بقلم .. احمد الشيمى
قفز الى القارب برشاقة من بعد ان حل رباطة ودفعة نحو العمق ثم استوى في المنتصف ممسكا بالمجاديف وابحر متوكلا على الله .. اليوم لابد من طلعتين واحدة صباحية لطبيخ السوق والثانية مسائية ليؤمن اجرة خياطة الثوب فبدون هذا الثوب لن يحضر العرس
دب فيه الحماس على ذكر العرس فكم بات ينتظره ويمنى النفس بكل تفاصيله المثيرة…. فانعكس هذا الحماس على تسارع وتيرة ضرباته حتى بلغ منتصف النهر فى دقائق معدودة حيث كان الشروق لازال ناعما وتبدو كتل الليل وكأنها صاحبة السيادة فى افق السماء ، رفع المجاديف واستغل تيار الماء فى نشر غزلة بدون مساعد ، لحظات وبدا يثير ضجة لاستقطاب السمك ناحية الشرك ثم سحب والقى وكرر الى ان اضحى فغاب السمك كما المعتاد فى مثل هذا الوقت ، فحمد الله على ما اثمر وهم بالرجوع على امل ان يبيع بسعر يكفى لشراء كيلو اللحم ورطلي البصل والطماطم اما باقى الطلبات فلتتصرف زوجته فيها بمعرفتها المهم الان هو التفكير فى طلعة العصاري فعليها يتوقف عظيم الامر
جدف مسرعا ناحية دفة النهر مستهدفا اقرب نقطة من شوادر السمك فجاءة لمح عن بعد زورق شرطة المسطحات مقبلا نحوه بسرعته الرهيبة فتمنى الا يكون هو الهدف … لحظات وخاب ظنه فقد انحرف الزورق اليه مباشرة فتوقف عن التجديف وانتظر حتى دار حوله محدثا موجات وضجه غطت علي صوت الحى من الصيد فى سلته
– اين رخصتك وهويتك ؟
= انا علي باب الله فهل سامحتني هذه المرة يا سيدى ولتكن الاخير فوالله ما هو الا قوت يوم لأفراحي
-اذاً فلتحتفظ بالصيد ونقطر نحن الفلك الي ان تأتي لنا بالرخصة
= ارجوك اتوسل اليك دعني اليوم فقط اليوم واذا رأيتني بعد ذلك بلا رخصة فافعلوا بي الافاعيل
هنا لمح احدهم يغمز له بطرف عينه بإشارة واضحة بطلب رشوة حتى يخلى سبيلة لكنه تظاهر بعدم الفهم كونه مفلسا ، فحسم الامر وسحب القارب والقى به على الشاطى وسلته في يده
عاد الى بيته ملتاعا ونادى زوجته والقى اليها بالسمك واخبرها بما حدث فى عجاله وهو يرتدى حذائة وثوب المناسبات الكالح وهم بالخروج وحين سالته عن وجهته قال لها سأبحث لى عن احد يذهب معى علهم يردوا الى القارب
في الطريق شاهد عمال الفراشة ينصبون سرادق العرس فشعر بغصة فى حلقة ومر مسرعا لولا ان ناداه احدهم فالتفت اليه فتبين له انه احد اشقياء القرية المشهورين بسوء السير والسلوك فساله عن وجهته فاجابة بالذى حدث فقال له
– هذا لأنك محظوظ فانت ابدا لم تخلق للصيد وهذا الهراء الذى لا يثمن ولا يغنى من جوع ، والليلة ليلة حظ دعنا نربح منها ما يغنيك عن كل هذا الاسفاف
= وكيف ذا ؟
– سأقول لك كل شي فى وقته ، والان دعنا نحضر ثوبك من عند الخياط ..
فى المساء توافدت وفود القرى الى الحفل المهيب وقد جرى العرف ان يمر الحفل بعدة مراحل ، ففى البداية يتحلق الشباب حول سامر التحطيب وعلى انغام المزمار البلدى وايقاع الطبول تحمى المنافسة بينهم وتشتد ، ثم بعد ذلك تمد البسط ويوضع الطعام وعقبة تبدا الفرقة فى العزف ويعتلى المسرح عدد من الراقصات شبه العاريات يتمايلن على الالحان اما المدعوون فيتراصون فى حلقات يتم فيها تناول انواع المسكرات و تدخين المخدرات الى ان ينفض من يبقى من الجمع مع اول ضوء فى صباح اليوم التالى
وفى بداية الليلة انفرد الشقى بالصياد وناوله سيجارة وقال له
– سنقطع طريق العودة على السكارى ونسلبهم اموالهم وكل ذا قيمه قد يكون معهم ،ولن يكلفنا الامر سوى مطواة وفرد هذا ان شعروا بنا من الاساس .
صعق الصياد وود ان يفر هاربا من هذا الشيطان الذى يريد ان يلقى به الي التهلكة لكنه الزمه الحجه حين قال له
– ماذا بك اتخاف من سكارى قد يخشون ظلهم ام من الحكومه التى سرقتك وحرمت عليك رزق الله الحلال فى الوقت الذى تغض فيه البصرعن كبار اللصوص الذين ينتزعون القوت من الافواه ليعربدوا به فى غير اكتراث ؟
= ليس بعد ركوب النهر فى الظلام خوف انما اخشي ان يفيق هولاء بعد حين ويعودا ليثاروا من القرية وينقلب الامر فتنه يصعب ان تحد عواقبها
– حتى هذه وضعتها فى الحسبان ، ولذلك سنجرح كل منهوب جرح خفيف فى اليته فيمنعه العار من الخوض فى الموضوع الى ان تقوم الساعة
= لقد ظلمت ابليس حين اعتقدت انك مثلة ..
كمن الرجلان عند منعطف مظلم فى طريق العودة من احدى جهات القرية ونجح المخطط فى اول فوج وسلبوا من الضحايا اموالهم وبعض المتعلقات الاخرى وقام الشقي بخدشهم بنصل المطواة كما اتفق وتكرر الامر مع الفوج الثاني والثالث
لكن زمرة مسلحة لم تكن في العرس مرت مصادفة….
في الصباح الباكر عثر الاهالي علي جثتين لشابين ملقيتان علي قارعة الطريق ….احدهما كان يرتدي ثوب جديد