الغالي ، شكرا للحب المعلق بالارتفاع وعلى امتداد ذراع الخليقة يتسع ، شكرا لحب أهلك اليأس وأسدل الخجل وبدد الحلكة ، شكرا لأنك أنت هو هو وأني أنا هي التي بعينها ، شكرا لأنك أنت أنت الظامئ عند جفاف البئر حيث لا يخذل منتظروك ..

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

قومى استنيرى

كمال زاخر رغم الصورة الشوهاء التى نراها فى دوائر الحياة الروحية، والمادية ايضاً، بين صفوفنا، …