الأحد , ديسمبر 22 2024
منير بشاى

تفعيل الدور النيابى لمزدوجى الجنسية

اعود للكتابة فى الموضوع الذى بدأته فى مقال سابق بعنوان “التمثيل النيابى للمصريين فى الخارج: المشاكل والحلول”. وبداية يتحتم ابراز ان أساس المشكلة التى نحن بصددها وجود تناقض بين بعض مواد الدستور الجديد والقوانين المعمول بها. فالمادة 88 من الدستور تنص بان “تلتزم الدولة برعاية مصالح المصريين المقيمين بالخارج، وحمايتهم وكفالة حقوقهم وحرياتهم، وتمكينهم من اداء واجباتهم العامة نحو الدولة والمجتمع واسهامهم فى تنمية الوطن”.

وهذا يتناقض مع قانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014 الصادر فى 5 يونية 2014، والذى يشترط ان يكون المرشح لعضوية مجلس النواب حاصلا على الجنسية المصرية منفردة، وجعل اقامته العادية خارج مصر بصفة دائمة بان حصل على اذن بالاقامة الدائمة فى دولة اجنبية او اقام بالخارج مدة لا تقل عن عشرة سنوات. هذه الشروط التى حددها القانون المشار اليه تكاد تجعل من المستحيل اعطاء حقوق التمثيل النيابى للمصريين فى الخارج طبقا لنص الدستور.

فمن الصعوبة بمكان ان تجد فى بلاد المهجر من تنطبق عليه الشروط التى يتطلبها القانون. وان وجدت تكون لحالات نادرة لمصريين لهم اسبابهم الخاصة التى تمنعهم من السعى للحصول على جنسيات الاوطان الجديدة، وبالتالى هم لا يمثلون القطاع العريض من المهاجرين.

ولذلك قام المحامى عصام الاسلامبولى برفع دعوى امام المحكمة الدستورية العليا للمطالبة بعدم دستورية حرمان مزدوجى الجنسية من الترشح لمجلس النواب بناء على القانون سالف الذكر. وقبلت المحكمة مبدأ حق التمثيل النيابى لمزدوجى الجنسية ولكنها رفضت مبدأ انشاء دوائر انتخابية خاصة بالمصريين فى الخارج فى بلاد العالم.

وكان ذلك على اساس ان المصريين فى الخارج لا يحتاجون لهذه الألية ليتمكنوا من النفاذ الى المجلس حيث انه لا يوجد ما يمنعهم من الترشح فى المقاعد الفردية داخل مصر.

بناء على هذا الحكم سيتم تغيرر القانون ليعطى مرشحى المصريين فى الخارج حق الترشح داخل مصر فى الدوائر الانتخابية الفردية وكذلك الانضمام الى القوائم المطلقة. ولكن من الناحية العملية فان فرصة مرشحي المصريين فى الخارج للفوز بالمقاعد الفردية فى غاية الصعوبة لأن المهاجر سينافس على مقعد خارج منطقة تواجده وضد مرشحين محليين ينتمون للمنطقة ومعروفين للناخبين فيها. ويتبقى امام المصريين فى الخارج امكانية الترشح على القوائم المطلقة التى حددها القانون ب 8 مقاعد على الاقل مقسمة على اربعة قوائم، وايضا التعيينات التى تاتى من الرئاسة.

لا شك ان هذا الوضع لا يصنع من مرشحى المصريين فى الخارج نوابا بالمعنى التقليدى. وهذا لاسباب لا صلة لها بما يثار من اشكالية الولاء او تعارض المصالح. فهذه امور يمكن ان يعالجها القانون عن طريق عملية الاقرارات والطعون والفحوص بحيث يستبعد كل من تحوم حوله الشبهات.

وهذا يجب ان يطبق على كل من يتقدم بطلب للترشيح للمجلس سواء من الذين يعيشون خارج مصر او داخلها. فمعايير الامانة والخيانة ليست قاصرة على منطقة جغرافية دون غيرها.

بات واضحا ان دور نواب المصريين فى الخارج سيتعدى الدور التقليدى لنائب الخدمات فى حدود دائرته الانتخابية. وهذا يتمشى مع المفهوم العام لدور مجلس النواب الذى يعنى بالقضايا التى تؤثر على الوطن كله والمواطنين جميعهم.

فحتى إن كان مصريو الخارج تنقصهم الخبرة بمشاكل دائرة انتخابية بالذات، ولكن لاشك انهم على دراية واسعة بالقضايا العامة التى تهم المجتمع المصرى كله، وهو دور له اهميته فى برلمان مصر القادم. ولا شك ان وجود مصريو الخارج فى مجلس النواب ضرورى ليكونوا حلقة الربط بين مصر والعالم الخارجى.

على ان هناك اشكالية العبء المالى الذى سيواجه المصرى فى الخارج عند ترشحه لمجلس النواب. فليس كل واحد قادرا على ترك وظيفته التى قد تدر عليه اضعاف مرتبه بمجلس النواب وهو يحتاج لهذا الدخل لتسديد التزاماته المالية. وهذه الاشكالية يمكن حلها اذا كان لدى المرشح الامكانيات المالية الخاصة التى تعوضه عن هذا العجز المحتمل فى الدخل.

المهم هو ايجاد آلية تتيح لهذا الفصيل ان يشارك فى حل مشاكل بلده. هذا خاصة بعد ان اصبح للمصريين فى الخارج دورا هاما فى عرض وجهة النظر المصرية على العالم والضغط على حكوماتها لتبنى سياسات تساعد على بناء مصر وليس عرقلة مسيرتها.

كما ان مصر لا يجب ان تتنكر لهذا الفصيل الذى كان له دورا اقتصاديا كبيرا فى خدمة بلده حيث استمرت تحويلاتهم للعملة الصعبة تتدفق على مصر عندما كانت مصر فى اشد الحاجة لها.

ولذلك اتمنى ان تبتكر الدولة وسيلة للاستفادة من المصريين فى الخارج واشراكهم فى برلمانها. واقتراحى يتحقق عن طريق العدد الذى سيعينه رئيس الجمهورية من المصريين بالخارج ومن سيدخلون المجلس عن طريق القوائم من المنتمين للمصريين فى الخارج.

هذه المجموعة يمكن تسميتها “مجموعة نواب المصريين فى الخارج”. وهى تستطيع ان تتابع ما يجرى فى البرلمان والتصويت عن طريق الفيديو كونفرنس، كما اقترح البعض، ويزوروا مصر من وقت لآخر لحضور الجلسات الهامة.

مصر تمر بمرحلة مصيرية وتحتاج لجهود كل ابنائها المخلصين كل فى موقعه بحسب ما اوتى من امكانيات وموارد ومواهب. بهذا تنهض مصر وتعود الى مجدها وعراقتها وتاخذ مكانها ومكانتها اللائقة بها بين دول العالم المتحضر.

ملحوظة: الكاتب ليست له دوافع شخصية من كتابة هذا المقال. وهو لن يسعى للترشيح او التعيين لهذا المنصب.
Mounir.bishay@sbcglobal.net

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …