المؤلف.. إيليا عدلى
(6) شروق الأفراح
اشرقت الشمس وغربت اياماً كثيرة والسواقي تدور بنفس السرعة والرتابة، وهكذا الاحداث في الحارة، حتى حان وقت السعادة والفرح..الجميع مدعو في تلك الليلة لحضور حفل زفاف الاستاذ نصار في قاعة نادي المحامين الفسيحة..خلع الميكانيكية والخراطين (عفريتة) العمل المليئة بالشحم مبكراً، وأغلق كل الصنايعية وأصحاب المحلات..تزين الجميع بأجمل ثيابهم واصطحبوا زوجاتهم وأطفالهم الى العرس السعيد..ليلة العمر كانت ليلة طرب ورقص وتسامر وعشاءاً ساخناً لذيذاً..الكل عاش أمسية بهيجة طويلة..وعند منتصف الليل تقدم الجميع لمصافحة العريس وعروسه وأسرتيهما..
آخر المهنئين كان داخلاً على التو من الباب الخارجي للنادي..رجلاً ملتحي فارع الطول ضخم الجثة، تجاعيد جبينه تكسب شكله قوة وقسوة..يرتدي جلباب أبيض ناعم لامع..نزل من سيارة مرسيدس موديل نفس العام، يمسك بيده مسبحة طويلة يدفع بحباتها بسرعة عشوائية، وخلفه رجلان اضخم منه بلحى صغيرة منسقة..انه الحاج (صفوت) بك..خرج من المعتقل منذ أسبوع، وإحتراماً للأصول وعرف الحارة، لم ينس نصار إرسال دعوة له للفرح بغض النظر عن الخلاف بينهما..دخل الحاج صفوت النادي ووصل الى منصة العروسين وصافح العريس، وهنأ العروس دون ان يصافحها، ونظر الى نصار بنظراته الحادة وعقد حاجبيه والابتسامة الفاترة لا تفارق شفتيه وقال بسخرية:
– الجواز يلزمه راحة يا متر، وأنا سمعت انك بترهق نفسك اجتماعات.
يبادله نصار نفس السخرية والابتسامة الفاترة:
– متقلقش علي يا حاج..الاجتماعات بتشد العصب وتجري الدم..والدم مهم!
لم يتوقع الحاج هذا الرد وهذه الجرأة من نصار، مما أثار غضبه الشديد، ولكنه كظم غيظه وتذكر بسرعة الابتسامة المصطنعة التي يتميز بها..رسمها مرة أخرى، وتحول الى أسرة العروسين وصافح الرجال منهم وهنأ النساء، ثم انصرف الى الخارج وفتح أحد الحارسين له باب المرسيدس، وأمره الحاج بالتحرك إلى مكتب الشركة في حارة الطيبين..لم يكترث نصار كثيراً بالموقف الذي حدث بينه وبين صفوت بك حتى لا يعكر صفو عرسه وسعادته، فهو يعلم أن طموحه في تحقيق ذاته من خلال خدمة أهل الحارة سيهيج عليه السخط من البعض..وأفاق من تفكيره على صوت رفيق يهمس في أذنه، مذكراً إياه بموعد زفة نهاية العرس.. ثم أخرج رفيق من جيبه كيس بني صغير بحجم عقلة الأصبع به قطعة أفيون ويمدها ليد نصار قائلاً: – شد حيلك عشان تشرفنا..مش هاتسمع كلامي وتاخدلك حتة من الاختراع ده؟..هيخليك بقوة ستين حصان!
..يرفض نصار ويعيدها ليد رفيق ضاحكاً:
– خد حاجتك دي..يا ابني احنا بتوع الجهود الذاتية..دي خاليهالك.
خرج نصار ومعه عروسه وركبا سياره العرس المزينة بالورود وسط زغاريد من تبقى من حضور على بوابة نادي المحامين، ووسط دموع الفرح من الحاجة ام فريدة والحاجة نفيسة، وتوجهوا الى شقته التي اشتراها باحدى العمارات الجديدة بالحارة..تزينت واجهة العمارة في ذلك اليوم باللمبات الملونة والبالونات ترحيباً بالعروسين السعيدين..وصلا هناك..نزل نصار وفتح باب السيارة لعروسه وسط زغاريد نساء العمارة في البلكونات والعمارات المجاورة..تحركا خطوات للداخل حتى السلم، ثم حمل نصار فريدة بجسدها الصغير بين ذراعيه في حنان متلفحاً بذراعيها الناعمان حول رقبته وعيونهم لا تصمت عن تبادل النظرات العاشقة، وأرواحهم تتعجل درجات السلم لكى تنتهي بهم لداخل عش الزوجية السعيد..فتح نصار باب الجنة وأدخل فريدة..كل ما يرونه حولهم باللون الوردي..نشوة الحب..نشوة التجربة الجديدة عليهم، تواجدهم داخل اربعة حوائط وباب مغلق يصنع لهم خصوصية لم يتذوقوها من قبل..كل ما لديهم من خبرة جنسية هو قراءاتهم في الكتب..فنصار قرأ عدداً كبيراً من الكتب عن الزواج والجنس، ليتمكن من إسعاد زوجته، التي بدورها لا تقل عنه ثقافة او نهماً للقراءة والاضطلاع..لم ينتظرا الوصول الى حجرة النوم حتى يطفئا بعضاً من نار عشقهما بقبلة حارة في الصالة، وحضن طويل دفنا فيه لوعة العزوبية..دخلا غرفة النوم، وشرب كل منهما من عسل الزواج حتى الإرتواء والنوم الطويل حتى وقت الظهيرة.