الاهرام الجديد الكندى
علَّق “تسفي مزئيل” السفير الإسرائيلي السابق في مصر على العمليات الإرهابية الأخيرة التي ضربت مواقع أمنية بسيناء قائلاً: “كيف يُتصور عدم وجود معلومات مسبقة لدى السلطات بشأن العملية وتم مفاجأة قوات الأمن بشكل تام. أين كانت شبكات الاستخبارات التابعة للجيش المصري وأجهزة الأمن التي تم إعادة تنظيمها مؤخرًا؟ كيف مرت هذه الاستعدادات الثقيلة من تحت رادار قوات الأمن شمال سيناء حيث تتمركز نشاطات الإرهاب الإسلامي”؟.
وتابع في ورقة بحثية نشرها مركز القدس للشؤون العامة: “السؤال الثاني أكثر خطورة. اتضح أنَّ الجيش المصري بعد عام ونصف من العمليات المكثفة يتعذر عليه جدا القتال ضد حرب العصابات في أماكن مأهولة. صحيح أن جيوش أكثر تطورا تبدي صعوبة في العمل في هذه الظروف، كالجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان، لكن يدور الحديث هنا عن مصلحة قومية من الدرجة الأولى وهي الدفاع عن الوطن داخل الوطن في منطقة تعرفها جيدا قوات الأمن”.
واعتبر في الدراسة التي تحمل عنوان” يتعذر على مصر قتال الإرهاب الإسلامي” أن عدم تدريب الجيش المصري على حرب العصابات التي تدور بسيناء، سواء في الداخل أو خلال الدورات التي تلقاها ضباطه في أمريكا ومن بينهم الرئيس السيسي نفسه، إضافة إلى تدفق المقاتلين من ليبيا بأسلحة متورطة، وكراهية غالبية بدو سيناء للأنظمة المصرية المتلاحقة، فضلا عن تنكر أمريكا والغرب لنظام السيسي، جعلت من الصعب على الجيش المصري خوض غمار الحرب بسيناء.
وخلص” مزئيل” إلى أنه بدون مساعدات خارجية للجيش المصري فسوف تصبح سيناء ملجأ للمقاتلين العرب أو القادمين من الغرب، لذلك وفي ظل هذه الظروف الصعبة يجب توقع حربا طويلة ودامية ذات تأثير سلبي على كل دول المنطقة.
إلى نص الدراسة..
العملية الإرهابية المعقدة التي نفذها التنظيم الإرهابي الإسلامي “أنصار بيت المقدس” ضد بؤر الشرطة والجيش بالعريش في 29.1 والتي أدت لسقوط عشرات المصابين، تظهر عدد من المشكلات التي يجب ألا تقلق مصر فقط بل أيضًا إسرائيل والغرب بأسره.
في مصر نفسها كانت هناك الكثير من عبارات التضامن مع الجيش الذي يرمز إلى وحدة البلاد أكثر من أي جهة أخرى، والذي يتم تبجيله بصفته المدافع حتى النهاية. من جهة أخرى كانت هناك انتقادات في سائل الإعلام في ظل وجود حرية تفوق ما كان في الماضي. طُرحت أسئلة مشروعة- كيف أن أكبر وأقوى جيش عربي بالشرق الأوسط، لا ينجح في السيطرة على تنظيم إرهابي يعمل داخل أرض تحت السيادة المصرية بعد أن أدخل لسيناء تعزيزات واسعة النطاق، تتضمن مروحيات، وحاملات جنود وغيرها من الأدوات. الانتقادات تتوجه بالطبع للرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو رجل عسكري في الأساس، أطاح بالإخوان المسلمين من الحكم وتعهد بضرب الإرهاب حتى الإبادة.
طبقا لبيان المتحدث العسكري، انفجرت بشكل متزامن عدة سيارات مفخخة في حي السلام بالعريش، بالقرب من نقطة الشرطة، ومقرات أمنية وعدد من المنشآت العسكرية، بالتوازي مع إطلاق قذائف هاون على تلك الأهداف وتبادل لإطلاق النار مع المهاجمين. انفجرت النوافذ الزجاجية لجميع المنازل في الحي وانقطع التيار الكهربي.
دار الحديث عن 30 قتيلاً- عدد غير نهائي- وعشرات المصابين. عرفت قناة الجزيرة أن تحصي أكثر من 41 قتيلاً وحتى وقتنا هذا لم ينشر بيان رسمي مفصل بمدى الهجوم وعدد القتلى. على أي حال كانت هذه العملية الأكبر التي نفذها التنظيم الإسلامي منذ الإطاحة بمرسي من الحكم في يوليو 2013.
قطع الرئيس عبد الفتاح السيسي زيارته لأديس أبابا حيث كان يشارك في القمة السنوية للاتحاد الأفريقي وعاد للقاهرة لإدارة الحدث. قال إن “مصر تواجه أقوى تنظيم سري في القرنين الماضيين” مشيرا بذلك وبقوة إلى تنظيم الإخوان المسلمين الذي تأسس في 1928، أي في القرن الماضي وواصل نشاطه في القرن الـ 21 من خلال “التنظيم السري” الذي أنشأنه حسن البنا مؤسس التنظيم حتى نهاية الثلاثينات بهدف إسقاط نظام الملك فاروق وإقامة حكم إسلامي يؤدي للخلافة.
تنظيم أنصار بيت المقدس
خلال الأشهر الـ 18 الماضية منذ الإطاحة بالإخوان المسلمين من الحكم اتسعت للغاية نشاطات تنظيمات الإرهاب الإسلامي بسيناء والتي اتحدت في غالبتها تحت اسم “أنصار بيت المقدس” الذي اتضح أنه ذو قدرة عملياتية مذهلة. يشار إلى أنه في أكتوبر الماضي نجح التنظيم في قتل 31 جنديًا في هجوم على موقع عسكري، ما أدى إلى فرض حظر تجوال ليلي على شمال سيناء وإقامة منطقة عازلة تمتد لـ 1000 متر على طول قطاع غزة. تم إخلاء المنطقة من سكانها الذين تلقوا تعويضات، لكن ذلك لم يزد حبهم للنظام المصري المكروه على أي حال.
الجيش المصري الذي أدخل تعزيزات قوية لشمال سيناء بموافقة إسرائيل خرج في عملية واسعة النطاق: تم اكتشاف وتدمير 1850 نفقًا، وتصفية واعتقال مئات المخربين وضرب العشرات من بؤرهم. كان من المتخيل خلال الأسابيع الماضية تقلص عمليات التنظيم الذي بايع أبو بكر البغدادي- زعيم الدولة الإسلامية وتغير اسمه لـ” إمارة سيناء” التابعة لـ(الدولة الإسلامية). بهذا الاسم نشر التنظيم تبنيه للعملية الأخيرة بالعريش.
الإرهاب في مصر نفسها
المصريون قلقون بلا شك. العمليات الإرهابية لم تعد تقتصر على سيناء بل وصلت داخل مصر نفسها. فمن وقت لآخر تنفجر أو يتم اكتشاف عبوات ناسفة بالقرب من نقاط الشرطة، والمنشآت العامة، وأعمدة الضغط العالي ومنشآت أخرى، سواء بالقاهرة أو المحافظات المختلفة. الأضرار لا تزال قليلة وبعض المخربين تم اعتقالهم. لكن العمليات تتواصل وعلى مر الوقت يمكن أن تضر بمعنويات السكان وكذلك النمو الاقتصادي. يعود السيسي ويتعهد بأن يحاصر الجيش الإرهاب ويدعو المواطنين للحفاظ على الوحدة والمعنويات المرتفعة وأن يعمل الإعلام بشكل مترو.
كذلك تواصل جماعة الإخوان المسلمين التي ﻻ تبدو مستعدة للإقرار بهزيمتها دعوة مؤيديها للتظاهر. صحيح أنها لا تنجح في حشد الجماهير وتضطر للاكتفاء بشكل عام بتظاهرات قوامها بعضة مئات من الأشخاص فقط، لكن تلك التظاهرات تصبح أكثر عنفا، سواء من جانب المتظاهرين الذين يعبرون عن خيبة أملهم أو قوات الأمن التي تفقد صبرها.
لم تفقد مصر حتى الآن استقرارها النسبي وما زال السيسي يحكم البلاد بشكل جيد ويعمل دون أن يغمض له جفن- وبنجاح غير قليل- لدفع اقتصاد مصر. لكن الأجواء بين الجماهير ثقيلة إزاء الإرهاب المتواصل وعدم نجاح الجيش. مع ذلك، يواصل المصريون بشكل عام الاعتماد على السيسي ذلك لأنه ملاذ مصر الأخير للحفاظ على استقرارها ودفع اقتصادها.
الأسئلة الصعبة
بعد العمليات الإرهابية الكبرى فإن ثمة سؤالين هامين يفرضان أنفسهما. أولا وقبل كل شيء كيف يُتصور عدم وجود معلومات مسبقة لدى السلطات بشأن العملية وتم مفاجأة قوات الأمن بشكل تام. هجوم بهذا المستوى الكبير يتطلب تخطيط وتنظيم يستغرق عدة أسابيع بهدف جمع المواد الناسفة، وإعداد السيارات المفخخة، وتجميع قذائف الهاون والأسلحة الأخرى، وجولات تفقدية على الأرض للتعرف عليها وتحديد طرق العمل ومواقع إطلاق النار. أين كانت شبكات الاستخبارات التابعة للجيش المصري وأجهزة الأمن التي تم إعادة تنظيمها مؤخرا؟ كيف مرت هذه الاستعدادات الثقيلة من تحت رادار قوات الأمن شمال سيناء حيث تتمركز نشاطات الإرهاب الإسلامي؟.
السؤال الثاني أكثر خطورة. اتضح أن الجيش المصري بعد عام ونصف من العمليات المكثفة يتعذر عليه جدا القتال ضد حرب العصابات في أماكن مأهولة. صحيح أن جيوش أكثر تطورا تبدي صعوبة في العمل في هذه الظروف، كالجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان، لكن يدور الحديث هنا عن مصلحة قومية من الدرجة الأولى وهي الدفاع عن الوطن داخل الوطن في منطقة تعرفها جيدا قوات الأمن.
ارتباك الجيش المصري
الإجابات كثيرة. أولا وقبل كل شيء يبدو أن الجيش المصري لم يتم إعداده لمهمات من هذا النوع سواء من قبل قادته أو في سياق المساعدات العسكرية الأمريكية التي تضمنت دراسة ضباط جيش مصريين في الكليات الأمريكية ( هناك أيضًا كان عبد الفتاح السيسي نفسه) ومناورات عسكرية مشتركة على الحروب الكلاسيكية التي لم تعد قائمة في الشرق الأوسط منذ سنوات طوال.
علاوة على ذلك فرغم أن الجيش المصري يعمل داخل أراض مصرية، فإن عليه مواجهة -على الأقل بشكل جزئي- السكان البدو الكارهين، الذين ﻻ يميلون للتعاون مع النظام الذي أهملهم واستحقرهم خلال العقود الماضية. نتيجة السياسات الحكومية الفاشلة مكنت حماس بداية بمساعدة البدو من إقامة شبكات تهريب صواريخ وأسلحة من السودان لغزة عن طريق سيناء وفي المقابل مكنت التنظيمات الإرهابية الإسلامية من إغراء البدو للانضمام لصفوفها وقتال النظام باسم الإسلام، الأمر الذي سهل استقرارها تحديدا في شمال سيناء حتى خلال حكم مبارك.
تم الكشف مؤخرا عن بؤرة إرهابية جديدة- تسرب مخربين جهاديين من ليبيا بهدف دعم مخربي أنصار بيت المقدس، جالبين معهم أسلحة وصواريخ من ترسانة القذافي التي نُهبت. الجيش المصري ومن أجل ذلك يواجه مشكلة معقدة تتطلب تغييرًا في السياسات ومساعدة من الخارج أيضًا.
الغرب يدير ظهره
لبالغ الدهشة، فإن مصر التي تصارع الإسلام الراديكالي، لا تحظى بمساعدة من الغرب. وعلى الأخص الولايات المتحدة التي ترتبط مع مصر باتفاقات للمساعدات الأمنية منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. إدارة أوباما تواصل إبداء تأييدها للإخوان المسلمين وتعتبرهم تيار سياسي أصلي وشرعي في الإسلام. خلال الأسبوع الجاري تجلى هذا التأييد بشكل لاذع يضر بمصر، عندما تم استقبال وفد من الإخوان المسلمين فر أعضاؤه من مصر لحديث بوزارة الخارجية بواشنطن.
أحد أعضاء الوفد تم تصويره بجوار شعار وزارة الخارجية بينما يشير بأصابعه بعلامة رابعة، ونشر الصورة على الشبكات الاجتماعية في تحد واضح للسيسي. صحيح أن واشنطن أرسلت مؤخرا عشرة مروحيات أباتشي، كانت مصر بحاجة إليها في حربها بسيناء ضد المخربين، لكن المساعدات الأمنية التي علقت كعقاب للسيسي لم يتم استئنافها بشكل كامل.
يواصل أوباما تجاهله للسيسي ولا تحظى مصر بمساعدة في المجال القوات الخاصة وخوض حرب عصابات- الأمر الذي كان ليرفع قدرتها القتالية أمام قوات الإرهاب بسيناء. كذلك لم يبذل الاتحاد الأوربي أي جهدا لمساعدة مصر.
الانعكاسات على المنطقة
لذلك نحن بصدد وضع متناقض وخطير- مصر أكبر وأهم دولة عربية التي تصارع تنظيمات الإرهاب الإسلامي، التي تهدد استقرارها، تُركت وحدها ولا تحظى بأي مساعدة من الغرب. وعلى خلفية الصعوبات التي تواجهها مصر في وقف الإرهاب بسيناء دون مساعدة غربية، يجب أن نتوقع حربا طويلة ودامية ذات تأثير سلبي على كل دول المنطقة.
الصراع في مصر، مثل الدولة الإسلامية في سوريا والعراق سوف يشعل العواطف، ويؤدي إلى تسلل جديد للشباب سواء من الدول العربية أو الدول الغربية، ويرفع مستوى خطورة الإرهاب سواء على إسرائيل أو في الدول الأوروبية والولايات المتحدة.