منذ الظهور المفاجئ لتنظيم الدولة الإسلامية المتشدد على الساحة، تصدرت أخباره وما يمارسه من دموية عناوين الأخبار الرئيسية، ولكن كيف يمكن تفسير تلك الوحشية التي يمارسها التنظيم؟ سؤال وجهناه إلى فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
بات تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يعرف في السابق بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، مرادفا للوحشية، لما ارتكبه من عمليات ذبح وصلب ورجم ومجازر ودفن ضحايا أحياء وتطهير ديني وعرقي.
ففي الوقت الذي تبدو فيه هذه الوحشية بلا تفسير لدى الأغلبية المتحضرة، الا أنها على النقيض من ذلك بالنسبة للتنظيم الذي يرى في هذه الوحشية خيارا مبررا، وقرارا نابعا من وعي التنظيم من أجل ترويع الأعداء، والتأثير في الآخرين وتجنيدهم.
ويتمسك تنظيم الدولة الإسلامية بعقيدة الحرب الشاملة دون قيود أو حدود – فلا يوجد، على سبيل المثال، فصل في خصومة بالتحكيم أو حل وسط عندما يتعلق الأمر بتسوية نزاعات حتى ولو كانت مع خصوم من الإسلاميين السنة، وعلى نقيض سلفه تنظيم القاعدة، لا يقدم تنظيم الدولة الإسلامية تفسيرا دينيا يبرر جرائمه.
فجذور أعمال العنف لديه يمكن رصدها في موجتين سابقتين، على الرغم من كون نطاق ووحشية أفعاله تجاوزت هاتين الموجتين.
الموجة الأولى، كانت على يد تلاميذ سيد قطب، وهو مفكر اسلامي مصري متشدد يعد أبو كبير منظري الجهاد الحديث، استهدفت هذه الموجة الأنظمة العربية العلمانية الموالية للغرب أو ما وصفوه بنظرية “العدو القريب”، لكنهم بمرور الزمن أظهروا عزوفا عن اللجوء إلى العنف السياسي.
بدءا من اغتيال الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات عام 1980، تبدد هذا التمرد الإسلامي في نهاية تسعينيات القرن الماضي، بعد أن أودى بحياة نحو ألفي شخص، وشهدت هذه الحقبة ذهاب عدد كبير من المتشددين إلى أفغانستان لقتال عدو عالمي جديد، هو الإتحاد السوفيتي في ذلك الوقت.
“آلة للقتل”
أفضى الجهاد الأفغاني ضد السوفييت إلى بزوغ الموجة الثانية، وبهدف محدد، وهو ما يعرف باسم “العدو البعيد” أو الولايات المتحدة وحتى أوروبا، بمدى أقل.
كانت هذه الموجة بقيادة ثري سعودي تحول ألى “ثوري” هو أسامة بن لادن.
ذهب بن لادن إلى حد تبرير الهجمات التي نفذها تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001 بأنها “جهاد دفاعي”، انتقام من الهيمنة الأمريكية التي تمارس على المجتمعات المسلمة.
واستطاع بن لادن، مدركا لأهمية كسب القلوب والعقول، أن يبيع رسالته للمسلمين وحتى الأمريكيين وترويج فكرة الدفاع عن النفس، وليس العدوان.
لكن هذا النوع من التبرير لا يلقى رواجا لدى زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي، الذي لا يعبأ بما يعتقده العالم بشأن سفك الدماء.
لقد تمادى هو جماعته في واقع الأمر في إظهار الهمجية والوحشية.
وعلى نقيض الموجتين الأوليين، يشدد تنظيم الدولة الإسلامية فعليا على أعمال العنف على حساب الدين والنظرية، ونجده لم يقدم أي حصيلة فكرية تحافظ على قاعدته الاجتماعية وتغذيها. إنه آلة للقتل تعمل بالدماء والحديد.
ويذهب ما بعد مبدأ بن لادن الذي يقول “عندما يرى الناس حصانا قويا وحصانا ضعيفا، فإنهم سيختارون بطبيعتهم الحصان القوي”، فالبغدادي يرى “النصر عبر الارهاب ” وهي اشارة للأصدقاء والأعداء بأن تنظيم الدولة الإسلامية هو الحصان الفائز. ورسالته هي “إما أن تبتعد عن الطريق أو يكون مصيرك الهلاك، إنضم إلى القافلة واصنع التاريخ”.
وتظهر أدلة متزايدة على أنه خلال الشهور الماضية، لبى المئات، إن لم يكن الآلاف، من الأعداء اللدودين في السابق للتنظيم، أمثال جماعة جبهة النصرة و الجماعة الدولة الإسلامية، نداء البغدادي.
“الصدمة والترويع”
وتروق حملة التوعية تنظيم الدولة الإسلامية المعقدة للشباب السني الساخط والمضلل فكريا في شتى أرجاء العالم، لأنهم ينظرون إلى التنظيم نظرة الجيش القوي الذي يجلب النصر والخلاص.
وبعيدا عن الاشمئزاز من وحشية التنظيم، ينجذب المتطوعين الشباب لأساليب الصدمة والترويع المتبعة مع أعداء الإسلام.
وكان للمغانم التي حصدها التنظيم في ميدان المعركة، لاسيما الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق وتأسيس خلافة إسلامية، أصداء للقاصي والداني. ولا شيء يؤثر كالنجاح، فالمكاسب العسكرية الأخيرة حققت للتنظيم طفرة كبيرة في مجال تجنيد الاتباع.
لقد انضم مسلمون في الدول الغربية إلى تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المتشددة الأخرى لأنهم شعروا بأنهم جزء من مهمة أكبر، وهي إحياء الخلافة الراشدة الضائعة وأنهم جزء من مجتمع خاص متماسك له هوية قوية.
هاجر كثير من الشباب في البداية من لندن وبرلين وباريس وأماكن أخرى إلى أراضي الجهاد للدفاع عن المضطهدين دينيا، وانتهى بهم المطاف في قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، وارتكاب شرور الأفعال التي تمارسها، مثل ذبح الأبرياء من المدنيين.
ويمكن رصد جذور القوى المحركة لتطرف تنظيم الدولة الإسلامية في تنظيم القاعدة في العراق، بزعامة أبو مصعب الزرقاوي، الذي قتله الأمريكيون عام 2006.
وليس على النقيض من سلفه، يكن تنظيم الدولة الإسلامية كرها كبيرا للشيعة وسخطا شديدا على الأقليات بوجه عام، فهو يرسم لنفسه صورة قائد السنة العرب في الحرب على أنظمة حاكمة تقوم على الطائفية في بغداد ودمشق.
فالزرقاوي والبغدادي ينظران إلى الشيعة على أنهم كفرة وطابور خامس في الإسلام ينبغي القضاء عليهم، وهي نظرة إبادة.
وعلى خطى الزرقاوي، تجاهل البغدادي الدعوات المتكررة من معلمه أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، والمتشددين الآخرين من أجل تفادي ارتكاب جرائم قتل بلا تمييز ضد الشيعة، وأن يشن بدلا من ذلك هجمات على الأنظمة التي يهيمن عليها الشيعة والعلويون في العراق وسوريا.
نظرات على الولايات المتحدة
استطاع البغدادي، مستفيدا من عمق الخلاف بين السنة والشيعة في العراق والحرب الطائفية في سوريا، أن يبني قاعدة دعم قوية بين المتمردين السنة فضلا عن دمج جماعته في المجتمعات المحلية.
كما أعاد بناء شبكته العسكرية وضم ضباطا محنكين في جيش صدام حسين السابق، وهم من جعلوا من تنظيمه قوة قتالية طائفية تتمتع باحترافية.
ومازال التنظيم يركز على الشيعة وليس “العدو البعيد”. فالكفاح ضد الولايات المتحدة وأوروبا مازال بعيدا ولا يحتل أولوية لديه.
ففي ذروة القصف الإسرائيلي لغزة في أغسطس/آب الماضي، انتقد ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي تنظيم الدولة الإسلامية لقتله مسلمين، وأنه لم يفعل شيئا لمساعدة الفلسطينيين.
وكان رد التنظيم قاسيا بقوله إن الكفاح ضد الشيعة أولى من أي شئ آخر.
ومع دخول الولايات المتحدة وأوروبا حاليا في الصراع ضد تنظيم الدولة الإسلامية، سوف تستخدم الجماعة أصولها في الانتقام، بما في ذلك ذبح المزيد من الرهائن. كما أن هناك احتمالات مطردة بأن التنظيم قد يشن هجمات على أهداف دبلوماسية ناعمة في الشرق الأوسط.
وربما يرغب التنظيم في شن عملية نوعية كبرى على الأراضي الأمريكية أو الأوروبية، إلا أن ثمة شكوك بشأن قدرات التنظيم حاليا على تنفيذ هجمات معقدة كتلك التي نفذت في 11 من سبتمبر/أيلول.
فقبل أشهر، اعترف البغدادي بأن تنظيمه غير مجهز لشن هجمات على الأمريكيين في بلدهم.
على أنه قال إنه يتمنى أن تنشر الولايات المتحدة قوات على الأرض حتى يتسنى للتنظيم الاشتباك مباشرة مع الأمريكيين وقتلهم.