مدحت موريس
القصر مغلق من الخارج، جاء الصوت من احد الذين توجسوا ثم هرعوا محاولين الخروج من القصر ووجدوا انفسهم اقزاماً امام الباب العملاق المغلق باحكام لا تتسلل منه حتى نسمات الهواء.
ترددت الجملة على شفاه الضيوف السجناء الذين تراوحت تعبيراتهم ما بين الدهشة والاستنكار وايضاً التوجس الممزوج بالخوف، ثم تناثرت همهمات وهمسات غير مفهومة بين الموجودين حتى صاحت احداهن بصوت عال ” ايه معنى حبستنا دى؟ علشان ايه؟ ولمصلحة مين؟ وح نفضل لامتى محبوسين؟
قالت الكلمات الاخيرة بصوت مرتعش كان كفيلاً ببث الرعب فى قلوب الاطفال الذين التصقوا بصدور امهاتهم ، تبارى الرجال فى محاولة فك اللغز الذى احاط بهم ومحاولة ايجاد مخرج من تلك الورطة فأخرج احدهم هاتفه المحمول محاولاً الاتصال بابنه الاكبر الذى لم يحضر معهم مفضلاً مجلس القهوة مع اصدقائه ولكن عبثاً فقد وضع الهاتف فى جيبه مرة اخرى بعد ان تذكر نفاذ كارت الشحن لكنه ابتسم للعيون التى تعلقت به معللاً الامر بضعف الشبكة داخل القصر لكن جاره زاده خجلاً عندما اخرج هاتفه محاولاً الاتصال ولكن الطرف الآخر لم يرد على اتصاله. قضى الامر ولا بد من التصرف…توكلنا على الله.
هكذا قال ذو اللحية وهو يسحب احد المقاعد ويحمله ويدق به على احد النوافذ مرة ثم اثنتان فثلاث…ثم تراجع الرجل بعدما القى بالمقعد جانباً وعيناه ساهمتان نحو زجاج النافذة…قال ذواللحية بصوت عال…ياللشيطان لقد تحطم المقعد ولم تصب النافذة بخدش واحد، والله ان هذا لعمل من اعمال الشيطان، سألته جارته فى العمارة المجاورة اى عمل شيطانى هذا يا عم الشيخ نظر اليها ولم يرد لكنه وقف فى منتصف القاعة وقد اصابته حالة من الهياج “لقد تعمد رفعت هذا ان يحبسنا هنا لغرض ما فى نفسه ومن يدرى فربما نواجه نهايتنا هنا، تدخل الاستاذ محمد سليمان – ولم يكن على وفاق مع الشيخ لان الشيخ كان يحتقره باعتباره رجل رقيع يدرس الموسيقى والاناشيد بمدرسة الحى ويحرض الاطفال على الفسق والفجور- لهذا سخر الاستاذ محمد سليمان من كلام الشيخ قائلاً صحيح ان الامر غريب لكن لا بد ان هناك سبباً او اسباب ادت الى كل هذا لذا علينا الانتظار حتى……
لكن معظم الحاضرين قاطعوه معترضين على رأيه بصورة قاطعة . وعلى الرغم من التوتر السائد الا ان نشوة الانتصار بدت على وجه الشيخ بعد ان اسكت الحاضرون محمد سليمان. صرخت احدى السيدات وهى تترنح بعد ان وجدت صعوبة فى التنفس وكان الشيخ هو اقرب الحاضرين اليها فاسرع بفرد ذراعيه ليسندها لكنها ارتمت على صدره فامسكها من جانبيها وجرها جراً بعدما تراخت ساقيها فاراحها على الاريكة واسرعت احدى السيدات فاخرجت زجاجة عطرها وقربته من انفها. نظر الشيخ حوله ثم نظر الى السيدة النائمة على الاريكة والتى طالما انتقدها لتبرجها وتسببها فى اثارة الفتنة فى نفوس المؤمنين وتعجب كيف لم يشعر بشىء وهى ملقاة فى حضنه وذراعيه تلامسان جسدها. انتقلت عدوى الاختناق وصعوبة التنفس بين الحاضرين خاصة بين السيدات والاطفال وارتمى معظمهم على المقاعد والارائك عندئذ صرخ فتحى الهوارى صاحب محل الحلاقة الوحيد فى الحى بالتأكيد هناك تسرب للغاز وليس مستبعداً ان يكون هذا التسرب متعمد. عادت نفس السيدة للسؤال ولمصلحة مين نتحبس او نختنق هنا؟ اجاب الشيخ ذو اللحية فى بساطة لكى يمتلك الحى يحبسنا ويهددنا ثم يساومنا …
اسلوب قذر ومجرم وهذا ليس بالغريب على رجال الاعمال امثال رفعت المنياوى. اهتاج الحاضرون وبدأوا فى قذف النوافذ بكل ما تطوله ايديهم فالنوافذ هى املهم الوحيد فى الخروج من محبسهم. وسط الضجيج كان الاستاذ عبد المعطى حمودة الموظف بمكتب البريد يحاول الاتصال بالنجدة ويشرح لهم الموقف وعلى الطرف الآخر لم يستطع رجل النجدة ان يفهم طبيعة البلاغ او فحواه فاغلق الهاتف وعلق الشيخ على هذا بأن الامر صار اكثر وضوحاً فالشرطة والحكومة كلها تتواطأ مع رفعت المنياوى ” وهى من امتى الدولة بتهتم بالفقراء”. لقد اتضحت خيوط المؤامرة فقد اتى هذا الرفعت راشياً رجال الدولة من اجل الاستيلاء على الحى بمحلاته وعماراته ويحوله الى حى حديث كما سمعنا وكل هذا على حسابنا وحساب اطفالنا. انتزع احدهم الهاتف من عبد المعطى حمودة متصلاً بقهوة الميدان وعندما رد عامل القهوة على الهاتف شرح الامر له طالباً منه ان يجمع الرجال ويأتوا ليحرروا اخوانهم من سجن قصر المنياوى.
سرى الهدوء فى نفوس الحاضرين وحبسوا انفاسهم فى انتظار العون الخارجى…
وجلس بعضهم على الارض بعدما تحطمت معظم مقاعد وارائك القصر وايضاً المناضد الخشبية الثمينة. بعد اقل من ساعة توافد العشرات امام قصر المنياوى وكان البعض منهم يحمل مشاعل…ومع ظهورهم ارتفع صراخ من بداخل القصر وعلت اصوات من هم بخارج القصر وعلى الرغم من ان باب القصر الحديدى كان مفتوحاً الا ان الكثيرين اقتحموا القصر بعد تدمير اسواره على امتداد مساحته وارتفع الصياح بنشوة الانتصار واخذ القادمون من الخارج يدكون باب القصر من الخارج بالاعمدة الرخامية التى انتزعوها من النافورة الموجودة بحديقة قصر المنياوى ومع صلابة الباب الخشبى الكبير تحطمت كل الاعمدة الرخامية لكن باب القصر الكبير لم يسلم ايضاً من التشوه.
حاول بعض الصبية تحطيم النوافذ فقذفوها بالحجارة لكنها لم تتأثر حتى تفتق ذهن احدهم فالقى بحجر كبير على الجزء العلوى من باب القصر وكان عبارة عن شرائح زجاجية مُعشقة فى الخشب وتحطم الزجاج فهلل المتظاهرون بالخارج وتهلل المحبوسون بالداخل بالرغم من دهشتهم لرؤية وجوه غريبة عليهم لا تنتمى للحى قد جاءت لنجدتهم !!!!تهلل الجميع بتحطم الزجاج رغم ان الفراغ الناتج من تحطم الزجاج لا يسمح بمرور قطة صغيرة منه بالاضافة الى ارتفاعه الذى يحتاج الى سلم مطافى للوصول اليه لكنها نشوة الانتصار كما يظنون. ارتفعت اصوات سارينة سيارة الشرطة تتبعها عدة سيارات اخرى نزل رجال الشرطة فتراجع المتظاهرون المنتشرون حول القصر والذين جاءوا لنصرة اخوانهم رهائن قصر المنياوى وظهرت سيارة شرطة كبيرة هبط منها رجال اشداء من رجال مكافحة الشغب وانتشروا حول القصر ثم خرج من سيارة الشرطة عدة رجال من القيادات ثم هبط من السيارة السوداء الشخص الانيق الذى دعاهم للذخول لقاعة الطعام منذ ساعات ثم اخيراً ظهر وجه آخر يعرفونه جيداً احاط به رجال الشرطة من كل جانب لحمايته من اعتداء سكان الحى وان لم يستطيعوا ان يمنعوا صيحات الاستهجان والالفاظ البذيئة التى وجهوها اليه وقد بدا وجهه متجهماً وحزيناً وهو يرى ما تخرب من قصر المنياوى….واخيراً ظهر رفعت المنياوى.
الجزء الثالث والاخير فى العدد القادم.
مدحت موريس
(voicy2005@yahoo.com)
تعليق واحد
تعقيبات: الملكة ترفض الرحيل – جريدة الأهرام الجديد الكندية