بقلم: إيليا عدلي
منذ كنت طفلاً وأنا أشاهد السائحين من مختلف دول العالم يزورون مدينتي “الأقصر” ، قبلة السياحة الثقافية في العالم أجمع ، وكنت أرى حرص هؤلاء السائحين على القطعة الأثرية وعدم لمسها والوقوف أمامها بكل وقار ، وكنت أرى الخبراء الأجانب والمصريين في مواقع التنقيب بفرشاتهم يزيلون التراب عن أي موقع محتمل به أثر بكل حرص ، لتفادي ضياع أي ذرة صغيرة من الأثر ، يضيع معها حرف هيروغليفي أو صورة تكشف عن جزء من تاريخنا. وكنت صغيراً أقف مزهواً أمام هؤلاء السائحين مبتسماً فخوراً ، أتلقى ابتساماتهم وكأنها إطراء واجلال لي كحفيد هؤلاء من صنعوا هذه الحضارة الفريدة.
كطفل بريء كنت أتخيل الدولة هي الحارس الأكبر الأمين على كل ذرة تراب من آثارنا ، وكنت أرى في كل المصريين نفس حبي وحرصي للأثار ولتاريخنا..وتمنيت في يوم أكبر واتعلم كل شيء عن اجدادنا الفراعين ومعاني الكتابة الهيروغليفية وكل شيء يخص آثارنا ، وعندما كبرت..بقدر فرحتي بمعرفتي عن التاريخ ، بقدر ما تألمت عن معرفة سرقة تمثال وتهريبه هنا وهناك ، وسماع الأحاديث عن الثراء الفاحش المفاجيء لفلان وفلان من تهريب الآثار..وبقي عزائي في حرصنا الشديد على ما هو بأيدينا.
وعندما سمعت عن تسليم مومياء الملك رمسيس الأول لمصر منذ سنوات ، تألمت عن وجوده اكثر من مائة عام في أمريكا ووجود الكثير جداً من القطع الأثرية خارج مصر ، ولا نعلم كيف تم تهريبه ومتى؟! ولكن بقي عزائي في حرصنا الشديد على ما هو بأيدينا.
تألمت بشدة العام الماضي من سماع خبر اقامة مزاد ( علني ) على بعض القطع الأثرية المصرية في أحد المتاحف الخاصة ببريطانيا ، يتاجرون في اجدادنا ونحن نشاهد بحسرة وحكومتنا الرشيدة معنا ! ولكن بقي عزائي في حرصنا الشديد على ما هو بأيدينا.
استغربت جداً حينما اذيع علينا مقولة لأحد الشخصيات العامة ، يحلل امتلاك الأثر لمن يجده في منزله ، ولكن بقي عزائي في حرصنا الشديد على ما هو بأيدينا.
وحلت الطامة الكبرى التى قد تكون الحجر الذي يرمى في الماء الراكد لتتحرك الدولة بقوة تجاه الحرص على ما هو بأيدينا من أثار..إرثنا عن اجدادنا الذي صنعوه لنا في خمسة آلاف سنة ونحن لا ندرك هيبة ذلك وقيمته..يتم تسريب خبر عن كسر ذقن قناع توت عنخ أمون بالمتحف المصري ، ويسارع الجميع وأولهم الدماطي وزير الأثار بالإنكار ، ثم مع انتشار الخبر يسارع الجميع كالعادة التملص من المسئولية ، ولكن اعترفت لجنة متخصصة من وجود خطأ في ترميم الذقن ولزقها بمادة الايبوكسى ، أدت الى تشويه القناع ، ليبدأ حينها البحث عن “ضحية” تتحمل فساد المنظومة كالعادة..قرر السيد الوزير نقل إلهام عبد الرحمن مديرة الترميم بالمتحف المصري، وذلك علي خلفية ما حدث للذقن الأثرية. هل نقل هذه المسؤلة اصلح الذقن ، وكم من أثر تم تشويهه ولم يحاسب المخطيء؟!..هل تم حساب من طمس الصور الاثرية القبطية بمصر القديمة؟!
وفي مفاجأة درامية يفجر الدكتور نور عبدالصمد، رئيس إدارة التوثيق الأثري بوزارة الآثار، مفاجأة ويشكك في أصلية القناع الذهبي الأثري بالمتحف المصري ، لأن قناه “CNN” اذاعت خبر سرقة القناع الأصلي أثناء ثورة 25 يناير ، وأن القناع الحالى مزيف ومصنوع من الذهب الخالص بواسطة الفنان محمود مبروك رئيس قطاع المتاحف السابق. وطالب عبد الصمد بعمل لجنة من خارج المتحف لفحص آثار توت وخصوصاً القناع..
شفته اللي حصل لدقن جدنا..أحلفك يا حكومة برحمة دقن جدنا لتحرصي حرص شديد على ما هو بأيدينا !
الوسومإيليا عدلى
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …