بقلم .. حامد الأطير
استغرب البعض قرار البرلمان الأوربي الصادر منذ أيام قليلة والذي طالب فيه مصر بالإفراج عن كل المعتقلين حتى عمن ارتكبوا أعمال عنف وشغب وجرائم إرهاب ، ونسى هذا البرلمان أنه لا يوجد في مصر معتقلون كمعتقلي جوانتانامو ، إنما يوجد في مصر مسجونون بأحكام قضائية أو محبوسون بأمر النيابة على ذمة التحقيقات في جرائم قد ارتكبوها ، لهذا فإن القرار يفضح النوايا الخبيثة تجاه مصر ويُعد مغالطة واضحة وواحداً من سلسلة قرارات متحيزة تحيزاً سافراً للجماعات الإرهابية ومناوأة لمصر وتدخلاً سافراً في أخص شئونها المتعلقة بأمنها وسلامتها ، وبالطبع لا يمكن الاستجابة لنعيق هذا البرلمان الذي يسمح لنفسه بإصدار أوامر وقرارات فوقية متغطرسة وكأننا إحدى مستعمراته أو كأننا دولة “ناورو” بمايكرونيزيا ، إلحاح برلمان الاتحاد الأوربي للإفراج عن الإرهابيين خاصة أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية وأعوانها غير مقبول نهائياً ، لأن هؤلاء ليسوا سجناء رأي وليسوا مضطهدون دينياً أو سياسياً بل هم إرهابيون ومجرمون خرجوا على القانون وتحدوا سلطة وإرادة الدولة وأعملوا الترويع والتخريب والتفجير والقتل فى شعب مصر.
ولعله من الغرابة بمكان أن تلك الدول تحمي نفسها ومواطنيها بقوانين وعقوبات غاية في الشدة والقسوة تنزلها على رأس من يحاول النيل من إرادتها أو من شعبها أو من أرضها أو من علمانيتها والتي يسيجونها ويحرسونها ضد أي معتدِ ، ولا يتهاونون أبداً مع من يمسها ، فهم يحرمون الدعوة لأي دين في الأماكن أو المصالح أو المرافق العامة و يمنعون أي صبغة دينية في مدارسهم و يعتبرون المنابر الدينية عدواً لهم ولا يعدونها ضمن منابر التعبير والرأي سواء أعلنوا ذلك أو لم يعلنوه ، ويقفون بشراسة في وجه من يدعو إلى التمييز سواء كان فرد أو جماعة من ذوي الفكر المتطرف ويراقبون حركات وسكنات هؤلاء ويصادرون أموالهم ويعاقبون بلا رحمة أو رأفة من يخرج على النظام العام للدولة أو يتحدى قيمهم وثوابتهم ، والقتل الفوري هو جزاء من يحمل السلاح في وجه الدولة أو الشعب ، ولعل ما حدث في فرنسا هذا الشهر – رغم تحفظاتنا عليه – يبرهن عل ذلك ، فقد قامت السلطات من فورها بقتل وتصفية مهاجمي صحيفة “شارلي أبدو ” CHARLIE HEBDO”” ومهاجمي المتجر اليهودي ، ولم تترد لحظة فى إتمام هذه التصفية ولم تلتفت لردود أفعال إقليمية أو دولية وهي تدافع عن مواطنيها وعن قيمها وعن أيدلوجيتها العلمانية ، ورغم أن هذه الصحيفة قد أهانت نبياً كريماً وتطاولت بجرأة على مشاعر ما يزيد عن مليار وستمائة مليون مسلم وسخرت منهم بصفاقة ووصمتهم بالإرهاب ، إلا أن فرنسا وقفت كلها على ساق واحدة في وجه من اعتدى عليها ، ليس من أجل عيون الصحيفة أو الصحفيين ولكن دفاعاً عن نظام وإرادة الدولة الفرنسية وقيمها الليبرالية والعلمانية التي تكفل حرية الرأي والتعبير والاعتقاد .
إذاً كيف نستسيغ موقف الدول الغربية التي تتشدد فى حماية نفسها وقيمها وشعوبها وتطبق قوانينها الصارمة ولا تتورع عن شن حرب من أجل هذا ثم نجدها تدعو مصر وتطالبها وبشكل غير منطقي بأن تتسامح وتتهاون وتغفر وتعفو عن أعضاء الجماعات الإرهابية المتطرفة وأن تكفل لهم حرية الرأي وحرية الحركة و حرية التصرف وأن تسقط عنهم المراقبة وأن تلغي تتبع مصادر تمويلهم .
هذه الازدواجية الفاضحة لا تدهشنا إذا علمنا أن الغرب يُهيئ الفرصة لهدم أركان الدولة المصرية باعتبارها درة العقد العربي التي بدونها تنفرط حباته ، وذلك بخلق الفوضى ونشرها وتيسير الاعتداء على دستورها وقوانينها وسلطاتها وقتل مواطنيها وتفجير منشآتها ومؤسساتها بمساندتها ودعمها لتلك الجماعات والميليشيات لتمكنهم أن يفعلوا ما يشاءون وقتما يشاءون بفكرهم الضال وعقيدتهم المنحرفة ، وليصنعوا الفتن الماحقة وليصنفوا المجتمع ويفرزوه عقائدياً وطائفياً وفئوياً بالشكل الذي يؤدي حتماً لزوال الدولة ، وهذا هو بيت القصيد ، تفتيت مصر قلب العروبة ومنارة الإسلام.
على كل من غفل ومن نام ومن جهل أن يعلم أن للغرب استراتيجية قديمة لم تتغير ولن تتغير ، تتمثل في السيطرة على الوطن العربي لما له من أهمية لموقعه الحيوي الذي يتوسط العالم وبما يحويه من ثروات ، والأهم أن الغرب لم ينس خروج نبياً كريماً وديناً عظيماً من هذه الأرض وحد العرب بعد أن كانوا قبائل وشراذم متنافرة متقاتلة متناحرة على مر تاريخهم وصنع منهم قوة جبارة وإمبراطورية عظمى صالت وجالت وسادت وسيطرت على جزء من أرض هذا الغرب فحكمت الأندلس ووصلت الى بلاد الغال (فرنسا) ولولا هزيمة جيش عبد الرحمن الغافقي سنة 732م فى معركة “بلاط الشهداء” كما سماها المؤرخون المسلمون أو “تور Battle of Tours” كما سماها الغربيون لتمدد الاسلام وانتشر بشكل أوسع في كل أنحاء أوروبا ، ولقد كان هذا خرقاً للعادة و قلباً للأوضاع ، لأن العرب المتنافرون المتناحرون الضعاف صاروا بنياناً قوياً وانتصروا على الغرب وممالكه رغم أنهم كانوا على الدوام هم الأقوى وهم الأعلى وهم الغازون والمحتلون .
الثأر قديم لم يمت والغرب استوعب الدرس سريعاً وباكراً وتيقن أن قوة المسلمين ضعف له ، لذا لم ينم ولم يهدأ ولم يسترح لحظة ، وحديثاً تضاعف هواجسه ومخاوفه من الاحتلال الإسلامي الناعم لبلاده بسبب تزايد أعداد المسلمين سواء الذين هاجروا اليه القرن الماضي من بلادهم التي كانت مستعمرات تتبعه أو الذين يهاجرون أليه الآن ، فحسب الدراسات السوسيولوجية والديمجرافية فإن المعادلة السكانية تعمل لصالح المسلمين ، لذا فالغرب يحس بالفزع من القلاقل والاضطرابات داخل مجتمعاته التي سيثيرها تصادم المسلمون بقيمهم ومعتقداتهم مع القيم الغربية كما أنه فزع من يومِ آت قد يصل فيه أحد المسلمين للحكم .
نحن من استرحنا ونمنا وغفلنا عن مصائرنا ونسينا أن الغرب والصهيونية العالمية المسيطرة على مراكز القرار فى الغرب يريدون سحق العرب وإزالتهم من على وجه البسيطة ، لهذا أوجدوا وشجعوا الكثير من الفرق والجماعات الدينية الضالة والمتطرفة لتكون خنجراً في خاصرة العرب والمسلمين وقنبلة هائلة الانفجار تشتتهم وتشرذمهم وتبعثرهم وتعيدهم لسيرتهم الأولى من الضعف والانحلال .