المؤلف .. إيليا عدلى
(4) أشواق ولوعة
في عصر ذلك اليوم حصل نصار على موعد الزيارة من الاستاذ محمود، الثامنة مساءاً من نفس اليوم، ليدق قلبه دقات منتظمة وكأنها عزف على أوتار مشاعره، يمنحه استقراراً عاطفياً وأسرياً، متزامناً مع حصول مصر على استقرارها السياسي بفوز حسني مبارك بنسبة 98.5 %، واستبشر نصار خيراً بنسبة النجاح تلك، وشعر نصار أنه المرشح الوحيد للفوز بفريدة وبنسبة أكبر من نسبة الرئيس الجديد، بل قد تصل نسبته 99.9%، لم يشعر أن هناك شخص أخفى حبه وتنازل عن فرصة ترشحه من أجل الإستقرار أيضاً..استقرار الصداقة، واستقرار الاسرة، والاستقرار الوظيفي، وقد يكون تنازلاً من اجل الحب الصادق.
ومن أجل هذا الموعد أنهى نصارعمله مبكراً وعاد للمنزل وأخبر والده ورفيق بموعدهم لزيارة الأستاذ محمود في الثامنة.
وفي تمام الثامنة إلا دقائق كان نصار ووالده ووالدته على باب العمارة التي يقطن في طابقها الرابع الأستاذ محمود، وفي تلك اللحظة استوقف رفيق نصار وابتسم قائلاً:
– اثبت مكانك..متتحركش.
ومد رفيق يده الى رابطة العنق التي تتوسط قميص نصار الابيض الناصع، وفوقه الجاكت الأسود الذي كان يلمع بفعل شمس الغروب في طريقهم، وضبط رفيق توسط رابطة العنق لنصار الذي سرى في جسده نشوة الإحساس بالاهتمام والحب الأخوي الصادق من رفيق..تأثرت الحاجة نفيسة بحرارة المشهد فربتت على كتف رفيق بحنان وقالت:
– ربنا يخليكو لبعض..عقبالك يا رفيق يا ابني.
صعد الجميع الى الدور الرابع وكان نصار ممسكاً بيده بوكيه ورد كبير الحجم يحتوي على عدد من زهور عصفور الجنة الرقيقة، وعدد يجذب العيون من الورد الأحمر الذي يعبر عن حب كبير، وعدد آخر من الورد الأبيض الذي يدل على نقاء الحب وبراءته، وقليلاً من الزهور الوردية المنزوية في قلب البوكيه وكأنها تتوارى في رقة وعزوبة.
طرق نصار باب الشقة لثوانٍ، وفتح الباب الأستاذ محمود وصافح الجميع بترحاب، وأشار لهم بالجلوس في الصالة، حيث كانت الحاجة أم فريدة تقف منتظرة لترحب بالضيوف، بابتسامة عريضة مرتسمة على وجهها الجميل الذي يشبه ابنتها كثيراً، وهمت بترحاب خاص بالحاجة نفيسة وقبلتها من الخدين قبل أن يجلس الجميع ما عدا “فريدة” حسب الأصول انتظرت بالداخل، ولكنها كانت متوارية خلف ستارة المطبخ، تنتظر استدعاء والدها لها، لتدخل بصينية “الحاجة الساقعة”..وبعد قليل سمعت جملة والدها، التي تسببت في سرعة دقات قلبها:
– فريدة..تعالي يا حبيبتي سلمي على الضيوف.
دخلت فريدة تحمل الصينية وتسير في خط مستقيم مفرودة القامه تنظر للأمام وكأنها عارضة أزياء محترفة، مما يوحي بشخصية واثقة مرنة مقبلة على الحياة..وضعت الصينية على المنضدة الصغيرة التي يجلس الكل حولها في دائرة..صافحت فريدة الجميع في انسيابية وشجاعة، ثم جلست على الكرسي المنفصل بين والدها ونصار..كانت فريدة تشع جمالاً بعينيها المستديرتين الواسعتين ورموشها الطويلة الكحيلة ربانياً بلا أي تدخل منها، فبياض وجهها وجسمها لا يحتاج مساحيق التجميل لإبرازه، وبالرغم من جسمها الضئيل الذي يزيد قليلاً عن جسم فاتن حمامة إلا ان فستانها (الميني جيب) الفضفاض عندما جلست أبرز جمال وامتلاء ساقيها وركبتيها المكتنزة المتماسكة والتي سارعت بوضع بوكيه الورد عليهما بعد أن اعطاه لها نصار، وكأنها تخبيء بعض من أنوثتها المتفجرة حتى لا تقضي على البقية الباقية من قلب داخل صدر خطيبها الولهان..وكفى عليه أنوثتها الطاغية المشعة من نهديها البارزين تحت فستانها كحبتي الرمان الكبيرتين المتناسقتين، ويكاد يرى الفلقة بينهما من فستانها الفضفاض.
استمر الجميع في حوارات ودية ،حتى رفيق أقنع نفسه بتحويل حبه لفريدة الى حب أخوي لزوجة أخيه المستقبلية حتى يستريح أو قل ظن انه استراح في تلك اللحظات بالرغم من أشياء داخله تنخسه باستمرار وهو يرفض حتى التفكير فيها وكأنها أفكار شيطانية يستعيذ بالله منها ويريح قلبه وعقله..وبعد لحظات صمت وترقب..كسر الحاج عبدالعاطي الصمت والترقب ودخل في صلب الموضوع موجهاً حديثه للأستاذ محمود:
– إحنا انهاردة يا استاذ محمود جايين نخطب بنتك فريدة لأبننا نصار وعشمانين خير ان شاء الله.
– يا حاج عبدالعاطي..زي ما فريدة بنتي، نصار ابني ودراعي اليمين، ونصار يتفضل يزورنا كام مرة، ويقعد مع فريدة ويدرسو أفكار بعض، ولما ياخدوا قرارهم ما علينا الا الموافقة وربنا يعمل ما فيه الخير.
وبعد ان طالت الزيارة لأكثر من ساعتين ونصف مليئة بالمودة والحب بين كل الحضور، هب الحاج عبدالعاطي واقفاً والجميع من بعده مستأذنين بالرحيل ويتصافح الجميع بمودة..وأما مصافحة نصار وفريدة فكانت باليد والقلب والنظرات وكأنهم قصة حب لسنوات وليس لعدة أسابيع “من بعيد لبعيد”.