الإثنين , ديسمبر 23 2024
الكنيسة القبطية
نانا جاورجيوس

شهادة الراهب كريستيان دي شيرجي التي لا يعرفها أحد

بقلم .. نانا جاورجيوس

 الأب كريستيان دي شيرجي «Christian de Chergé»، راهب كاثوليكي فرنسي – جزائري «1931 – 1996»، كان رئيس لجماعة رهبان تيبحيرين بالجزائر بدير سيدة الأطلس «Notre-Dame dé Atlas»، أختطف معه ستة رهان من رفاقه في ليلة 26، 27 مارس 1996 أثناء الحرب الأهلية الجزائرية.

كان سابقاً من قوات حفظ «السلام» الدولية بالجزائر عام 1959 قبل رهبنته.

كان صديقاً لشرطي جزائري يُدعى محمد الذي دفع حياته ثمناً لدفاعه يوماً عن الأب كريستيان أثناء مداهمة عناصر من الجماعات الإسلامية الذين نصبوا لهما كميناً حيث كانا يلتقيان أسبوعياً لمناقشة الأوضاع السياسية والثقافية و الدينية، فشعر كريستيان لحظتها إن حياته قد انتهت خصوصاً أنه كان يرتدي زيِّه العسكري لقوات حفظ السلام، ولكن صديقه محمد تدخل وطالبهم أن يتركوه لأنه رجل مسالم يدعو للسلام

قائلاً لهم: «إنه رجل تقي».

فتركوهما ومضوا ولكن هذا الموقف كلّف محمد حياته وثمناً لشهامته و دفاعه عن رجل أجنبي، حيث وجدوه مقتولاً بالشارع في اليوم التالي، تاركاً ورائه أطفاله العشرة.

أثَّر مقتل صديقه محمد فيه كثيراً بل غيَّر مسار حياته كلياً.

فعندما إنتهت فترة خدمته بالجزائر عائداً لوطنه، قرر أن يكرِّس حياته للسلام والتعايش السلمي لرأب الصدع بين إختلاف الثقافات و الأديان، و الذي تجذّر في الوعي الجمعي للمجتمعات العربية.

فترهبن  الأب كريستيان دي شيرجي بدير «الترابيين Trappists» وحين أصبح كاهناً طلب نقله لوطنه الثاني، الجزائر، كراعي كنيسة يكمل خدمته وطريق المحبة و السلام و ليلبي نداء الرب لخدمة كلمته بالجزائر

وإرتبط و رفاقه الرهبان بسكان منطقته، وسط جيرانه وأصدقائه المسلمين والذين شاركوهم حياتهم اليومية، حيث كان يوفر لهم وظائف وفرص عمل للعاطلين وتقديم المعونات للفقراء والرعاية الطبية وخدمات محو الأمية بالإضافة لتعليمهم اللغة الفرنسية ، وتنظيم المؤتمرات لتعزيز حوارات الأديان بين الإسلام والمسيحية .

حتى أنه دعا سكان منطقته الذين عاش بينهم وأحبهم للبقاء بمجمّع نوتردام الأطلسي Notre-Dame dé Atlas ، والذي هو محل إقامته، ليرسل رسالة للعالم، أن بمقدور الشعوب والأمم أن تتآلف بالحب والسلام تحت مظلة التعايش السلمي برعاية الإله الواحد الذي تعرفه الشعوب جميعاً فلا إختلاف الثقافات ، ولا العِرقيات، ولا اللغات ، ولا الأديان تستطيع أن تقف حائلاً أمام طبيعتنا الإنسانية التي خلقنا وولدنا عليها، وأن هذه الرسالة ستقول للعالم هلموا لتروا كيف تكون الناس على حقيقتها وعلى أرض واقعها اليومي المُعاش فيما بينهم.

شعر  الأب كريستيان دي شيرجي من خلال قصة مقتل صديقه محمد أن حياته في خطر وقت الحرب الأهلية ومع صعود الإسلام السياسي المتطرف عام 1992 ومع هذا لم يغادر البلد ليواصل خدمته الكهنوتية ومسئولياته المجتمعية وطريق السلام الذي اختاره، متوقعاً إغتياله في أي لحظة تحمل إليه غدرها، ولكنها حياة التسليم التي تعلمها من سيده المسيح ، وأختار أن يسلكها بإيمان و بمحبة باذلة،وعطاء غير محدود.

لهذا كان عليه أن يترك رسالته الأخيرة مسبَّقاً « رسالة غفران لقاتليه» مكتوبة للعالم قبل عامين من إغتياله، حيث ختم الرسالة وتركها لوالدته بفرنسا، و بأنه سيكون يوماً ضحية الإرهاب الذي يستهدف الأجانب بالجزائر، ولكنه يذكِّر أهله وكنيسته ومجتمعه أن حياته كانت مُكرَّسة لله في هذا البلد الذي أختاره الله للخدمة فيها، وأن حياته ليست أغلى من حياة من سبقوه، قائلاً:«أوّد حينما يأتي الوقت بأن أتمتّع بمساحة كافية أطلب فيها المغفرة من الله ومن كل البشر.

وأن أسامح كل الذين قاموا بإيذائي.

وحانت اللحظة التي انتظرها طويلاً».

ووسط إغتيالات ودماء تسفك يومية كم من جرائم طواها النسيان وراء ذاكرة شعوب أصبحت كذاكرة السمك

وعدم المبالاة لا لشيء سوى نظرة الإستعداء التي ينظرون بها للأخر،والتي هي السبب المباشر في كيلهم بمكيالين، فالقاتل معروف لديهم أما ضحيته يظل متهماً حتى تثبت ديانته أو جنسيته أو عِرقه، هكذا أصبحنا نقيس مقدار الجريمة وسط عنصرية مقيتة وتعصب بغيض!

فبحسب الرواية التي أشيعت وقتها بالجزائر بأن الجماعة الإسلامية المسلحة GIA التابعة لتنظيم القاعدة، قد قامت بخطفه ومعه ستة رهبان من رفاقه في وقت متأخر من الليل في مارس 1996

وقاموا بإحتجازهم كرهائن قرابة شهرين كما حدث تماماً للأقباط الشهداء بمذبحة ليبيا، ثم قاموا بقطع روؤسهم جميعاً.

ولكن لم تنتهي قصة الأب  الأب كريستيان دي شيرجي عند هذا الحد، بل إمعاناً في قتله مرتين، تم إخفاء معالم الجريمة البشعة وبعد أكثر من 18 سنة مضت على إغتياله والتنكيل بجثمانه هو و رفقائه، بدأت تتجمع خيوط الجريمة وجاءت الرواية الفرنسية مختلفة تماماً عما أشاعته الحكومة الجزائرية في وقتها، وإتضحت التفاصيل وتم فضح المسكوت عنه.

حيث تزايدت الشبهات لجهات التحقيق الفرنسية بوجود أدلة تثبت تورط الجيش الجزائري في الجريمة.

برر أحد الفرنسيين أن تصفيتهم جاء ربما« بطريق الخطأ»، فلم يعثر سوى على رؤوسهم المقطوعة وإختفاء أجسادهم التي مزقتها رصاصات المروحيات العسكرية،و بحسب التقارير المخابراتية الفرنسية، لهذا قاموا بفصل رؤوسهم عن أجسادهم ليصدروا الإسلاميين للمشهد على إعتبار أن قطع الرؤوس ذبحاً تقليدياً يتفق مع فقه الإسلاميين.

هذا الإدعاء ما ادلى به الجنرال الفرنسي المتقاعد والملحق العسكري الفرنسي السابق في السفارة الفرنسية بالجزائر فرانسوا بوشفالتر،في يوليو2009 و بعد صمته 13 سنة، وأن قوات الجيش قتلت الرهبان أثناء مداهماتها لوكر الجماعة الإسلامية المسلحة التي أختطفت الرهبان لمدة شهرين، لهذا فصلوا رؤوسهم و أخفوا أجسادهم.

كما أن ضباط جزائريون منشقون أمدوا الأجهزة الأمنية الفرنسية بما يؤكد شكوكها من إزدواجية زعيم الجماعة المسلحة «جمال زيتوني» و ولائه لأجهزة أمنية جزائرية وتنفيذه عدة عمليات لحسابها أثناء الحرب الأهلية.

بات تقصير الجانب الفرنسي واضحاً وسلبيا،وهو يتلخص في تفادي مزيد من الهجمات السلفية على باريس كما حدث أخيراً في مذبحة صحفيي شارلي إبدو الفرنسيين.

فبعد عشرة سنوات من فتح التحقيقات بفرنسا، تمكن القاضيان اللذان توليا التحقيق من السفر للجزائر ونبش مقابر الجماجم بدير سيدة الأطلس وأخذ عينات منها، ولكن الحكومة الجزائرية منعت السماح للخبراء الفرنسيين من السفر بالعينات لفرنسا في أكتوبر 2014 

وصرح المحامي المدني لعائلات الرهبان باتريك بودوان في مؤتمر صحفي بأن الرواية الجزائرية فقدت مصداقيتها لأن الخبراء الفرنسيين وللوهلة الأولى من رؤيتهم وتحليلهم لعينات الجماجم كشفوا أن الرهبان كانوا أمواتاً قبل قطع رؤوسهم، أي أن سبب الوفاة لم يكن بقطع رؤوسهم لهذا إختفت أجسادهم عن عمدٍ.

كما أن هناك شكوك حول تاريخ مقتلهم ذاته في 21 مايو بحسب ما أعلنت الجماعة الإسلامية تبنيها المسئولية بتنفيذ العملية.

فتحليل العينات أثبت شكوكهم، ولهذه جاء رفض السلطات الجزائرية لسفر العينات لفرنسا كأدلة ضدها قد تورط الجيش والحكومة والمخابرات في الجريمة.

لهذا صرح المحامي المدني في مؤتمرٍ، قائلاً:«إذا واصلتم هذه العراقيل فهذا يعني أن لديكم ما تخفونه ويمكن أن نستنتج أن هذا اعتراف بالمسؤولية من طرفكم ونوع من الإعتراف بأن المخابرات أو الجيش الجزائريين وراء إعدام الرهبان».

أختم مقالي برسالة  الأب كريستيان دي شيرجي  كما كتبها قبل أكثر من عشرين عاماً وقبل عامين من إغتياله لتكون رسالة سلام للعالم و وفاءاً لإنسان قُطعت رأسه وكله إيماناً بما قام به ودفع ثمناً غالياً لينشر السلام والتعايش السلمي

فلم يكن مثالياً وسط توحش العالم حوله، فقط ضحى بحياته حتى الموت لأجل نشر رسالة حب مكلف بها من قِبل الله.

إنها الشهادة الأخيرة التي كتبها بدمائه: {{ إن كان عليّ أن أصبح في يوم من الأيّام – وربُمّا اليوم – ضحيّة للإرهاب الذي يبدو أنه يستهدف كلّ الأجانب الذين يعيشون في الجزائر، فأودُّ أن يتذكّر المُجتمع الذي أعيش فيه وكنيستي وعائلتي أنّ حياتي قد قدمتها لله وللجزائر؛ وأن يُسلِّموا بأن سيد الحياة الوحيد لم يكن غافلاً عن هذا الرحيل الفظيع الذي سينال مني وعن ذاك الرجل الذي سيغتالني.

وأنا على دراية كاملة من بعض التشويهات الزائدة التي تشجعها أيديولوجيات إسلامية معينة والتي تجعل من السهل بالنسبة للبعض لأن يحكموا على هذا الدين على أنه مليء حقد و بغض.

وسوف يبرر مقتلي رأي أولئك الذين حكموا عليّ بأنني ساذج في موقف المحب للمسلمين، أو بأني مثالي.

ولكن ينبغي لمثل هؤلاء الناس أن يعرفوا بأنه صار في مقدوري أخيراً أن أرى أبناء الدين الإسلامي كما يراهم الله، الذي يكمن فرحه السرّي في جمع إنسانيتنا المشتركة بالرغم من اختلافاتنا.

عندما يأتي الوقت أودُّ أن تُتاح لي الفُرصة لكي أطلب الغُفران من الله لي ولأتباعي في البشريّة، ولأن أغفر من كلّ قلبي للشخص الذي سيقتلني.

لم أتمنَّ ميتة كهذه.

فيبدو لي أنّه من الضروري أن اذكر ذلك – فكيف سأفرح إذا جرى إتهام الشعب الجزائريّ الذي أحبُّه بقتلي؟

أشكر الله على هذه الحياة المفقودة التي أبذلها في سبيل الآخرين كما أوصانا يسوع المسيح أن نفعل، وفي شكري هذا، والذي أقدمه لكلّ شيء يحدث في حياتي من الآن فصاعداً، فأنا بالتأكيد… أودُّ أن أشملك هُنا في صلاتي يا صديق لحظاتي الأخيرة لأنّك لا تعلم ماذا تفعل

كما أسلمكم لله الذي أراكم في وجهه. ولعل بعضنا يجد بعضا، يا أيها «اللصوص الطيبين» الفرحين في السماء، إن كان هذا يُسعد الله، الذي هو أبانا السماوي أجمعين}}.

ذكرت قصة إغتياله في سطور قليلة بكتاب « لماذا نغفر ؟» للكاتب يوهان كريستوف آرنولد كرمز للحب المتفاني

والسلام الحقيقي ومغفرة حتى لأعدائنا. كما تمّ إنتاج فيلماً فرنسياً كبيراً في 2010 عن الأب كريستيان دي شيرجي  من إخراج المخرج الفرنسي «زافيه بوفوا Xavier Beauvois» بعنوان «عن الله والبشر- Of Gods and Men».

وأياً كانت رواية الإغتيال وسيناريو البشاعة والتوحش الذي بدا واضحاً بإختفاء جثامين الشهداء والتنكيل والعبث بجسد إنسانيتهم البتولي، فالجريمة واحدة مهما تعددت طرق الإجرام، فأحدهم خطف والثاني نفذ فيهم القتل.

وصدَّقت الحكومة: «أمين.. حرصاً على سلامة الخاطفين لا المختطفين، وتستراً على القاتلين لا شفقة بالمقتولين! » ففي الحرب تُستباح كل شيء وتُشرع الحقارة وتتقاسم الأدوار وتوزع الغنائم فوق مذبح سيل الدماء!

إغتيال  الأب كريستيان دي شيرجي ورفاقه مثال صارخ لفساد الحكومات العرب ذات الفاشية الإسلاموية المصنَّعة في مختبراتهم وتماديهم في جرائمهم اللاأخلاقية ويدهم الممدودة دائماً في أيدي الجماعات الإسلامية المسلحة لأنها حكومات تصنِّع مجرميها بأيدلوجية دينية لتستخدمهم كظهير و كمخرج لها من أزماتها.

فجريمة مقتل  الأب كريستيان دي شيرجي لم تكن ناتجة عن طائفية دينية كما تعلن دائماً وأبداً حكوماتنا العربية الإسلاموية في مثل هذه الجرائم، لأن تجربة كريستيان في دولة عربية و إسلامية كالجزائر دخل بها لعمق إنسانيتنا ليثبت فعلياً إن التعايش الإنساني موجود

ويمكنه حتى أن يبقى تحت وطأة الظروف وأسوء الأحوال السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ولا يمحي إنسانيتنا الإختلاف الثقافي أو العِرقي أو الديني ويستطيع الإنسان أياً كانت إنتماءاته الفكرية والدينية أن يندمج في أي مجتمع جديد ويدمج من حوله فيه ومعه،

لو إنفتح بحب على الشعوب الأخرى.

ولكنها الأيدلوجية الدينية التي تترصد شعوبها منذ البدء لأن من مصلحتها أن يضمحل هذا التعايش السلمي لتبقى هي.

تلك الأيدلوجيات الفاشية المتعصبة التي أعتمدت عليها حكومات العرب منذ أن كانت تسمى غزوات وفتوحات وهي في الحقيقة إحتلالات بإسم الدين لإبادة شعوب قائمة وإقامة شعوب بفكر جمعي يتوافق ومخططاتهم لتشارك الشعوب حكامها في جرائمهم، وهي ذاتها الأيدلوجية السياسية- الدينية، التي إعتمدت عليها الحكومات الفاسدة

و الهشة والفاشلة في إدارة نظامها وسياستها ذات اليد المرتعشة لتستمد من الإرهاب الديني قوة تحميها للهيمنة على شعوبها.

فمن المُحال اليوم بل أصبح حلماً من خيال، فصل الدين عن السياسة، لأنها أيدلوجية عنصرية فاشية واحدة إبتدأت هكذا لمنح الغطاء القدسي والمبرر الظاهري لجرائم الحكام وحاشيتهم والذين أشفقنا عليهم لا على دولة متحضرة كفرنسا.

في مشهد مأساوي متناقض يدعو للسخرية حين هرع بعضهم ليتقدموا الصف الأول بمظاهرة مذبحة شارلي إبدو للتنديد بالإرهاب والتطرف الديني، والإرهاب من صنيعتهم

أخرجوه من عبائتهم و ربوه في مختبراتهم وكله بالشرع وقال الله وقال الرسول! على الجانب الأخر خرجت شعوبهم التي تشربت التطرف الفكري ونظرة الإستعداء العمياء للغرب، خرجوا يصرخون في في الشوارع: اقتلوهم..

أقتلوا الصليبيين عُباد الصليب!، فالشعوب على دين ملكوهم ليورثوهم العنصرية والتعصب مهما حاولت ملوكهم أن تبدو و براءة الأطفال في عينيهم! أنهم ذات الشعوب التي انتجت لنا تنظيم داعش لدولة الإسلام الدموية،

وكل دواعش المجتمعات التي تربت بسياسية القهر والفاشية و ومن داخلها كانت رخوة فتوالد عنها أنظمة جديدة أكثر دموية و أشد فتكاً لتمحو نظيرتها الرخوة!.

شهادة  الأب كريستيان دي شيرجي كُتبت بدمائه وكانت صرخة مكتومة للعالم ليستفيق قبل الخطر الأعمى المحدق بنا، والذي بدأنا نعيش أولى فصول أوجاعه.

لم يطلب الأب كريستيان دي شيرجي في رسالته الإنتقام من قاتليه بل طلب لهم المغفرة لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون

وكشاة في يد جازيه صمت ولم يفتح فاه! الدهشة ليست في أنه صار شهيداً كما خطَّت يداه تفاصيل سيناريو الغدر به، بل الروعة أنه ضرب مثالاً من الجمال و دفع ثمن طريق السلام والتعايش السلمي الذي نادي بهم لآخر نفس له والذي سلكه بكل الحب و الإيمان، فغفر لقاتليه كسيده حين خلَّص العالم بفدائه الأبدي

فإستحق أن يغلب إبليس وأبناء اللعنة بكلمة شهادته ، وفضل الموت كراعي صالح، بدلاً من أن يموت كجهادي مجرم وسافك لدماء بريئة، قاتل يجرف بطريقه عشرات الأبرياء وهو يبخِّر يداه بطقوس دمائهم و قطع رؤوسهم و نحر أعناقهم في سبيل إلهه ! .

لستُ من دُعاة إدارة الخد الأخر أو الصمت بتخاذل، بل فضح ممارساتهم للمكاشفة.

ولكن ستبقى المعادلة الصعبة وفي ظل هذه الحرب الإرهابية المقدسة والتي لن تهدأ فيما بعد، هل نحن مستعدون للموت والرحيل عن هذا العالم لندفع حياتنا ثمناً لمحبة حقيقية وسعي للسلام الذي تفتقده شعوب المنطقة مهما كلفتنا الرسالة؟!

رسالة حب حتى بذل النفس الأخير، نستمدها ونتقوى بها من ينبوع المحبة ورئيس السلام إلهنا و مخلصنا الصالح مُحب كل البشر؟ نعم تقبلنا وعايشنا نظرة الاستعداء ونبرات التهديد و الترهيب وكان تكفيرهم شرف لنا حملناه بفخر ولم تنحني رؤوسنا لهم يوماً، ولم يضعف إيمانناً وسط تسارع وتيرة شحنهم للنفوس، فما أصعب أن تحب قاتلك، وما اسهل ان تكره الأخر وحتى نفسك.

ذلك هو السؤال وتلك هي المعضلة؟

لهذا أوصانا المُخلِّص فادي البشرية، قائلاً:«اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ.. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ».

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …