الأربعاء , نوفمبر 13 2024

فتنة أطفال الشوارع!

نانا جاورجيوس
نانا جاورجيوس

بقلم .. نانا جاورجيوس
تداولت المواقع وخصوصاً مواقع التواصل الإجتماعي للإخوان و السلفيين هذا الخبر المثير والغريب: { الأنبا بولا يشكر السيسى كونه وافق على مناقشة قانون يسمح للكنيسه بتبنى أطفال الشوارع وتربيتهم داخل أديرة الكنيسه، تعرف يا أخي المسلم ما معنى تنصير أكثر من 700 ألف طفل مسلم؟ ليكونوا جيش من المرتزقة تحارب بهم المسلمين واستخدامهم رأس حربة تحارب بهم دينهم الأصلي، أين أنتم يا أمة المليار…!}، هكذا تداولوا الخبر وبالمناسبة تهمة تنصيرهم مش جديدة في إلصاقها بالأقباط، الجديد فيها هو إلصاقها بمشروع التبني المطروح بقانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين. ليستغل الأكاذيب حماة الدين و ممن يحركون المياه الراكدة و يصُب البنزين فوق النار لتبدأ عمليات التسخين والشحن والإحتقان تملأ النفوس بأخبار مُبهَّرة بما لذّ وطاب من تحريض وغلِّ ليلتهمها كوجبة شهية المتعصبين والموتورين والمغفلين و ذوي العاهات الفكرية!
و يعلمون أن المسيحية لا تقوم على جيوش ولا حروب وليست بحاجة لزيادة عددها بمرتزقة، فليس غايتها إقامة دولة الخلافة. فعزِّة المسيحية وسلاحها في صليبها ولا عِزَّة لسيف! فلماذا الخبر خص الأديرة تحديداً هذه المرة لتمتلئ بالمرتزقة؟! لأن الكنائس كانت مملوئة بالأسلحة والزخيرة التي ستحارب بها الكنيسة كما روجوا قبل الثورة! و في أول فرصة جاهد المتعصبين والمتطرفين ليعزِّوا الدين وينصروه فحرقوا ودمروا أكثر من ثمانين كنيسة ومنشأة قبطية ولم يتم إعادة بنائهم حتى الآن. أما الأديرة فالدور القادم عليها عندما تفسح لهم الفوضى طريقاً للجهاد لتدميرها والإجهاز عليها!

بالبحث عبر المواقع عن مصدر الخبر، وجدت مقال تهاجم كاتبته رئيس الجمهورية وهي نفسها المرأة التي تمثل الذراع الأيمن للإخوان بنيويورك-أمريكا، المدعوة آيات عرابي التي كتبت ما نصه:{ ليس من المصادفة أبداً أن تتم مناقشة قانون يسمح للكنيسة الأرثوذوكسية بتبني أطفال الشوارع قبيل زيارة واجهة الانقلاب لروما للقاء بابا الفاتيكان, وسيعني هذا تمكين الكنيسة من تكوين جيش من الميليشيات المسيحية وإعادة استنساخ تجربة المعلم يعقوب بتوسع…} واضح من كلامها لوي عنق الحقيقة وكسر ذراعها، و زجِّها بالكنيسة المصرية ليس فقط للتحريض ضد الأقباط، بل لإحداث حراك جمعي لمناهضي النظام الحالي من الإسلاميين وكل التيارات المعارضة، فكل محاولاتهم البائسة تصعيد التوترات الطائفية بغيَّة ألا يستقر أمن مصر.
والفرق كبير بين مشروع تبني أطفال الملاجئ وتبني أطفال الشوارع الذين أصبح حالياً الجيل الثالث منهم مجهولي النسب. فمشروع التبني المطروحة مسودته لعرضها على البرلمان القادم، يخص تبني أطفال الأقباط اليتامى فقط والذين يملأون الملاجئ المسيحية و دور الأيتام التابعة للكنيسة القبطية فقط، ممن يولدون لأبوين مسيحيين و معروف نسبهم و لهم أوصياء عليهم. أما الحدوتة الساذجة التي يتداولونها ولا يقبلها عقل ولا منطق، أن تذهب أسر مسيحية كانت أو مسلمة لتبني طفل من الشارع مجهول النسب! ولِما وجدنا الشوارع مكتظة بهم منذ عشرات السنين وفي زيادة كارثية،وإلا فلماذا لم يقلِّ عددهم لو المسيحيين طمعانين في تبنيهم وتنصيرهم كمرتزقة؟! تناسوا أن المسيحية، إيمان ليس بحاجة لأوراق ثبوتية وليس بحاجة لحشد أعداد وجيوش، تلك الثقافة الجاهلية التي يفاخر بها من يعتنق ثقافة بدو الرمال الوافدة إلينا مع الرياح المتصحرة.

قانون التبني هو حل جذري لكارثة أطفال الملاجئ ودور الأيتام وإن كان حلاً جزئياً يقتصر على شريحة الأقباط فقط بالمجتمع ولاعلاقة للتبني بالدين ولا لزيادة عدد الأقباط كما يروج لها المغرضين والمتاجرين والمنافين وذوي العاهات الفكرية! ولا أتكلم هنا عن تحريم وتحليل للتبني في الأديان فليس هذا موضوعنا. فقط أرد على الحجج الواهية بتحريم التبني لإختلاط الأنساب، بأن تحليل البصمة الوراثية “DNA” الآن يكشف الأنساب بل وصل لما هو أبعد من هذا عن الجينات الوراثية. فقط هناك أسر قبطية حرمت من نعمة الإنجاب لسنوات طويلة وليس هناك طلاق للحالات التي لا تنجب، فلا يستطيع الرجل أن يتزوج على زوجته لينجب أولاد ولا تستطيع المرأة أن تُطلق من زوجها العقيم. و رغم أنه لا يوجد قانون يحظر التبني لكنهم لا يستطيعوا تبني طفل لأنه لا تبني وفقاً لقانون الأحوال الشخصية ذو المرجعية الإسلامية، والمحرومين من الإنجاب يحلمون بتبني طفل “بموافقة الوصي عليه”وإعتراف القانون بهذا التبني، لتكفل رعايته فينشأ سوياً بمجتمع أسري يضمن له حياة كريمة تحترم آدميته، وهذا القانون يجنب المجتمع الكثير والكثير من القنابل الموقوتة لهؤلاء الأطفال التي تقع فريسة سهلة وصيد ثمين لتجار البشر فهم عجينة طرية لصناعة الإرهاب الداعشي، تتلقفهم وتستقطبهم المنظمات الإرهابية العالمية و أولهم دولة الإسلام بالعراق والشام.

والحقيقة أن أطفال الشوارع بمصر عددهم تجاوز المليون بكثير جداً بحسب آخر إحصائية لمنظمة اليونيسيف لعام 2013، وهناك تصريح من ياسر على رئيس مركز المعلومات يقول أن عدد تجاوز 2 مليون طفل مقسمين لثلاثة فئات، مابين هاربين من أسرهم ليقطنون الشوارع أو يعملون لينفقوا على نفسهم ويعودون لأسرهم أو يعملون بالشوارع وأسرهم بالشوارع أيضاً، وكما صرحت وزيرة الشئون الإجتماعية نجوى خليل أن الجيل الثالث منهم أخطر بكثير ،لأنهم على حد قولها يتسموا بالعدوانية وعدم الإنتماء للمجتمع وفي زيادة مستمرة، يعني أصبحوا كتلة إرهابية موقوتة تهدد المجتمع في ظل تنامي ظاهرة الإرهاب على مستوى المنطقة كلها وليس بمصر فقط.؟! فيومياً نستيقظ على صرخة الحياة وطفل لقيط لأم تحجر قلبها فتركت قطعة من لحمها تأكلها الكلاب الضالة بالشوارع وقد تشفق قليلاَ عليه فتسلمه لأقرب ملجأ لتتخلص منه، أو يتيم تيتَّم و أبوه حيّ، تركه ليتزوج بأخرى. طفل بائس وُلد ويحمل في يده حكم موته بمجتمع لم يكن رحيماً به، و قبل أن يفتح عينه للنور ويفتح فمه للجوع، تعلو صرخاته وسط زحام المدينة وتبلد المشاعر و الضمائر التي تكفنت بوحشيتها.
والمسيحية لا تمنع التبني، لأنها لا تحرم ولا تحلل بل تفتح أبواب الرحمة للإنسانية لتأخذ بيد الضعيف والمسكين والفقير والمريض والمحتاجين لتلمس الرحمة والشفقة قلوبهم، فاللقطاء واليتامي و أطفال الشوارع هم «غرباء الطريق»، والغرب المتحضر الذي يصفونهم بالكفرة يواليهم رعاية خاصة ليعيد تأهيلهم كأطفال أسوياء فلا نجد عندهم أطفال شوارع مثلما يملأون مجتمعاتنا المتدينة و دولنا المؤمنة التي طالت فيها اللحية حتى وصلت لكروشهم الممتلئة! و هم اليوم أزمة تتفاقم لشريحة مجتمعية تنمو بسرعة مذهلة وتتكاثر بصمت لتعيش عالة على المتجمع، بالشوارع الخلفية و تحت المباني الإنشائية و تحت الكباري و داخل قطارات السكك الحديدية المهجورة كالكلاب الضالة المذعورة.
معاناتهم يراها جميع الناس، ولكنهم هبوا فقط وأخذتهم الحَمِيَّةُ حين سمعوا بمشروع التبني لكفالة الطفل المسيحي، ولم يهتزوا لآلاف الأطفال الضالة التي تملأ شوارعهم وأصبحوا العنصر الأساسي لزيادة معدلات الجريمة بمجتمع كان القاضي والجلاد عليهم فلم يرحموهم ولم يتركوا رحمة ربنا تشملهم وترعاهم، لكبروا ساخطين و ناقمين ومنتقمين على مجتمع زادهم مذلة!
فحماة الدين لم تجزع قلوبهم وهم يرون لحم الطفولة عارياً يملأ الشوارع ومنتهكاً من كل عابر سبيل يغتصب أجسادهم المستعبدة، ليموتون كل يوم جوعاً وبرداً وتشريداً. ولم تهتز ضمائرهم من حمل فتايات الشوارع سفاحاً وإغتصابهم تحت الكباري وأمام أعين صارت تتعامى عن رؤية واقع أليم. فقط ما يهمهم أي يد تمتد إليهم بالرحمة لتطعم جوعهم و تكسي عريهم الذي إفترسته ذئاب الطريق، وهل هي يد مؤمنة أم يد كافرة! ومش مهم طفل الشارع جعان ولَّلا عريان، منتهك عرضه ولَّلا مستور! المهم ديانته إيه وموالي لمين!. قبل أن تبحثوا وراء أطفال الشوارع عن ديانتهم أطعموا أفواههم لتسدوا جوع بطونهم، إنتشلوهم من حالة الضياع وأرفعوهم لمستوى إنسانيتهم.
أصبحنا نحصر أسباب تأخرنا وتخلفنا في عدم رجم القردة الزانية و عدم إرضاع الكبير و عدم التداوي بحبة البركة و عدم شُرب أبوال البعير و عدم نكاح الميتة ولا مفاخذة الرضيعة. وكما قال المتنبي أن غاية الدين حفْ الشوارب حتى سخرت من جهلنا الأمم. محنتنا تتلخص في أزمة الضمير الذي مات ودفناه غير آسفين عليه. حتى أصبحنا نتمرغ في ثقافة التباهي بالكم لا بالكيف، المهم عندنا الغلبة والتكتل والتكالب و ثقافة: اللهم احصِهم عددا و اهلكهم بددا ولا تبقى فيهم أحدا ! . فأصبحنا خير أمة نباهي العالم ونتسابق بتفريخ الإرهاب كمشروع إجرامي موقوت لتدمير إنسانيتنا قبل الأخرين، فيا حماة الدين و دعاة الهداية، لا تقذفوا بعجزكم عن حل أزمات المجتمع على شماعة الأقباط للحشد ضدهم، فهؤلاء الأطفال هم ثمرة أفكار التطرف لا التدين ، فكر حاد عن الحق وتمسك بقشرة التدين الكاذب ومن داخلها مملوءة بكل باطل، فاشفقوا على أطفال الشوارع قبل أن تسألوا عن ديانتهم واكفلوا لهم حياة كريمة لترحموا من بالأرض فيرحمكم إله السماء!

شاهد أيضاً

نعم للتنوير

بقلم مينا عماد من المحتمل ان نشهد في الأيام القادمة توسع ، وتغيير لكثير من …