بقلم — نانا جاورجيوس .
ما بين 6 أكتوبر73 و بين 9 أكتوبر2011 سقط آلاف الشهداء ولكن الفرق أن شهداء 6 أكتوبر إستشهد القبطي فوق دبابته بـ إيدين أعداء الوطن من الخارج وهو ممسكاً بسلاحه يثأر لتطهير أرضه و كان قاتِله معروفاً، وأريقت دمائهم لإسترداد كرامة المصري، دماءٌ إختلطت فيها روح الشهيد المسلم مع روح الشهيد المسيحي بلا تمييز، دماءٌ سالت لأجل الحفاظ على وحدة وطن و كرامة شعب لم يغلبه عبر تاريخه أي محتل بل صارت أرضه مقبرة للأعداء و الدخلاء والخونة. ثلاث سنوات مرت على مذبحة أقباط ماسبيرو وحتى الآن الكائن القبطي هو الإنسان الوحيد في العالم من يُقتل بلا قاتل ولا جاني يظهر وإن ظهر فيكون دائماً جاني مجنون! في 9أكتوبر دُهس الأقباط تحت الدبابة و قُتلوا بإيدين أخوة الوطن و كالمعتاد القاتل مجهول!
منذ بداية السبعينيات والمشهد المصري يزداد قتامة كل يوم بعد أن غازل السادات التيارات الإسلامية وسمح للإخوان والإسلاميين ممارسة نشاطاتهم الدعوية خصوصاً داخل الجامعات المصرية فحرموا الفن والمسرح والحفلات الغنائية وظهر الحجاب لأول مرة داخل الحرم الجامعي، وبدأت هجمات الإرهاب الديني تزداد عنفاً وشراسة، وبدأ الشارع المصري تتغير ملامحه وتسوده ملامح الداعشية و يزداد كراهية و تعصباً ونبذاً للأقباط في الحياة اليومية كلما زاد التدين، رغم أن المفروض أن في التدين تزداد مساحة التسامح الديني و المحبة والإخوة الإنسانية وتُمحى أي تمييز عنصري وديني مقيت. حتى المؤسسات الحكومية بدأت عملية إقصاء للأقباط من التعيينات في الوظائف خصوصاً الرفيعة منها، كذلك المؤسسات العسكرية والشرطية بدت بعد حرب 73 شبه خالية من الرُتب القبطية بعد أن كانوا العنصر الأساسي والمتفوق و السبب المباشر في قيادة الحرب نحو تحقيق النصر.
فإن كان هناك تساوي في الواجبات الوطن فلماذا لا يكون نفس التساوي في حقوق المواطنة؟! ولماذا الأقباط هم الأكثر نصيباً و حظاً وافراً من الحرق والخراب والنهب والقتل والتنكيل بمذابح إبادة جماعية متورطة فيها أجهزة الدولة؟! صحيح الأقباط يدعمون جيش وطنهم قلباً وقالباً ولكن ليس معنى الدعم أن ندعم أخطائهم ونتستر عليها و نبرئ قادة المجلس العسكري السابق الذين أرتكبوا المذابح في حق شهداء ماسبيرو والمقطم ودير الأنبا بيشوي بإبادة جماعية لا تسقط بالتقادم، لهذا ستبقى المذابح وصمة فوق جبين كل من تورطت يداه في إراقة دماء الشهداء، و طالما ليست هناك مسائلة قانونية ستبقى جرائمهم شاهدة عليهم، وخصوصا مذبحة ماسبيرو فهي جريمة مع سبق الإصرار إشتركت فيها أجهزة الدولة الأمنية و الإعلامية و قام جهاز القضاء بالتستر على مرتكبيها. فلمصلحة مَنْ إحراق الوطن؟!
ولماذا لم يحاسب بلطجية النظام و المسئولين الذين كانت لهم يد واضحة ومازالت ملوثة بدماء الأقباط بدءاً من داخلية حبيب العادلي وتفجيرات كنيسة القديسين بالأسكندرية ليلة رأس السنة وقبل 25 يوماً فقط من ثورة يناير، مروراً بأحداث كنيسة أطفيح و حرق السلفيين لها وهم الذراع الأيمن الحكومي آنذاك وحرقهم لكنائس إمبابة و مذبحة ماسبيرو والمتورطين فيها، أين اللواء حمدي بدين الآن ولماذا لم يحاسب حتى الآن، ومن أعطى الأوامر بتحرك الدبابات لدهس الأقباط بهذه الصورة البشعة؟! و وزير الإعلام ومذيعة النظام رشا مجدي التي كافأتها الحكومة على تحريضها المواطنين الشرفاء عبر الشاشة بأن المتظاهرين الأقباط ضربوا قوات الجيش بالأسلحة و الملوتوف لتظهر بإحتفالات أكتوبر هذا العام وكأن ظهورها في ذكرى أيام المذبحة بالذات لتذكرنا بأنها كانت فم الأفعى الذي بخ سمومه في النار لإشعالها! وأحداث مذبحة المقطم وضرب دير الأنبا بيشوي بالآر بي جي، ليأتِ الإخوان والسلفيين على حرق ونهب وتدمير أكثر من 80 كنيسة وأملاك قبطية لاحصر لها في أنحاء الجمهورية ليتركوا بصمتهم من الخراب الإنتقامي وهم يجرون أذيال خيبتهم.
بالرغم أن الأقباط كانوا قادرين على الرد والإنتقام والدفاع عن أرواحهم وممتلكاتهم وقتها، فمن حمل سلاح حرب 73 قادر على حمل نفس السلاح ليرد إليهم الصاع صاعين ويثأر لمقتل أولاده وخطفهم طلباً للفدية وحرق كنيسته و ممتلكاته وخطف نسائه والإعتداء على بيته وحرماته. و أهو فوضى بفوضى في بلد سقطت فيه هيبة قانونه، ووقتها لم نكن بعيدين عن إندلاع حرب طائفية لتصير مصر لبنان ثانٍ.
فإن كانت داعش دوخت العالم بـ40 أو 50 ألف إرهابي ألا يعتقد من يمارسون إرهابهم الداعشي المنظم ضد الأقباط أن من ضمن الـ عشرين مليون قبطي يستطيع أن يخرج منهم 50 ألف يمسكوا نفس السلاح ويقفوا في وجه المليشيات المنظمة التي تحتمي في ظل منظومة أمنية يخترقها التيارات الإسلامية حتى فساد مفاصلها ؟! الفرق يا سادة معروف وهو أن الضمير القبطي حيِّ و يحب الحق ويعشق الحياة و الإنسانية، فلم يتربى القبطي على تعاليم دموية ولا وحشية الدواعش كما تربي وترعرع الداعشي في حضن من والاه وحوله لوحش كاسر بلا ضمير!
و كان يمكن أن نتاجر بدماء أبنائنا بالخارج ونطلب نجدة أعداء الوطن كما فعل الإخوان حين سحب الكرسي وبساط الحكم من تحت أقدامهم فهرعوا يستنجدون بامريكا. ولكن القبطي لم يعتاد على أسلوب الإنتقام « علىّ وعلى أعدائي» الذي ينتهجه الدواعش، حفاظاً على أمن وسلامة وطنه وأرضه التي يعشق ترابها، في وقت كان يخطط الخونة والإسلاميين لتقسيم الوطن وعقدوا الصفقات المشبوهة لتفتيت الأرض و بيع سيناء بأبخس الأسعار لإقتطاعها لأهلهم وعشيرتهم من أرهابيي حماس. فلم يُربى القبطي في بيته وكنيسته على الخيانة و الوحشية والإرهاب. بل على حب وطن يعيش فينا حتى النخاع، فلا يستطيع خائن اليوم أن يشكك في نزاهة او يزايد على وطنية الأقباط بعد كل المواقف العصيبة التي كان للأقباط يد أمينة فيها للخروج بالبلاد لبر الأمان.
تماماً كما تُذكَرنا قصة المرأتين اللتين أتتا سليمان الحكيم تشتكيانه لتدعي كل إمرأة بأن الطفل الحيّ هو إبنها والطفل الميت هو إبن الأخرى، فما كان من الملك إلا أن أمر بشطر الطفل نصفين لتأخذ كل إمرأة نصفه، فوافقت الأم المزيفة وطلبت حقها في الطفل، أما أمه الحقيقية تنازلت عن طفلها حفاظاً على حياته كي لا تفقد فلذة كبدها للأبد، وقَالت: «اسْتَمِعْ يَا سَيِّدِي. أَعْطُوهَا الْوَلَدَ الْحَيَّ وَلاَ تُمِيتُوهُ». وَأَمَّا تِلْكَ فَقَالَتْ: «لاَ يَكُونُ لِي وَلاَ لَكِ. اُشْطُرُوهُ»«ملوك الأولى3: 26»
هذا تماماً ما فعله ويريده الخونة، هو شق وحدة الوطن لتقسيمه، فإنتماءاتهم و ولائهم للخارج لأسيادهم من يدفعون لهم!، مصر حماها الله من إيدين أعدائها فقط لأن الأقباط صمتت على ممارسات الإسلاميين التابعين لفساد النظامين المباركي والإخواني، صمت الأقباط ليس ضعفاً ولا خنوعاً ولا جبناً ولكن خوفاً على حرق هذا الوطن بحرب تأكل كل أخضر و يابس، وهم من دفعوا الكثير والكثير ودفعوا ثمن كل المواقف الحاسمة والأزمات و الإنتكاسات السابقة. كان المفروض يختشوا على دمهم حين صرح البابا تواضروس وقت حرق ونهب الكنائس:{إن للحرية ثمن غالٍ وإن حرق الكنائس هو جزء من هذا الثمن نقدمه لبلادنا بصبر وحب}.
أحداث دير العذراء بجبل الطير الأخيرة و قصة إختطاف السيدة إيمان مرقص صاروفيم تكشف أن هناك خلل في المنظومة المنية وأن الخطف ممنهج و برعاية رسمية وعصابات عبارة عن شبكة تربط محافظات مصر ، خصوصاً أن حالة خطف الدكتور وديع رمسيس بسيناء و في أثناء كلامه ذكر أن كان مختطف معه شخص يدع«مينا ماهر ميخائيل عازر»من منطقة حلمة الزيتون- ش طومان باي، لأجل فدية مليون جنيه وسافروا به من القاهرة لجنوب سيناء. أصبحت جيوب الأقباط مصدر رزق يتقاسمه الخاطفين بتواطؤ امني كما ذكر الدكتور وديع!.
فالرجال يخطفون للفدية أو القتل، والنساء يخطفن لإحتلال الأرحام وتذويب العرق القبطي بالقوة الجبرية كما كان يحدث وقت الغزو العربي لمصر قبل 1400 عاماً. إما التنكيل بهم لو تكلموا وإعترضوا على أساليبهم الوحشية! وكما قال الدكتور وديع أن الأمن المشارك الأول والمحرض الأول لعمليات الخطف الممنهجة ضد الأقباط.
فأين دور الحكومة الجديدة، من فتح الملفات القديمة ومحاسبة المتسبب عن كل جريمة وهو معروف لديها بالإسم فمنهم مسئولين مازالوا في أماكنهم بالدولة؟ أين محاسبة أفراد الأمن من أطلقوا القذائف والقنابل على الكاتدرائية في عهد الإخوان و وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم؟! وأين إعتذاره عن الأخطاء والتصاريح الكاذبة التي روج لها في موضوع خطف و أسلمة سيدة جبل الطير، والتي بسببها قام رجال أمن المنيا بضرب وإهانة وسرقة ممتلكات أقباط القرية.
كان رد سيادة الوزير جاهز، لماذا ؟! الإجابة معروفة ومش محتاجة لتفكير، أن هذا هو منهج الداخلية مع الأقباط وملفهم القبطي منذ عهد الإخواني حبيب العدلي الذي ألغى جلسات النصح والإرشاد لتسهيل مهمة مؤسسة الأزهر في طبخ وسلق وطرمخة إجراءات الأسلمة، فأصبحت محنة نساء الأقباط مع الأسلمة ممثلة في « المنتقبة الدوبلير» التي تتم بها الإجراءات بدلاً من الضحية، لتجد الضحية نفسها بين ليلة و ضحاها ممسوحة من سجلات الدولة و أنها مسلمة رغم أنفها ولا تعلم عن إسلامها إلا إسمها الجديد الذي لم تختره ولا يمت لها بعلاقة ولا تعرف عن دينها الجديد سوى أن الحكومة و الأزهر فرضوه عليها بقوة القانون وبأختامه الرسمية المزيفة، أنها شبكة الفساد المستشري التي تربط أنحاء الجمهورية يستخدم فيه القانون ضد المواطن لا لإعطائه حقوقه وإنصافه! ليتم تسهيل عمليات خطف الذئاب للنساء بسهولة وبدون محاسبة، حفاظاً على حياة الخاطفين و سلامة الأمن القومي للبلاد!
منذ أيام السادات و تحويل ملف الأقباط لأمن الدولة وكأنهم دايما في موضع إتهام ومسائلة لا عن شيء سوى كونهم مسيحيين! حتى متى تكلموا وفضحوا الظلم والطغيان يكون المشهد الذي رأيناه من رجال سيادة مدير أمن المنيا وعقاب جماعي لقرية مسيحية بأكملها لأنهم طالبوا برجوع الأم لأولادها! فما زالت المنظومة الأمنية تتبع نفس الإسطوانة المشروخة إياها، أضرب المربوط يخاف السايب، بأسلوب سيب وأنا أسيب، تقبض على شوية أقباط ككبش فداء وتحتجزهم على ذمة قضية ملفقة حتى يتنازل الأقباط عن حقوقهم في سبيل إطلاق سراح المقبوض عليهم ظلماً بعد دفع آلاف الجنيهات كفالة يفرضها القضاء كجزية مضعَّفة من جيوب المظلومين و بدون وجه حق!
نداء للسيد رئيس الجمهورية لماذا لا تغلق هذه الإسطوانات المشروخة والمتهرئة من كثرة تكرارها في كل الأحداث والأزمات العنصرية التعصبية؟! هل من المنطق تكرار نفس الأخطاء بنفس سيناريوهاتها وأحداثها ولا نجد لها حلاً ولم نتعلم من أخطائنا حتى الآن، فكيف نتطلع لمصر جديدة بنفس أساليب الممارسات الممنهجة القديمة؟!
قديماً قال أينشتاين: «الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الاسلوب ونفس الخطوات وإنتظار نتائج مختلفه!» فإلى متى يظل وضع الأقباط من سيء لأسوأ؟ ومتى يتم إبطال سياسة الكيل بمكيالين لتعميم سيادة القانون؟ ومتى سيتم تحري الشفافية و إعادة فتح التحقيقات والملفات التي تم طرمختها للحكومتين السابقتين بدءاً من مذبحة كنيسة القديسين بالأسكندرية ومحاسبة الجناة وهم معروفين بالإسم للداخلية ومتى يتم التحقيق مع المسئولين المتسببين في مذابح ماسبيرو والمقطم ودير الأنبا بيشوي أيام حكم المجلس العسكري؟ ومتى يتم تفكيك عصابة الدواعش المعششة داخل مؤسسة الأزهر؟! و للحكومة الجديدة و وزير داخليتها نذكركم دائماً أن فوق العالي عالياً يلاحظ والأعلى فوقهما، و لو كانت دامت لغيركم ما كانت وصلت يوماً إليكم.
الوسومنانا جاورجيوس
شاهد أيضاً
ايهاب صبرى يكتب : الطبخة استوت وريحتها فاحت
منذ اندلاع ثورة يناير وبدأ الشعب المصري فى فقدان الهوية المصرية وشيئا فشيئأ طبخ علي …