السبت , ديسمبر 28 2024
أحمد الشيمى

حدث ذات صباح .

أحمد الشيمى
أحمد الشيمى

العنقاء)
“تقول الاسطورة عن طائر العنقاء انه ان شاخ يحترق فاذا استحال رمادا انتفض منه طائرا فتي تدب فيه الحياة من انقاض سلفه “
وهكذا يبعث الامل من اعماق اليأس ——

بقلم .. أحمد الشيمى
استيقظت وكان صباح بارد ، فارتقت الى سطح المنزل لتحظى بشى من الخصوصية لحديث النفس واشجانها ، بدت الشمس – حينها- وكأنها متمترسة خلف الجبل الشرقي توفد عنها الي الليل الهِرم امواج زرقاء يانعه فينقشع امامها سواده غربا غربا رويدا رويدا ….
نهار اخر اوشك علي الدخول ، ومعه يستانف ستة ايتام وجدتهم الثكلي في ابيهم ، مطالبات ملحة باسباب الحياة ، غير مدركين ان لاشي تبقي ، فقد رقعت المرقع وابتزت اليابس ولم يعد هناك قليل ترشد في توزيعه ولا بالياً يمكنها تدويره ، ولا معطياً يحسن الظن بحاجتها فيلبي دون مّن يمس عفافها او طمع في حصين عرضها ، وكما العادة استهلت يومها بالبكاء السري ( هو اخر ما تبقي من مظاهر انوثتها الضعيفة ) مجترة ذكرى البعل الذي تقيئ فوق صدرها دماً ثم سقط بين يديها ميتا في ليلة لم يكن يبالي قبلها سوي بتدليلهم واكرامها فاشقاهم رحيله واذلها
ربما تكون قد خاضت بعده معاركها الصاخبة بشموخ وثبات منقطع النظير ، كان الحمل ثقيل كمرور لياليها الباردة ، قبلت التحدي واقسمت علي الانتصار فتجمدت قسمات وجهها واستلهمت ارواح اسالفها من نساء غالبن الدهر حتي اضحى يؤرخ بذكر مناقبهن، لكن هذا الصباح حمل انباء جديدة تفيد بانتقالها الي مرحلة ما دون الصفر او الاستدانة بمعني اخر ، هذه المرحلة التي طالما كانت تراها هوة سحيقة ، جاء اليوم الذي لا مناص فيه من السقوط فيها بقي السؤال الاخطر يرواح مكانه منذ نفذ اخر قليل كان بحوزتها ، ممن تقترض وكم وكيف ؟
لقد اختارت الرحيل معه بعيدا عن اهلها وشغلها عنهم فقطعت سبلهم وقت اليسر قطعا عميق تابي النفس ان ترمه في العسر، ولقد رد اليها صنيعها في اهلها بما هو اعنف واشد مع اهله فلان لها وجفل منهم حتي انهم حقدوا عليها فاعتزلهم فزادوا فضاعف فبلغ بهم الخصام فجرا ليس اقله الشماتة في موته …
قطع سيل افكارها صوت اقدام متثاقلة تكابد الدرج من اجل بلوغ السطح ، فمسحت اثار دموعها وتقدمت لتكشف عن الوافد في غير موعد فاذ بحماتها العجوز تتحامل علي عكازها فاسرعت نحوها واعانتها الي ان اجلستها ..
– اوقدي لي شيئا من الحطب يا ابنتي فالبرد تمكن من عظامي و اتيني بكوب من الشاي لعل حره يبرد احشائي
قالت لنفسها اذا البداية من عندك يا اماه فلا اجد مما طلبتي شي ولكم يعز علي ذلك انما ما بيدي حيلة ، فجاءة تذكرت صندوق زوجها الخشبي الذي كان يحرص عليه لانه يحمل ذكريات تلمذته، وقالت لا عزيز اليوم علي امك وافراخك ونزلت مسرعة وما لبثت حتي عادت به تحمله بين يديها فالقت به علي الارض فتحطم وتبعثرت محتوياته التي لم تكن سوي بعض الدفاتر والكتب و الادوات المدرسية القديمة وارسلت الابن الاكبر بالكتب ليبيعها ويبتاع بثمنها خبزا وقليل من شاي وسكر وحليب
جلست امام الموقد واشعلت فيما تبقى من مقتنياته النار ، تمعن مودعة كل شي تلقيه عليه اسمه اورسم عبثي بيده او فيه ريحه ..
تسلل الاطفال للسطح واحدا تلو الاخر بعد ان اشاعوا بينهم خبر الصندوق الذي طالما شغل مخيلتهم واثار محتواه فضولهم فتحلقوا حوله تمتد ايديهم الشغوفه هنا وهناك وهي تنهرهم تارة وتطردهم طورا تاخر الفتي لم يحضر وفوت موعد مدرسته واضحت الدنيا ولازال غائبا ، في البداية صبت عليه غضبها ثم استحال الغضب قلقا ولم يعد يهم انه تسبب في ان يخرج بعض اخوته الي مدارسهم خواه جائعين
ان تطمئن عليه غاية همها لاسيما وقد ثاورتها خبيث الظنون فما اكثر سيارات الصباح الطائشة ولائام الطرق. الان فقط عرفت ان هناك الاسوا من معضلات الفقر ورقه الحال ، التاعت حتي انها ودت ان تراه سليما معافي ولو قضت بقية حياتها مشيا علي الجمر ، وقبل ان ان تتخذ قرارها بالنفور خلفه الي الشوارع بحثا عنه، سمعت صوته مناديا مهللا من بعيد فوقع منها كماء بارد بلل قلبها من بعد ان تشقق ظما ابشري يا اماه لازال ابي يرسل الينا خيره من تحت التراب فلقد ذهبت لابيع كتبه للعطار فبحثهم قبل ان يزنهم ورد الي دفتر صغير وقال هذا لايصلح فاذ به يخص هيئة البريد ويحوي حسابات قديمه باسم ابي فقادني الفضول الي البوسته فعلمت منهم الخبر السعيد ان لابي مال يكفينا عام كامل
كاد يغشي عليها وسكتت طويلا غير مصدقة هول المفاجاة لكن لم تنسي ان ترد علي الصبي تهذيبا
لا تقل ابي بل قل رب ابي
وعادت لشرودها وهى تتسائل اكان لابد من حرق ذكراه كى نستمر الحياة ؟

 

شاهد أيضاً

الحب وطن

بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي الحب هو امتداد طبيعي لكل ابداعات حياة ابداعات وطن والحب …