الإثنين , ديسمبر 23 2024

رواية (الباش تمرجى) : بقلم الكاتب والسيناريست جرجس ثروت

10949767_764104770334716_1285023019_n
جرجس ثروت كاتب وسيناريست وعضو اتحاد كتاب مصر

المقدمة
باش هو اسم أسرة تركي معناه الريس أوالرأس وكان لقباً تركياً يطلق على كبار الجيش وعلى ذوى المناصب، واصل الكلمة فارسي من ” باشا : الملك “، ولأن مصر تتحدث العامية المصرية فلذا تجد أنها خليط من كلمات وثقافات شعوب كثيرة لأنها تكونت بها دول وعاشت بها ألسنة ولهجات كثيرة فتجد منها اللغة القبطية وهي المرحلة الأخيرة من مراحل تطور اللغة المصرية التي تكلم بها وكتبها قدماء المصريين منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، والرأي السائد لدى العلماء أنها تنحدر من اللغة المصرية المتأخرة مباشرة، حسبما كانوا يتحدثونها في القرن السادس عشر قبل الميلاد مع بداية الدولة الحديثة، وتجد النوبية والرومانية والعربية والتركية وغيرها، ومن هذه الكلمات كلمة ” باش مهندس ” التي تقال حتى يومنا هذا .
الضمير ويطلق عليه الوجدان أي قدرة الإنسان على التمييز فيما إذا كان عمل ما خطأ أم صواب، أو التمييز بين الحق والباطل، وهو الذي يؤدي إلى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقية، وإلى الشعور بالرضي عندما تتفق الأفعال مع القيم الأخلاقية، وهنا قد يختلف الأمر نتيجة اختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق لدى كل إنسان، أما التفسير العلمي للضمير في العصر الحديث وفي مجال العلوم الإنسانية وعلم النفس والأعصاب، أنه وظيفة من وظائف الدماغ التي تطورت لدي الإنسان لتسهيل الإيثار أي الميل

(1)
والنزوع المتبادل، وهو ما يطلق عليه بالإنجليزية (Altruism) أو السلوك الموجه من قبل الفرد لمساعدة الآخرين في أداء وظائفهم أو احتياجاتهم دون توقع أي مكافأة وذلك داخل مجتمعاتهم .
والضمير وصف وكلمة تجسد كتلة ومجموعة من المشاعر والأحاسيس والمبادئ والقيم تحكم الإنسان وتأسره ليكون سلوكه جيدا محترما مع الآخرين يحس بهم ويحافظ على مشاعرهم، ولا يظلمهم ويراعي حقوقهم وباختصار شديد هو ميزان الحس والوعي عند الإنسان لتمييز الصواب من الخطأ مع ضبط النفس لعمل ما هو صحيح والبعد عن الخطأ، وهو مكون أخلاقي ووازع طبيعي وجد بالإنسان وهو الذي عمل به يوسف الصديق فرفض أن يصنع الشر في بيت سيده وفضل السجن عن تنعم الخطية وعار الشهوة التي طلبتها منه امرأة سيده، حتى قبل أن توجد الوصية التي تقول لا تزني، ولأن أصحاب الضمائر الصالحة يتنافسون فيما يقدمون للعالم من خير فيكون إنتاج أفكارهم متنوع في صالح العالم، أما أولئك أصحاب الضمائر الفاسدة فيكون ناتج أفكارهم واحداً مهما تعددت الأماكن وتنوعت الجنسيات واختلفت الألوان ألا وهو الخراب والدمار .
وعندما يصيب الضمير فساداً يشبه عفن الخبز، وعندها يتحول من غذاء وبناء لهدم للفرد والمجتمع، ويصير أداة تدمير وخراب وقتل وسفك دماء، وأول من يقتل الضمير هو يحكم عليه بالإعدام الفرد ذاته، ويحوله إلى كيان سرطاني يلتهم كل صلاح، ويساعد في ذلك العوامل الخارجية من بيئة اجتماعية وسلوكيات تبنى على التربية، ولقد كان بطل الرواية ” صلاح محسن بركات ” واحداً من هؤلاء الناس، ولد في عائلة فقيرة ولكنها كانت تشتهر بصلاحها وحب الخير للجميع ونزاهتها، وكان

(2)

يطلقون عليها عائلة أبو شرف، ولكن صلاح لم يكن يعرف للخير طريقاً وكان ابعد ما يكون عن الفضيلة والشرف والأخلاق .
تبدأ معاناة صلاح في أسرة فقيرة تتكون من الأم عديلة في الأربعينيات من العمر، وأختين وكان هو أصغرهم الكبرى تدعى صابرين لم تكمل دراستها الابتدائية، وتزوجت مبكراً كعادة الريفيات من شخص سئ الخلق والطبع اسمه راضى، لم يكن يعرف شيئاً من الرضي سوى الاسم الذي لا يستطع إن يستر عورات سلوكه وخلقه الردئ، والصغرى نحمده مخطوبة لأبن خالها شاكر بعد أن أتمت بالكاد دراستها الإعدادية، وبسبب ظروف الأسرة التي فقدت عائلها، وساعد أقارب الأم في تربية أبنائها حتى فاجئها المرض علاوة على الفقر لكي يمتلئ كأس الشقاء والبأس ويزيدها تكديراً للعيش، فتشكوا الأم من صعوبة في التنفس بسبب قصور في الرئة مع ضعف في عضلة القلب الذي عانى من آلام الحياة واعتصرته، وذات ليلة غاب فيها القمر بضياه ونعق فيها البوم جاء من ينقذ هذه السيدة من آلامها، تمرجي بالقرية وكانوا يطلقون عليه ” صديق الحكيم ” ليعطى لها حقنة عن طريق الخطأ تجعلها تستريح من ضيق التنفس، وتنام بعدها ولكن إلى الأبد، استراحت عديلة من كدرالعيش ولكن تركت صلاح وأختيه صابرين ونحمده للمعاناة بعد أن أوصته بأختيه، فيقررالأهل أن تتزوج الفتاة، ورأى صلاح أن عدوه الأول الذي يجب أن ينتقم منه هو الفقر والثاني هو الباش التمرجي الذي قتلها بطريق الخطأ وقرر أن ينتقم لأمه ولنفسه، فسافر إلى القاهرة ليساعده احد أقاربه ويكمل دراسته مع العمل هناك، فواصل الليل بالنهار حتى يحقق ذلك وأكمل تعليمه المتوسط ليعمل في نفس المجال وهو التمريض ولكن بدون قلب أو شفقة ليكون الجلاد عوض الضحية، ويظلم عوض

(3)

أن يعدل، ويقهر عوض أن ينصف معللاً ذلك بأن لا احد رحمه ولا الظروف .
صلاح أراد أن يصير غنياً بأي ثمن وبأي شكل ومهما كلفه ذلك فسلم عقله وأفكاره للشر وعاش دور الضحية لكي يبرر انتقامه من الجميع وكأن عدوه هو الناس جميعاً، وليست ظروفه القاسية فحكم على ضميره بالإعدام وكفنه بشهواته ودفنه بين حب المال والتسلط، وبكل وسيلة ممكنة صار غنياً ولكن مجرماً مشهوراً ولكنه ظالماً معروفاً وسط الحرام والرذيلة لأن طريق الشر مفروش بالورود ولكنه يسلب الإنسان أغلى عطية ربانية وهى آدميته، ويعيش صلاح حياته بالطول والعرض كما يقولون ونسى ذاته ولم يتزوج إلا عندما تقدم به العمر من فتاة صيدلانية شابة جميلة جداً اسمها حنان استغل فقرها وحاجتها للمال، ولكنها خدعته أكثر من خداعه لها وخانته وجمع ثروة طائلة من إعمال تنافى الآداب، وكان الجزاء من نفس العمل فالذي اعدده لمن يكون فيسقط فريسة للمرض الذي لم يرح أصحابه هو أيضا لم يرحمه إضعاف وأضعاف لأنه لم يرحم فنال اشر جزاء وهو عدم الرحمة وانتقمت منه الأيام بعدد كل من ظلمهم كيلاً زائداً مهزوزاً لأنها عدالة السماء عين بعين وسن بسن .
لا نريد بهذا الرواية أن نقلل أو نحقر من دور البعض، ونسئ إلى بعض المهن الشريفة بقدر تسليط الضوء على بعض الجرائم التي يكون ضحيتها البسطاء والفقراء من الناس نتيجة فساد الضمير وعدم الخلق، وقد لا نكون أول أو أخر من يتناول هذه الشخصيات بالكتابة ومن هذه الزاوية وكشفها لكي يعلم الناس طرقهم الشريرة وفضح أفكارهم ونحذر من أمثالهم حتى وان لم يكونوا كثرة، ولكنهم كذرات الزرنيخ التي

(4)
قد تسمم بئر كامل وتهلك كل من يشرب منه، الرواية وأبطالها من الخيال وقد يكون بالواقع ما هو أغرب من الخيال الذي لا يصل إليه عقل كاتب أو قلم ناقد .

جرجس ثروت

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …