الأهرام الجديد الكندى
تداولت مؤخراً مواقع إلكترونية كثيرة خبراً غريباً عجيباً عن تصريحات مريبة منسوبة للبابا فرنسيس، مفادها أن البابا فرنسيس يُعلن بأنه لا وجود لجهنم وأن قصة آدم وحواء هي خرافة وكل الأديان صحيحة… إلخ. ومما يؤسَفُ له أن مسيحيين روّجوا تلك الأخبار المُضلّلة على صفحاتهم الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنها سَبق صحفي. إننا نعذر قلة المعرفة، ولكننا لا نعذر قلة البحث أو الاستفسار عن الحقيقة. فرحت أبحث وأتابع مواقع إلكترونية عربية وأجنبية ووجدتها كلها تكرّر الخبر الباطل بطريقة ببغائية.
ولكن الموقع الكاثوليكي الشهير “National Catholic Register” كان الوحيد الذي فنّد الخبر وقدّم الحقيقة كاملة بوضوح وصفاء. وأكّد الموقع الموثوق بأن الخبر من ألفه إلى يائه عبارة عن فبركة أو خدعة الكترونية. وأشعر هنا بالواجب الرعوي أن أقوم بالتوضيح الضروري حماية لإيمان المؤمنين وإنصافاً لقداسة البابا وإظهاراً للحقيقة التي تعلّمها الكنيسة “عمود الحق وركنه” (1 طيم 3: 15)
استناداً إلى الموقع أعلاه، هناك نقاط عدة يجب معرفتها ونشرها:
أولاً: ما هي الأقوال التي نُسِبَت للبابا فرنسيس؟
يدّعي ناشر الخبر بأن البابا فرنيسيس قال في آخر تصريح له: “إننا من خلال التواضع والبحث الروحي والتأمل والصلاة، اكتسبنا فهماً جديداً لبعض العقائد. الكنيسة لم تعد تعتقد في الجحيم حيث يعاني الناس الألم. هذه العقيدة تتعارض مع الحب اللامتناهي للإله. فالله ليس قاضياً ولكنه صديق ومحب للإنسانية. والله لا يسعى إلى الإدانة، وإنما فقط إلى الاحتضان. ونحن ننظر إلى الجحيم (جهنم) كتعبير أدبي، كما في قصة آدم وحواء. الجحيم (جهنم) هي مجرد كناية عن الروح المعزولة، والتي ستتحد في نهاية المطاف، على غرار جميع النفوس، في محبة الله..
ويكمل الخبر أن البابا فرنسيس في خطابه الذي صدم الكثيرين والذي انتشر صيته عبر العالم قال أيضاً: “إن جميع الأديان صحيحة وعلى حق، لأنها كذلك في قلوب كل الذين يؤمنون بها. هل هناك وجود لأنواع أخرى للحقيقة؟ يضيف البابا قبل أن يجيب بأن “الكنيسة في الماضي، كانت قاسية تجاه الحقائق التي تعتبرها خاطئة من الناحية الأخلاقية أو تدخل في باب الخطيئة. أما اليوم نحن لم نعُد قضاة. نحن بمثابة الأب المحب، لا يمكن أن ندين أطفالنا. إن كنيستنا كبيرة بما يكفي لتسع ذوي الميول الجنسية الغيرية والمثليين جنسياً، وللمؤيدين للحياة ومؤيدي الإجهاض! للمحافظين والليبراليين والشيوعيين الذين هم موضع ترحيب والذين انضموا إلينا. نحن جميعا نحب ونعبد نفس الإله”.
ويزيد الخبر مصيبة أخرى عندما يورد قولاً آخر للبابا: “الإنجيل كتاب مقدس جميل، لكنه ككل الأعمال العظيمة القديمة هناك بعض الأجزاء منه عفا عليها الزمن وتحتاج إلى تحيين (أي جعلها آنيّة)… آن الأوان لمراجعة هذه الآيات واعتبارها كزيادات لاحقة لأنها تتناقض مع رسالة الحب والحقيقة التي سطعت من خلال الكتابة”.
الأسئلة كثيرة هنا: كيف ومتى ولماذا وأين قال البابا فرنسيس هذا الكلام؟؟؟
لا جواب ولا تعليق سوى المثل الشعبي: “مجنون يحكي، وعاقل يسمع”!!!
ثانياً: من أين جاءت الخدعة؟
ظَهرَ هذا الكلام على مدونة إلكترونية باسم: Diversity Chronicle Blog.
ومحتوى التعليق الوارد في المدوّنة كتبه كما يظهر صاحب المدوّنة نفسه واسمه: Erik Thorson.
بعد ذلك، راحت الرواية المزعومة تنتشر على المواقع المختلفة وبدون أي تدقيق في مصداقية الخبر.
ثالثاً: كَيفَ نَعْرفُ بأنّها خدعة؟
من خلال عِدّة وسائل وأسباب. وأولها بأن الكلام المزعوم أعلاه جاء على لسان البابا فرنسيس في كلمته بمناسبة اختتام أعمال المجمع المسكوني الفاتيكاني الثالث. ويكتب صاحب المدوّنة ما يلي:
“على مدى الستة أشهر الماضية، تدارس مجمع الكرادلة والبطاركة والأساقفة واللاهوتيون الكاثوليك في مدينة الفاتيكان وناقشوا مستقبل الكنيسة وأعادوا تعريف العقائد الكاثوليكية التي لم تُمَس منذ أمد طويل. إنّ المجمع المسكوني الفاتيكاني الثالث، وبلا شك هو الحدث الأكبرُ والأكثر أهمية منذ المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي اختُتم سنة 1962. (والصحيح أنه افتُتح في العام 1962 وأختتم أعماله سنة 1965). ويزعم الخبر أيضاً بأن البابا فرنسيس دعا المجمع الجديد إلى “أن يُنهى عمل المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني… أخيراً”. ويضيف المدوّن تعقيباً: وبينما رفض بعض التقليديين والمحافظين في أقصىِ اليمين هذه الجُهودِ، فقد أبتهج بها التقدميون حول العالمِ”.
ويختم الخبر بقوله: “إن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثالث الذي يُختتم اليوم مع البابا فرنسيس يُعلنُ بأنّ الكاثوليكية الآن قد أصبحت “ديناً عصرياً ومعقولاً، بعد أن مَرَّ بالتغييراتِ التطوّريةِ الثورية”.
وبالطبع، فإنكم تعرفون جيداً بأنه لم ينعقد أي مجمع كنسي عالمي باسم المجمع المسكوني الفاتيكاني “الثالث”. ولو تمّ ذلك لكان الخبر الأبرز في جميع أنحاء العالم لمدة شهور، ولعرف به حتى أقل المسيحيين اهتماماً بشؤون الكنيسة. فالمجامع الكنسية المسكونية (العالمية) هي أحداث تاريخية ضخمة في حياة الكنيسة والمؤمنين.
رابعاً: كيف نتأكّد من أنها خدعة؟
من الموقع نفسه الذي نشر الخبر – الأكذوبة. فهو يذكر أن المدوّنة بالأصل هي ذات محتوى هجائي كبير وساخر. ويستشهد ناشرها بقول منسوب للعالِم والكاتب الألماني جورج كريستوف ليشتنبرغ المشهور بأقواله الساخرة يقول فيه: “لقد تَوقّفتُ في سَنَةِ 1764 عن الاعتقاد بأنه يُمكن لأحد أن يُقنع معارضيه بالحججِ المطَبوعة في الكتب. وليس من أجل ذلك وافقتُ أن أمسك قلمي وأكتب، بل لكي أسبب لهم الإزعاج، ولأمنح القوّة والشجاعة لأولئك الذي يقفون إلى جانبنا، ولأعلن للآخرين بأنهم لم يقنعونا أبداً”.
ويعلق صاحب المدوّنة الساخرة بأنه يكتب في روحِ الاقتباس أعلاه، وأنه قام بإنشاء هذه المدّونة لتسليتِه الشخصية والخاصة. ويطلب الناشر في النهاية من الذين أعجبتهم المعلومات والأخبار الواردة في مدوّنته أن ينضموا إلى “نادي المعلومات السري” لديه ليرسل لهم تشكيلة من المواضيع الساحرة المرتبطة بالإيمان الكاثوليكي.
ملخص الكلام، إن الخبر وإن كان صادراً عن نكتة وسُخرية، ولكنه –مع شديد الأسف- أثبت بالرغم من غرابته أنه من السهل إقناع أو اقتناع البعض بأنه “تعليم جديد” لرأس الكنيسة. وبما أن الحكمة الإلهية سبق وأعلنت: “لقد هلك شعبي من عدم المعرفة” (هوشع 4: 10)، فإننا نرجو الجميع وبخاصة أبناءنا وبناتنا المؤمنين التأني والحذر في تصديق تلك الأخبار والمعلومات المتعلّقة بالكنيسة والإيمان والتي تنشرها مواقع مشبوهة تفتقر للدقة والمصداقية. وأن يتوجهوا إلى من لديهم المعرفة والعلم والرسوخ، لأنه “هنالك قوم يلقون البلبلة بينكم، وبغيتهم أن يُبدّلوا بشارة المسيح” (غل 1: 7).
وفي الختام، أعيد عليكم كلمات رسول الأمم بولس الذي يوصينا: “وأحثّكم، أيها الإخوة، أن تحذروا الذين يُثيرون الشقاق ويُسَبِّبون العثرات بخروجهم على التعليم الذي أخذتموه. أعرضوا عنهم، فإن أمثال أولئك لا يعملون للمسيح ربنا… وأريد أن تكونوا في الخير حاذقين ومن الشر سالمين” (روم 16: 17-19).