بقلم .. مصطفي عيد
اشهر رسالة لاسلكية التقطة يوم جمعة الغضب 28 يناير من هذا العام هى لضابط فى الميدان يبلغ قادته بتطورات الموقف قائلا “الشعب ركب يا فندم”. مضمون الرسالة كان واضح لقادة الداخلية وللقيادة العامة المصرية ولذلك استعانت بالجيش وامر وقتها الرئيس المخلوع بنزول الجيش الى الشارع وحظر التجول بداية من السادسة مساء وحتى السابعة صباح اليوم التالى. ومع نزول وحدات الجيش الى الشارع اصبح مشروع التوريث فى خطر داهم وادرك اللاعبون ان هناك كروت صفراء واخرى حمراء على وشك ان ترفع فى اوجه عديدة.
تابع العالم ما يجرى فى مصر واصبحت الثورة المصرية هى الخبر الأول المغطى طول اليوم من قبل كل وكالات الأنباء العالمية. دخلت امريكا واسرائيل والسعودية على الخط وسمعنا تصريحات من كل مكان فى العالم. كان فعل الشعب المصرى اسرع من اى خطة لدى اى مسئول لتدارك الموقف او محاولة احتوائه، فغيرت واشنطن من لهجتها و تراجعت اسرائيل والتزمت الصمت وكذلك فعلت السعودية التى ادركت ان تغير وشيك وخطر ساحق آخذ فى التنامى فى الأفق القريب بعد ان كان فى الأفق البعيد بتونس. )هذا موضوع اخر ينبغى التوقف عنده فى سياق أخر)
استمرت الأرض فى الدوران بعد تنحى مبارك وخلعه وطلعت الشمس فى اليوم التالى على اصرار الجيش بالأبقاء على حكومة السيد احمد شفيق. لم نفهم لماذا الأصرار على هذا الأمر بالتحديد. ومع الوقت تبين ان الوزارة الجديدة هى تعديل للقديمة ومن نفس المصادر تقريبا، فالوزير اما من لجنة السياسات او من الحزب الوطنى او من المقربين من النظام السابق. وهنا بداء سؤال ملح فى الشارع المصرى “نجيب مين ينفع للوزارة ومين الوزراء؟”
تلك كانت اول نقطة تتفتح فيها اعين الناس على المأساة التى خلفها لهم مبارك بعد 30 سنة من حكمه. لقد بث مبارك وحرسه القديم السموم فى البلد حتى نفوا معظم كفاءات الوطن ولم يبقى اى كفاءة الا التى تنحاز اليهم. لقد طوعت لهم انفسهم ان يقصوا من الحياة العامة والسياسة اى كفاءة ليست على هواهم فأصبح اغلب المميزين لا ينالون حظا ويستبعدون وهم فى سن مبكرة فلا يمكن الأستعانة بهم من طول “ركنتهم على الرف” وعدم نمو خبراتهم.
وما ان تم التشكيل الوزارى لأحمد شفيق حتى بداء احساس النكد يعود للثوار من الوجوه المكروهه لبعض الوزراء خاصة وزير الداخلية الجديد (محمود وجدى). ثم توالت الفيديوهات التى توضح كلمات رجال الشرطة العائدون لأعمالهم ومنهم مدير امن تحدث امام كاميرا المحمول بكل وضوح لضباطه وقال “احنا اسياد البلد دى”. لم يكن الرجل يهذى وانما نطق بمكنون فؤاده.
انشغل الناس بتغير الوزارة فى حين كانت لجنة الدستور ترسم ما طلبه منها الجيش من تعديل 9 مواد فى الدستور. كان المجلس الأعلى منهمك فى تثبيت وضع الدولة المصرية والأخذ بيدها لكى تعود دورة الحياة الى طبيعتها. كانت تلك لحظة فارقة بداء فيها الجيش المهمش العودة مرة اخرى الى الحياة العامة والحياة السياسية من جديد. دخل الجيش ومجلسه الأعلى الى حيث كان المحظور. رأى الجيش ومجلسه الأعلى ما كان محرم الا على القلة القليلة. فتح الجيش ومجلسه الأعلى أعينهم على الصندوق الأسود وأخذوا يدرسوا الحقائق الواحدة تلو الأخرى. لا اعرف ان كان هالهم ما رأوه من حقائق ولكنه بالتأكيد لم يسعدهم.
عندما اقتحم الناس مقار امن الدولة عرفنا ان امن الدولة كان دولة داخل الدولة وحكومة ظل موازية بالكامل وان هذه الجهة التى كان منوط بها ان تجمع المعلومات كانت فى الحقيقة جهة حكم وسيادة. لم تقف عند اى خط احمر وكانت تتنصت على الجيش بما فيه قائده الأعلى ومجلسه كذلك. كانت تلك لحظة فارقة ادركنا فيها ان اللاعبين فى البلد كانوا على النحو التالى. الرئيس مبارك ومعه الحرس القديم بمن فيهم المشير طنطاوى وكانت سياسة مبارك وحرسه هو تمكين الوريث من الوصول الى الحكم. جمال مبارك وشركائه، وكانوا يبسطون نفوذهم الى كل مؤسسة مصرية وكل تجمع للمال والقوة فى الدولة. لم استتطع تحديد الى اى طرف ينتمى العادلى وداخليته وامن الدولة وان كنت اظن انهم تابعين للحرس الجديد بقيادة جمال مبارك وهو ما يفسر التنصت على الجيش وقادته. ثم كان هناك الأخوان المسلمون والكنائس المصرية الثلاثة والأزهر. وللحق كانوا جميعا من مؤيدى التوريث بعد ان تم الوصول اليهم وتطويعهم فى صف الوريث فيما عدا الأخوان المسلمون الذين كانوا يمانعون التوريث فى العلن. وأخيرا كان الأعلام الحكومى والعميل والذى لم ينجوا منه الا قادة التنوير.
بأختصار بعد الشوط الأول للمبارة رأينا الجيش وهو يتحرك بكل قوة وخفه واندفاع بدون ان يطلب منه احد واشتهدف كل رجال جمال مبارك حتى قبض عليهم جميعا. ثم هداء الجيش ولم يتحرك من بعدها قدرة انملة. فى الأول كانت الفرحة عارمه ثم ما ليث ان استفاق الناس على اسئلة، هو فتحى سرور لسه بيطلع فى المصرى اليوم؟ هو زكريا عومى فى قصر الرئاسة بأمر المشير بجد؟ هو ليه صفوت الشريف مفيش تحقيق معاه؟ وليه مبارك معزز مكرم فى شرم؟ أذا الجيش تحرك ليضمن اقصاء الوريث وحرسه الجديد ولم يقترب من مبارك وحرسه القديم. لماذا؟ لا ندرى. استشعرت الناس ان شيئا ما فى الثورة عطلان خاصة بعد ان تفتت الوحدة الى ثلاث فصائل. الأول قال لا للأستفتاء (4 مليون مواطن) والثانى قال نعم (14 مليون مواطن) واغلبية صامتة (27 مليون مواطن) لم تذهب الى الأستفتاء من الأساس (اما لدواعى السفر، او لسبب آخر) >> يتبع